بسم الله الرحمن الرحيم
باب إعراب الاسم المفرد
[الاسم المفرد على ضربين]
إن قال قائل : على كم ضربا الاسم المفرد؟ قيل : على ضربين ؛ صحيح ، ومعتلّ ؛ فالصّحيح في عرف النّحويّين : ما لم يكن آخره ألفا ، ولا ياء قبلها كسرة ؛ نحو : رجل ، وفرس ، وما أشبه ذلك ؛ وهو على ضربين : منصرف.
وغير منصرف.
[علامات الاسم المنصرف]
فالمنصرف : ما دخله الحركات الثّلاث مع التّنوين ؛ نحو : هذا زيد ، ورأيت زيدا ، ومررت بزيد ؛ وهذا الضّرب يسمّى «الأمكن» وقد يسمّى أيضا «متمكّنا».
[التّنوين علامة الصّرف]
فإن قيل : لم جعلوا التّنوين علامة للصّرف دون غيره؟ قيل : لأنّ أولى ما يزاد حروف المدّ واللّين ؛ وهي الألف ، والياء ، والواو ، إلّا أنّهم عدلوا عن زيادتها (إلى التّنوين ، لما يلزم من اعتلالها وانتقالها) (1) ، ألا ترى أنّهم لو جعلوا الواو علامة للصّرف ؛ لا نقلبت ياء في الجرّ ؛ لانكسار ما قبلها؟ وكذلك ، حكم الياء والألف في الاعتلال ، والانتقال من حال إلى حال ؛ وكان التّنوين أولى من غيره ؛ لأنّه خفيف يضارع حروف العلّة ، ألا ترى أنّه غنّة في الخيشوم ، وأنّه لا معتمد له في الحلق ، فأشبه الألف إذا كان حرفا هوائيّا.
[خلافهم في أسباب دخول التّنوين في الكلام]
فإن قيل : فلماذا دخل التّنوين الكلام؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب سيبويه إلى أنّه دخل الكلام علامة للأخفّ عليهم ، والأمكن عندهم ،وذهب بعضهم إلى أنّه دخل فرقا بين الاسم والفعل ، وذهب آخرون إلى أنّه دخل فرقا بين ما ينصرف وما لا ينصرف.
[علامات غير المنصرف]
وأمّا غير المنصرف : فما لم يدخله الجرّ مع التّنوين ، وكان ثانيا من وجهين ؛ نحو : مررت بأحمد وإبراهيم ، وما أشبه ذلك. وإنّما منع هذا الضّرب من الأسماء الصّرف ؛ لأنّه يشبه الفعل ، فمنع من التّنوين ، ومن الجرّ تبعا للتّنوين لما بينهما من المصاحبة ، وذهب بعضهم إلى أنّه منع الجرّ ؛ لأنّه أشبه الفعل ؛ والفعل لا يدخله جرّ ، ولا تنوين ، فكذلك ما أشبهه ، وهذا الضّرب سمّي «المتمكن» ولا يسمّى «أمكن» وكلّ أمكن متمكّن ، وليس كلّ متمكّن أمكن.
[دخول الجرّ على المعرّف]
فإن قيل : فلم يدخل الجرّ مع الألف واللّام ، أو الإضافة؟ قيل : للأمن من دخول التّنوين مع الألف واللّام والإضافة ، وسترى هذا في موضعه إن شاء الله تعالى.
[تعريف الاسم المعتل]
والمعتلّ : ما كان آخره ألفا ، أو ياء قبلها كسرة.
[الاسم المعتلّ على ضربين]
وهو على ضربين ؛ منقوص ، ومقصور ؛ فالمنقوص : ما كانت في آخره ياء خفيفة قبلها كسرة ؛ وذلك نحو : القاضي ، والدّاعي ؛ فإن قيل : فلم سمّي منقوصا؟ قيل : لأنّه نقص الرّفع والجرّ ؛ تقول : هذا قاض يا فتى ، ومررت بقاض ؛ والأصل : هذا قاضي ، ومررت بقاضي ، إلّا استثقلوا الضّمّة والكسرة على الياء ، فحذفوهما ؛ فبقيت الياء ساكنة ، والتّنوين ساكنا ، فحذفوا الياء لالتقاء السّاكنين ، وكان حذف الياء أولى من حذف التّنوين لوجهين ؛
أحدهما : أنّ الياء إذا حذفت بقي في اللّفظ ما يدلّ عليها ، وهي الكسرة ، بخلاف التّنوين ، فإنّه لو حذف ، لم يبق في اللّفظ ما يدلّ على حذفه ، فلّما وجب حذف أحدهما ؛ كان حذف ما في اللّفظ دلالة على حذفه أولى.
والثّاني : أنّ التّنوين دخل لمعنى وهو الصّرف ، وأمّا الياء ، فليست كذلك ، فلمّا وجب حذف أحدهما ؛ كان حذف ما لم يدخل لمعنى أولى من حذف ما دخل لمعنى. وأمّا إذا كان منصوبا ، فهو بمنزلة الصّحيح ؛ لخفّة الفتحة ؛ فإن قيل : الحركات كلّها تستثقل على حرف العلّة ؛ بدليل قولهم :
باب وناب ، والأصل فيهما : بوب ، ونيب ، إلّا أنّهم استثقلوا الفتحة على الواو والياء ؛ فقلبوا كلّ واحدة منهما ألفا ؛ قيل : الفتحة في هذا النّحو (2) لازمة ، ليست بعارضة ، بخلاف الفتحة التي على ياء «قاض» فإنّها عارضة وليست بلازمة ؛ فلهذا المعنى ، استثقلوا الفتحة / في / (3) نحو : باب وناب ولم يستثقلوها في نحو : قاض.
[الوقف على الاسم المنقوص]
فإن وقفت على المرفوع والمجرور من هذا الضّرب ، كان لك فيه مذهبان : إسقاط الياء ، وإثباتها. واختلف النّحويّون في الأجود منهما ؛ فذهب سيبويه إلى أنّ حذف الياء أجود إجراء للوقف على الوصل ؛ لأنّ الوصل هو الأصل ، وذهب يونس إلى أنّ إثبات الياء أجود ؛ لأنّ الياء إنّما حذفت لأجل التّنوين ، ولا تنوين في الوقف ، فوجب ردّ الياء ، وقد قرأ بعض القرّاء قوله تعالى : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ)(4) بغير ياء ، وقد قرأ بعضهم بالياء فإن كان منصوبا ، أبدلت من تنوينه ألفا كسائر الأسماء المنصرفة الصّحيحة ؛ فتقول : «رأيت قاضيا» كما تقول : «رأيت ضاربا». وإن كان فيه ألف ولام ، كان حكمه في الوصل حكم ما ليس فيه ألف ولام في حذف الضّمّة والكسرة ، ودخول الفتحة ، وكان لك أيضا في الوقف في حالة الرّفع والجرّ إثبات الياء وحذفها ، وإثباتها أجود الوجهين ؛ لأنّ التّنوين لا يجوز أن يثبت مع الألف واللّام ، فإذا زال علّة إسقاط الياء ؛ وجب أن تثبت ؛ وكان بعض العرب يقف بغير ياء ، وذلك أنّه قدّر حذف الياء في «قاض» ونحوه ، ثمّ أدخل عليه الألف واللّام ، وبقي الحذف على حاله ؛ وهذا ضعيف جدّا ، وقد قرأ بعض القرّاء في قوله تعالى : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ)(5). فإن كان منصوبا لم يكن الوقف عليه إلّا بالياء ، قال الله تعالى : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ)(6) ، وذلك ؛ لأنّه تنزّل بالحركة منزلة الحرف الصّحيح ، فتحصنّ (7) بها من الحذف.
[تعريف الاسم المقصور]
وأمّا المقصور فهو المختصّ بألف مفردة في آخره ؛ نحو الهوى ، والهدى ، والدّنيا ، والأخرى ، وسمّي مقصورا ؛ لأنّ حركات الإعراب قصرت عنه ؛ أي :
حبست ؛ والقصر : الحبس ؛ ومنه يقال : امرأة مقصورة ، وقصيرة ، وقصورة ؛ قال الله تعالى : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ)(8) ؛ أي محبوسات ؛ وقال الشّاعر (9) : [الطّويل]
وأنت التي حبّبت كلّ قصيرة |
إليّ ولم تشعر بذاك القصائر |
|
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد |
قصار الخطا ، شرّ النّساء البحاتر (10) |
ويروى : قصورة ، والبهاتر : القصار بمعنى واحد.
[الاسم المقصور ضربان]
وهو على ضربين ؛ منصرف ، وغير منصرف ؛ فالمنصرف : ما دخله التّنوين ؛ نحو : هذه عصا ورحى ، ورأيت عصا ورحى ، ومررت بعصا ورحى ، والأصل فيه : عصو ، ورحي ، إلّا أنّ الواو والياء ، لمّا تحرّكا ، وانفتح ما قبلهما ؛ قلبا ألفين ، وحذفت الألف منهما ؛ لسكونها وسكون التّنوين ، وكان حذفها أولى لما ذكرناه في حذف الياء ؛ نحو : قاض.
[الوقف على الاسم المقصور]
فإن وقفت على شيء من هذا الضّرب ، فقد اختلف النّحويّون فيه على مذاهب ؛ فذهب سيبويه (11) إلى أنّ الوقف في حالة الرّفع والجرّ على الألف المبدلة من الحرف الأصليّ ، وفي حالة النّصب على الألف المبدلة من التّنوين حملا (12) للمعتلّ على الصّحيح ، وذهب أبو عثمان المازنيّ (13) إلى أنّ الوقف في الأحوال الثّلاثة ، على الألف المبدلة من التّنوين لأنّهم إنّما خصّوا الإبدال بحال النّصب في الصّحيح ؛ لأنّه يؤدّي إلى الألف التي هي أخفّ الحروف ، ولم يبدلوا في حالة الرّفع والجرّ ؛ لأنّه يفضي إلى الثّقل واللّبس ؛ وذلك غير موجود هنا ؛ لأنّ ما قبل التّنوين ـ ههنا ـ لا يكون إلّا مفتوحا ، فأبدلوا منه ألفا ؛ لأنّه لا يجلب ثقلا ، ولا يجلب لبسا ؛ وذهب أبو سعيد السّيرافيّ (14) إلى أنّ الوقف في الأحوال الثّلاثة على الألف المبدلة من الحرف الأصليّ ، وذلك ؛ لأنّ بعض القرّاء يميلونها في قوله تعالى : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً)(15) ولو كانت مبدلة من التّنوين ؛ لما جازت ـ ههنا ـ إمالتها ، ألا ترى أنّك لو أملت الألف في نحو : رأيت عمرا ؛ لكان غير جائز؟ فلمّا جازت الإمالة ـ ههنا ـ دلّ على أنّها مبدلة من الحرف الأصليّ لا من التّنوين.
[المقصور غير المنصرف]
وغير المنصرف : ما لم يلحقه التّنوين ، وذلك ؛ نحو : حبلى ، وبشرى ، وسكرى ، وتثبت فيه الألف وصلا ووقفا ، إذ ليس يلحقها تنوين ، تحذف من أجله ، فإن لقيها ساكن من كلمة أخرى ؛ حذفت لالتقاء السّاكنين.
[علّة إعراب الأسماء السّتة بالحروف]
فإن قيل : فلم أعربت الأسماء السّتة المعتلّة بالحروف وهي أسماء مفردة؟
قيل : إنّما أعربت بالحروف توطئة لما يأتي من باب التّثنية والجمع. فإن قيل : فلم كانت هذه الأسماء أولى بالتّوطئة (16) من غيرها؟ قيل : لأنّ هذه الأسماء منها ما تغلب عليه الإضافة ؛ ومنها ما تلزمه الإضافة ، فما تغلب عليه : أبوك ، وأخوك ، وحموك ، وهنوك ؛ وما تلزمه الإضافة : فوك ، وذو مال ؛ والإضافة فرع على الإفراد ، كما أنّ التّثنية والجمع فرع على المفرد ، فلّما وجدت المشابهة بينهما من هذا الوجه ؛ كانت أولى من غيرها ؛ ولمّا وجب أن تعرب بالحروف لهذه المشابهة ، أقاموا كلّ حرف مقام ما يجانسه من الحركات ؛ فجعلوا الواو علامة للرّفع ، والألف علامة للنّصب ، والياء علامة للجرّ ؛ وذهب الكوفيّون إلى أنّ الواو والضّمّة قبلها علامة للرّفع ، والألف والفتحة قبلها علامة للنّصب ، والياء والكسرة قبلها علامة للجرّ ، فجعلوه معربا من مكانين ، وقد بيّنّا فساده في
مسائل الخلاف بين البصريّين والكوفّيين. وذهب بعض النّحويّين إلى أنّ هذه الأسماء إذا كانت في موضع رفع ؛ كان فيها نقل بلا قلب ، وإذا كانت في موضع نصب ، كان فيها قلب بلا نقل ، وإذا كانت في موضع جرّ كان فيها نقل وقلب ؛ ألا ترى أنّك إذا قلت : هذا أبوك ، كان الأصل فيه : هذا أبوك ؛ فنقلت الضّمّة من الواو إلى ما قبلها ، فكان فيه نقل بلا قلب ، وإذا قلت : رأيت أباك ، كان الأصل فيه : رأيت أبوك ، فتحرّكت الواو ، وانفتح ما قبلها ، فقلبت الواو ألفا ، فكان فيه قلب بلا نقل ، وإذا قلت : مررت بأبيك ، كان الأصل فيه : مررت بأبوك ؛ فنقلت الكسرة من الواو إلى ما قبلها ، وانقلبت الواو ياء ؛ لسكونها وانكسار ما قبلها ، فكان فيه نقل وقلب ؛ وذهب بعض النّحويّين إلى أنّ الياء والواو والألف ، نشأت عن إشباع الحركات كقول الشّاعر (17) : [البسيط]
[الاسم المقصور ضربان]
وهو على ضربين ؛ منصرف ، وغير منصرف ؛ فالمنصرف : ما دخله التّنوين ؛ نحو : هذه عصا ورحى ، ورأيت عصا ورحى ، ومررت بعصا ورحى ، والأصل فيه : عصو ، ورحي ، إلّا أنّ الواو والياء ، لمّا تحرّكا ، وانفتح ما قبلهما ؛ قلبا ألفين ، وحذفت الألف منهما ؛ لسكونها وسكون التّنوين ، وكان حذفها أولى لما ذكرناه في حذف الياء ؛ نحو : قاض.
[الوقف على الاسم المقصور]
فإن وقفت على شيء من هذا الضّرب ، فقد اختلف النّحويّون فيه على مذاهب ؛ فذهب سيبويه (11) إلى أنّ الوقف في حالة الرّفع والجرّ على الألف المبدلة من الحرف الأصليّ ، وفي حالة النّصب على الألف المبدلة من التّنوين حملا (12) للمعتلّ على الصّحيح ، وذهب أبو عثمان المازنيّ (13) إلى أنّ الوقف في الأحوال الثّلاثة ، على الألف المبدلة من التّنوين لأنّهم إنّما خصّوا الإبدال بحال النّصب في الصّحيح ؛ لأنّه يؤدّي إلى الألف التي هي أخفّ الحروف ، ولم يبدلوا في حالة الرّفع والجرّ ؛ لأنّه يفضي إلى الثّقل واللّبس ؛ وذلك غير موجود هنا ؛ لأنّ ما قبل التّنوين ـ ههنا ـ لا يكون إلّا مفتوحا ، فأبدلوا منه ألفا ؛ لأنّه لا يجلب ثقلا ، ولا يجلب لبسا ؛ وذهب أبو سعيد السّيرافيّ (14) إلى أنّ الوقف في الأحوال الثّلاثة على الألف المبدلة من الحرف الأصليّ ، وذلك ؛ لأنّ بعض القرّاء يميلونها في قوله تعالى : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً)(15) ولو كانت مبدلة من التّنوين ؛ لما جازت ـ ههنا ـ إمالتها ، ألا ترى أنّك لو أملت الألف في نحو : رأيت عمرا ؛ لكان غير جائز؟ فلمّا جازت الإمالة ـ ههنا ـ دلّ على أنّها مبدلة من الحرف الأصليّ لا من التّنوين.
[المقصور غير المنصرف]
وغير المنصرف : ما لم يلحقه التّنوين ، وذلك ؛ نحو : حبلى ، وبشرى ، وسكرى ، وتثبت فيه الألف وصلا ووقفا ، إذ ليس يلحقها تنوين ، تحذف من أجله ، فإن لقيها ساكن من كلمة أخرى ؛ حذفت لالتقاء السّاكنين.
[علّة إعراب الأسماء السّتة بالحروف]
فإن قيل : فلم أعربت الأسماء السّتة المعتلّة بالحروف وهي أسماء مفردة؟
قيل : إنّما أعربت بالحروف توطئة لما يأتي من باب التّثنية والجمع. فإن قيل : فلم كانت هذه الأسماء أولى بالتّوطئة (16) من غيرها؟ قيل : لأنّ هذه الأسماء منها ما تغلب عليه الإضافة ؛ ومنها ما تلزمه الإضافة ، فما تغلب عليه : أبوك ، وأخوك ، وحموك ، وهنوك ؛ وما تلزمه الإضافة : فوك ، وذو مال ؛ والإضافة فرع على الإفراد ، كما أنّ التّثنية والجمع فرع على المفرد ، فلّما وجدت المشابهة بينهما من هذا الوجه ؛ كانت أولى من غيرها ؛ ولمّا وجب أن تعرب بالحروف لهذه المشابهة ، أقاموا كلّ حرف مقام ما يجانسه من الحركات ؛ فجعلوا الواو علامة للرّفع ، والألف علامة للنّصب ، والياء علامة للجرّ ؛ وذهب الكوفيّون إلى أنّ الواو والضّمّة قبلها علامة للرّفع ، والألف والفتحة قبلها علامة للنّصب ، والياء والكسرة قبلها علامة للجرّ ، فجعلوه معربا من مكانين ، وقد بيّنّا فساده في
مسائل الخلاف بين البصريّين والكوفّيين. وذهب بعض النّحويّين إلى أنّ هذه الأسماء إذا كانت في موضع رفع ؛ كان فيها نقل بلا قلب ، وإذا كانت في موضع نصب ، كان فيها قلب بلا نقل ، وإذا كانت في موضع جرّ كان فيها نقل وقلب ؛ ألا ترى أنّك إذا قلت : هذا أبوك ، كان الأصل فيه : هذا أبوك ؛ فنقلت الضّمّة من الواو إلى ما قبلها ، فكان فيه نقل بلا قلب ، وإذا قلت : رأيت أباك ، كان الأصل فيه : رأيت أبوك ، فتحرّكت الواو ، وانفتح ما قبلها ، فقلبت الواو ألفا ، فكان فيه قلب بلا نقل ، وإذا قلت : مررت بأبيك ، كان الأصل فيه : مررت بأبوك ؛ فنقلت الكسرة من الواو إلى ما قبلها ، وانقلبت الواو ياء ؛ لسكونها وانكسار ما قبلها ، فكان فيه نقل وقلب ؛ وذهب بعض النّحويّين إلى أنّ الياء والواو والألف ، نشأت عن إشباع الحركات كقول الشّاعر (17) : [البسيط]
الله يعلم أنّا في تلفّتنا |
يوم الفراق إلى إخواننا صور |
|
وأنّني حيثما يثن الهوى بصري |
من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور (18) |
أراد : فأنظر ، فأشبع الضّمّة ؛ فنشأت الواو. وكما قال الآخر (19) في إشباع الفتحة : [الوافر]
وأنت من الغوائل حين ترمي |
ومن ذم الرجال بمنتزاح (20) |
أراد : بمنتزح ، فأشبع الفتحة ؛ فنشأت الألف ؛ وقال الآخر (21) في إشباع الكسرة : [البسيط]
تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة |
نفي الدّراهيم تنقاد الصّياريف (22) |
أراد : الصّيارف ، فأشبع الكسرة ؛ فنشأت الياء ، والشّواهد على (23) إشباع الضّمّة والفتحة والكسرة كثيرة جدّا ؛ وهذا القول ضعيف ؛ لأنّ إشباع الحركات إنّما يكون في ضرورة الشّعر كهذه الأبيات ؛ وأمّا في حالة الاختيار ، فلا يجوز ذلك بالإجماع ، فلمّا جاز ـ ههنا ـ في حالة الاختيار أن تقول : هذا أبوه ، ورأيت أباه ، ومررت بأبيه ، دلّ على أنّ هذه الحروف ما نشأت عن إشباع الحركات. وقد حكي عن بعض العرب أنّهم يقولون : «هذا أبك ، ورأيت أبك ، ومررت بأبك» من غير واو ، ولا ألف ، ولا ياء ؛ ويحكى عن بعض العرب أنّهم يقولون : «هذا أباك ، ورأيت أباك ، ومررت بأباك» بالألف في حالة الرّفع والنّصب والجرّ ؛ كقوله (24) : [الرّجز]
إنّ أباها وأبا أباها |
[قد بلغا في المجد غايتاها] |
والذي يعتمد عليه هو القول الأوّل ، وقد بيّنّا ذلك مستقصى في كتابنا الموسوم : ب «الإسماء في شرح الأسماء».
_________________(1) سقطت من (ط) والزّيادة من (س).
(2) في (ط) البحر وربّما كان خطأ مطبعيّا.
(3) سقطت في (ط).
(4) س : 16 (النّحل ، ن : 96 ، مك).
(5) س : 2 (البقرة ، ن : 186 ، مد).
(6) س : 75(القيامة ، 26، مك).
(7) في (ط) فيخصّ ؛ والصّواب ما أثبتنا من (س).
(8) س : 55 (الرّحمن : 72 ، مد).
(9) الشّاعر : كثيّر عزّة ؛ وهو كثيّر بن عبد الرّحمن الخزاعيّ ، صاحب عزّة ، أحد الشّعراء العشّاق في العصر الأمويّ ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة 105 ه. الشّعر والشّعراء 1 / 503.
(10) المفردات الغريبة : القصائر : جمع قصيرة. الحجال : إمّا جمع حجلة ، كالقبّة ، وموضع يزيّن بالثّياب والسّتور للعروس. وإمّا الخلخال.
البحاتر : جمع بحتر ، وهو القصير المجتمع الخلق ؛ ويروى البهاتر ـ كما جاء في النّسخة «س» ـ وهما بمعنى واحد. جاء في القاموس المحيط : والبهترة ـ بالضّمّ ـ القصيرة ، كالبهتر. وبالفتح الكذب. القاموس المحيط : مادة «بهتر» ص : 320.
(11) سيبويه : عمرو بن قنبر ، أخذ النّحو عن الخليل بن أحمد ، وكان من أعلم النّاس به بعده ؛ له «الكتاب» الذي سمّاه النّاس لأهميّته «قرآن النّحو». مات بشيراز سنة 180ه. مراتب النّحويّين64 .
(12) في (ط) عملا ؛ وربّما كان غلطا مطبعيّا.
(13) المازنيّ : أبو عثمان ، بكر بن محمد ، من متقدّمي النّحاة ؛ أخذ عنه المبرّد ، وغيره ؛ من
آثاره : التّصريف الملوكي. مات سنة 249 ه. إنباه الرّواة 1 / 246 ، وبغية الوعاة 1 / 463.
(14) السّيرافيّ : أبو سعيد ، الحسن بن عبد الله ، نحويّ ، متفقّه ، ورع ؛ من مؤلّفاته : أخبار النّحويّين البصريّين ، وشرح كتاب سيبويه. مات سنة 368 ه. البغية : 1 / 507 ـ 509.
(15) س : 20(طه ، ن : 10 ، مك).
(16) في (س) بالتّوطيد.
(17) لم ينسب إلى قائل معيّن.
(18) المفردات الغريبة : صور : جمع «أصور» وهو المائل العنق.
موطن الشّاهد : «فأنظور» وجه الاستشهاد : أشبع الشّاعر ضمّة الظّاء ـ مراعاة للوزن ـ فنشأت الواو ؛ وهذا جائز في الشّعر ؛ لإقامة الوزن.
(19) ينسب البيت إلى إبراهيم بن هرمة ، وهو شاعر غزل من مخضرمي الدّولتين الأمويّة والعبّاسيّة ، وهو آخر من يحتجّ بشعره من الشّعراء ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات حوالى 150 ه. الشّعر والشّعراء 2 / 7534.
(20) المفردات الغريبة : الغوائل : نوازل الدّهر. منتزاح : منتزح ؛ وهو البعيد.
موطن الشّاهد : «بمنتزاح». وجه الاستشهاد : أشبع الشّاعر فتحة الزّاي ـ مراعاة للوزن ـ فنشأت الألف ؛ وحكم هذا الجواز في الشّعر ؛ لإقامة الوزن.
(21) القائل : الفرزدق ، وهو همّام بن غالب التّميميّ ، أحد ثالوث الشّعر في العصر الأموي ؛ جرير ، والأخطل ، والفرزدق ، وكان أكثرهما فخرا ؛ له يوان شعر مطبوع. مات سنة 110ه.
(22) المفردات الغريبة : تنفي : تدفع. الحصى : جمع حصاة. الهاجرة : وقت اشتداد الحرّعند ما ينتصف النّهار. تنقاد : مصدر نقد الدّراهم ـ ميّز رديئها من جيّدها. الصّياريف :جمع «صيرف» وهو الخبير بالنّقد الذي يبادل بعضه ببعض.
موطن الشّاهد : «الدّراهيم ، الصّياريف».
وجه الاستشهاد : الأصل فيهما : الدّراهم والصّيارف ؛ فأشبع كسرة الهاء في الدّراهم ، وكسرة الرّاء في الصّيارف ؛ فتولّدت عن كلّ إشباع منهما ياء ؛ وحكم هذا الإشباع الجواز للضّرورة الشّعرية. وقيل : إنّ «دراهيم» جمع «درهام» لا جمع درهم ، ولا شاهد فيه ، حيث لا زيادة ولا حذف.
(23) في (ط) في ، والصّواب ما أثبتنا من (س).
(24) القائل : أبو النّجم العجليّ ؛ وهو الفضل بن قدامة ، من بني بكر بن وائل ، من أشهر الرّجّاز وأحسنهم إنشادا للشّعر. مات سنة 130 ه. الأعلام : 5357 / 357.
موطن الشّاهد : «أبا أباها».
وجه الاستشهاد : ألزم قوله «أبا» وهو من الأسماء السّتّة الألف في حالة الجرّ على لغة من يلزمونه الألف في الحالات كلّها ؛ والذي عليه الجمهور ، وما نقل إلينا بالتّواتر : أبا أبيها ؛ لأنّ الأسماء السّتّة علامة جرّها الياء ، كما هو معروف. وفي البيت شاهد آخر في «بلغا. . غايتاها» حيث ألزم المثنّى الألف في حالة النّصب على لغة من يلزمونه ذلك ؛ والذي عليه الجمهور ، وما نقل إلينا بالتّواتر علامة نصب المثنّى الياء.