بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم اخوتي اخواتي الكرام ورحمة الله وبركاته المحقق الأردبيلي المشهور بالمقدس الأردبيلي، أحد أعلام الأمة وعلمائها الأمجاد، أفنى عمره في خدمة الإسلام، ودفع بالإنسانية والفضيلة حيث القمة والمجد، وكان معروفاً بالفقاهة والفضيلة، ليس في عصره فحسب، بل إلى عصرنا الحاضر، وهوما يزال أسطورة خالدة في تقواه وطهارة نفسه. أمره في الثقة والجلالة، والفضل والنبالة، والزهد والديانة، والورع والأمانة، أشهر من أن يحيط به قلم، أويحويه رقم. وكان متكلّماً فقيهاً جليل الشأن رفيع المنزلة، أورعَ أهل زمانه وأعبدهم وأتقاهم. نسبه: هوالملاّ أحمد بن محمد الأردبيلي النجفي. ولد في مدينة أردبيل، ولقِّب الأردبيلي نسبة إلى بلدته. ولادته: لما سأل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «ما أفضل الأعمال؟ قال: الورع عن محارم الله». فكلما كان الإنسان متحفظا في مأكله وطعامه،كان نباته حسنا، وأعظم شيء يذكر في هذا المجال قصة المحقق الأردبيلي، فهو نتاج لقمة الحلال، وطهارة النطفة التي تعتبر أساساً لمخلوق جيد: فقد جاء والده إلى قناة يملأ قربته ماءً فرأى تفاحة تجري على الماء، فأخذها وأكلها، ولكنه وقف فجأة يفكر، كيف أكل التفاحة، ولم يستأذن من صاحبها، فأخذ يعاتب نفسه على هذا التصرف الذي لا ينبغي صدوره منه، ولذا فكر في أن يمشي باتجاه معاكس لجريان الماء، لعله يصل إلى صاحب التفاحة، فيسترضيه على أكله لها، مشى مسافة حتى وصل إلى مزرعة التفاح، فلقي صاحب المزرعة، وكان عليه سيماء الصالحين فقال له: إن تفاحة كانت تجري على الماء في القناة، فأخذتها وأكلتها أرجوك أرض عني! أجابه الرجل: كلا لن أرضى عنك. قال: أعطيك ثمنها. قال: لا وبعد الإصرار والإلحاح الشديدين وافق صاحب المزرعة، أن يرضَ عنه ولكن بشرط واحد! قال الشاب: فما هو الشرط؟ أجاب الرجل: عندي ابنة عمياء، صماء، خرساء، مشلولة الأرجل، إذا وافقت أن تتزوجها أرضَ عنك وإلا فلا! يقول (صلى الله عليه وآله): «لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس به إلاّ مخافة الله إلاّ أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة». فلما رأى الشاب أنه لا سبيل إلى جلب رضاه إلا بالموافقة على هذا الشرط الصعب، دعاه إيمانه إلى الموافقة. وهو يندب حظه ويسترجع (يسترجع: أي يقول إنا لله وإنا إليه راجعون) على هذا البلاء العظيم جراء تفاحة. مضت الأمور كما يريد أبو البنت، وقرأ العقد، وتزوج الشاب، وعند دخوله على عروسه فوجئ بعروس ذات قامة ممشوقة، وهي في غاية الجمال، أنها مواصفات نقيضة للمواصفات التي ذكرها له أبوها. فخرج الشاب مسرعا (خشية حدوث خطأ في الزواج فتحدث له مشكلة أخرى) وإذا بالرجل ينتظره مبتسماً قال: خيراً إلى أين؟ قال الشاب: إن البنت التي ذكرت لي وصفها ليست هي العروس التي دخلت عليها؟ أجابه الرجل: إنها هي. لأني حينما وجدتك جاداً في جلب رضاي لأكلك تفاحة خرجت عن حيازتي، وسقطت في الماء وأخذها الماء مسافة بعيدة وجئت تطلب الحل، علمت أنك الشاب الذي كنت انتظره منذ أمد لأزوجه ابنتي الصالحة هذه. ولقد قلت لك: إنها عمياء خرساء، فلأنها لم تنظر، ولم تكلم رجلا أجنبيا قط. وقلت لك: إنها مشلولة، فلأنها لم تخرج من المنزل لتدور في الطرق، وإنها صماء، فلأنها لم تستمع إلى غيبة أو غناء، أليست هذه فتاة مؤمنة يستحقها شاب مثلك؟ فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): «ترك لقمة الحرام أحب إلى الله من صلاة ألفي ركعة تطوعًا». وكان ثمار هذا الزواج المبارك ولادة إنسان اشتهر في ورعه وتقواه وقربه إلى الله وحبه للنبي (صلى الله عليه وآله) ومودته العميقة لأهل البيت (عليهم السلام) وعرف عنه كثرة ملاقاته لمولانا صاحب العصر والزمان، وهو المقدس الجليل الشيخ أحمد الأردبيلي. ولكي نعلم كيف صار الشيخ المقدس، هكذا لننظر إلى أمه ماذا تقول حينما سُئلت كيف صار ولدها الشيخ بهذا المقام؟ فأجابت: أني لم آكل في حياتي لقمة مشبوهة، وقبل إرضاع طفلي كنت مداومة على إسباغ الوضوء، ولم انظر إلى رجل أجنبي بريبة قط، وسعيت في تربية طفلي أن أراعي النظافة والطهارة، وأن يصاحب الأولاد الصالحين. ونحن حينما نتأمل هذه الحادثة العظيمة نعرف كيف يكون أثر لقمة الحلال، وكيف يؤثر الاجتناب عن المحرمات، وردع النفس عن الاقتحام في الشبهات والمحظورات. فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): «ترك لقمة الحرام أحب إلى الله من صلاة ألفي ركعة تطوعًا»(عدة الداعي: 65). دراسته: درس المقدس الأردبيلي في مدينة أردبيل، مسقط رأسه. حيث نشأ وترعرع فيها. ثم انتقل إلى مدينة شيراز، ودرس العلوم العقلية والنقلية. حسب ما صرّح به صاحب كتاب رياض العلماء، للمرحوم الميرزا عبد الله الأصفهاني.بعدها انتقل إلى النجف الأشرف حيث درس الفقه والأصول بأساليب متعددة. لقد بلغ الأردبيلي مراتباً رفيعة في العلم، من خلال بحوثه ودقته وتقصِّيه للحقائق،غير أن شخصيته نهضت على تلك الروح الشفافة،والنفس الصافية. فكان فريد عصره ووحيد زمانه، حتى لقِّب بالمقدّس. الذي اختص به دون سائر علماء الشيعة. أساتذته: لم يعرف عن أساتذته الكثير من التفصيل، ولكن ذكر العلاّمة الأمين في أعيان الشيعة نقلاً عن حدائق المقربين: "ومن مشايخه المولى جمال الدين محمود، تلميذ جمال الدين الدَّواني، والمولى عبد الله اليزدي، صاحب حاشية تهذيب المنطق للتفتازاني، والمولى الميرزا جان الباغندي. تلامذته: نمت علوم الأردبيلي، وغزرت حتى التفّ حوله طلاب العلوم الدينية لينهلوا من فيض نبعه الصافي علوماً متعددة، وقد تخرج على يديه علماء كبار، منهم: 1ـ الشيخ حسن بن زين الدين الجبعي العاملي، المعروف بابن الشهيد الثاني. 2ـ السيّد محمّد بن علي الموسوي الجبعي العاملي. 3ـ الشيخ فضل الله التفريشي. 4ـ الشيخ مير غلام التفريشي. 5ـ الشيخ عناية الله القهبائي. 6ـ الشيخ عبد الله التستري. ويروى أن جملة من الأجلاء الكبار كصاحبي المعالم والمدارك لمّا وردا العراق، طلبا منه درساً خاصاً بهما، وأن يبيِّن وجهة نظره فقط، إن كان له نظر مخالف في المسألة. فأجابهما إلى ذلك، فكانا يقرآن كثيراً من المسائل بدون أن يتكلم فيها بشيء، فأخذ بعض تلامذته يهزؤون بهما، فقال لهم الأردبيلي: قريباً يذهب هذان إلى جبل عامل ويصنفان المصنفات، وتقرؤون فيها، فكان كما قال: حيث صنّف الشيخ حسن (المعالم)، والسيد محمد (المدارك)، وجاءت إلى العراق وقرأ فيها الناس. مؤلفاته: 1ـ مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان. 2ـ زبدة البيان في شرح آيات أحكام القرآن. 3ـ حديقة الشيعة في تفصيل أحوال النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام). 4ـ إثبات الإمامة (بالفارسية). 5ـ إثبات الواجب تعالى. 6ـ تعليقات على شرح المختصر العضدي. 7ـ تعليقات على خراجية المحقق الثاني. 8ـ حاشية على إلهيات شرح التجريد. 9ـ إثبات الإمامة، باللغة الفارسية. 10ـ رسالة إثبات الواجب. 11ـ رسالتان في الخراج. 12ـ استيناس المعنوية. 13ـ أُصول الدين. وله رسائل وتعليقات، وكتب باللغة الفارسيّة. يتبع..
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
علمائنا مفاخرنا 1
تقليص
X