قصة قصيرة
حيدر عاشور
موقف لن انساه ما حييت، انها لحادثة مدهشة، لن يتقبلها العقل بسهولة، عندما هويت كما تهوى الورقة من أعلى الجبل، وانطفأت شمعة المستقبل، وتوقف الزمن عند هبوطها على الارض تتقاذفها الرياح أينما تشاء، لا سلطان عليها سوى بَارئَ السَّمواتِ. امسكتها على حين غرة يد كريمة، حررتها من عاصفة الحياة، انقذتها من السقوط في صيرورة المياه الاسنة. في الظلام، تعرفت اليها، كنت خارجا من الاعصار، ولا زلت في غيبوبة رؤيتها، عند رؤيتي لها اول مرة، لم ترد على تحيتي، بل رد عليّ صوتٌ لم اسمع اعذب منه في حياتي، شدني اليه بقوة، فقد اعتدت ان اعشق الاصوات الرقيقة واميزها، كانت تنعشني بحلاوة انغامها، وعكس ذلك فان الصوت القبيح الذي لا يروق روحي، يوجع بطني ويجعلها تقرقر منتفضةٌ على غثاثة الصوت. بقيت أول الامر وحدي، ولم أبق طويلا حتى امتلات ثقة. وان هي الا لحظة، حتى كنت مرة اخرى فوق الجبل، وكان شعاع من نور السماء ينير طريقي من جديد، ووجهها الملائكي يرافقني اينما حللت كظلي، كانت كالفراشة بلونها الابيض المشع نورا تحلق على ارض فردوسية حقولها خضراء وقببها ذهبية وأنهارها خضرٌ عذبة وسمائها زرقاء صافية، وحجيجها طائرون حولها لا هم في السماء، ولا هم في الارض، فردوسيون وهم في الحياة. والحق انها القوة الخفية لهذه الارض، لو كانت في ارض اخرى لا عتبروها الام الحنون الاولى منذ ان خلق الله الخليقة، واطلقوا عليها سيدة الكون بلا منازع.. اعترف انني دهشت حتى الاغماء حين سمعت صوتها، وسألتني فجأة: - أيمكنك أن تشعل شمعتك من جديد..؟ بعد ان قتلت الشر في داخلك..! ايقنت من عذوبة صوتها، وانا الباحث عن وجهها بين وهج الضياء، أنها جادة في سؤالها، قلت: - وهل تقبل مني التوبة..؟ جاء الصوت مدويا : من غير ريب اذا التحقت بمدرسة المبعوثين..؟ وهي فرصة الفرص اذا شع النور في عينيك من جديد.. شعرت ببعض الاعتزاز، انني احد مريديها، طالما حلمت ان اراها، وبحثت عنها في كل مكتوب ومسموع..الان وقد رايت شعاعها وسمعت صوتها، وعزمت على ان اراها ما وسعني ذلك. صحوت وانا اردد،قولها: فرصة الفرص.!، حاولت الرجوع الى ذلك العالم، كان هذا الكلام الاخير، ولم تطرح علي بعد ذلك أي سؤال، نهضت واتجهت نحو المدينة الفردوسية، وكان كل شيء فيها هادئا، كما رايت ولكن ليس هناك محلقين حولها من الحجيج، هم بشر مختلفين، منهم من انقذ من ايادي الاعصار ومنهم من ينتظر.. جلست قابلة محراب الدماء الزاكيات، مكان الصوت، استشعر السعادة بلقائها مرة أخرى. [email protected]
صوتُ فردوسي
حيدر عاشور