بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علىأشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
الشبهة: يعتقد الشيعة بأفضليّة النبي وعليّ بنأبي طالب على الحسين ، ومع ذلك فهم لا يبكون عليهما مثلما يبكون على ولده الحسين ؟!
الجواب: لا خلاف في كون عليّ(عليه السلام) أفضلمن جميع أولاده ، فهذه مسألة مسلّمة عند الشيعة ، كما لا خلاف أيضاً في كون رسول الله(صلىالله عليه وآله) أفضل من الجميع (عليّ وأبنائه) ، ولكن أفضليّة عليّ(عليه السلام) وأفضليّةسائر أبنائه المعصومين(عليهم السلام) هي شعاع من أفضليّة رسول الله(صلى الله عليه وآلهوسلم) . أمّا شهادة الحسين(عليه السلام) فلها شأنٌ آخر ، حيث إنّ ذكرى شهادته(عليهالسلام) تختلف عن ذكرى شهادة الأئمّة الآخرين وذلك يرجع إلى الأسباب التالية :
1 ـ شهادة الحسين(عليه السلام) تمثِّل فاجعةإنسانيّة كُبرى تُدمى لها القلوب المؤمنة وتطير منها العقول الحيّة ، حيث تمّ خلالهذه المأساة قتل 72 من أفضل أهل بيت الحسين وأصحابه ولم يستثن منهم أحد حتّى الطفلالرضيع ، وكان ذلك على يد شرذمة لم تعرف طعم الإيمان والإنسانيّة .
2 ـ إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وأمير المؤمنين(عليه السلام) كانا كلّما ذكرا شهادة الحسين(عليه السلام) ـ قبل وقوعهاـ يذرفان الدموع ، وقد ذكرنا بعض الروايات الخاصّة بذلك في جواب السؤال السابق ، وكذلكالإمام الحسن(عليه السلام) الذي قال لأخيه الحسين في آخر أيّام حياته والسمّ يقطّعأمعاءه : « لا يوم كيومك يا أبا عبدالله» ، ولم يكن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقتصر على البكاء على الحسين(عليه السلام)عند ذكر شهادته ، بل كان كما ذكرنا آنفاًأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعقد مجالس العزاء ([1]) لخصوص الحسين(عليه السلام)ويذكّر بشهادته وقتله ويدعو على قاتليه ويلعنهم ، وهذه إحدى الحوادث التأريخيّة والسننالنبويّة التي يغفل عنها كثير من المسلمين . وقد أفرد العلاّمة الأميني فصلاً خاصّاًلتلك المجالس التي كان يُقيمها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة(عليهمالسلام) في بيوتهم الشريفة، في كتابه « سيرتنا وسنّتنا» .
3 ـ شهادة الحسين(عليه السلام) غيّرت مجرىالتاريخ ، وقلبت الموازين ، وأعادت الإسلام إلى طريقه الصحيح ، بحيث لو لم تكن تلكالثورة وتلك الشهادة لما بقي للدِّين الإسلامي وجودٌ يُذكر ، ولما وصل إلينا اليوم، لأنّ الأمويّين غيّروا مسار الإسلام بل استبدلوه بالجاهليّة بعدما استحوذوا على الخلافةالإسلاميّة واستبدلوها بملك عضوض ; ممّا حدا بالحسين(عليه السلام) أن يقوم وينتفض ويُعيدالإسلام إلى طريقه الطبيعي الذي رسمه جدّه المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقدأشار(عليه السلام) إلى ذلك بقوله : « فعلى الإسلام السلام إذ بُليت الأُمّة براع مثليزيد» .([2])
فالغاية من المواكب الحسينية والمراسم التييقوم بها الشيعة على مدار السنة هي حفظ الإسلام الأصيل الذي جاء به النبيّ(صلى اللهعليه وآله وسلم) ، وهذا بالتأكيد لا يعني أنّالحسين(عليه السلام)أفضل من جدّه وأبيهالعظيمين ، فالإسلام كما قيل : «محمّديّ الوجود ،
حسينيّ البقاء» .
4 ـ من أبعاد ذكرى عاشوراء الحسين(عليهالسلام) أيضاً ; استنكار الظلم الواقع على أهل بيت النبوّة والرسالة ، وفضح أُولئكالمتظاهرين بالإسلام وإقامة الصلاة وإمارة المؤمنين ، حيث عمد هذا الفريق إلى قتل حفيدرسول الله وسيّد شباب أهل الجنّة عطشاناً على شاطئ الفرات ثمّ قطعوا رأسه الشريف ـكما يفعلون اليوم ـ وأجهزوا على 18 رجلاً من أهل بيته وجمع من أصحابه وقطعوا رؤوسهموحملوها على أسنّة الرِّماح من العراق إلى الشام كهديّة إلى يزيد بن معاوية . وأمّابنات رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقد اقتادوهنّ سبايا كأنّهن من سبايا الروم، فهل هذه المصيبة التي حلّت ببيت الرسالة والنبوّة لا تستحقّ من كلّ مسلم أن يتوقّفعندها ويحييها مواساةً لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعملاً بقوله تعالى علىلسان نبيّه : (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)([3]) .
[1] . سيرتنا وسنّتنا : 41 ـ 98 .
[2] . اللهوف : 99، طباعة دار الأُسرة.
[3] . الشورى : 23
تعليق