بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمد وآل محمد
في بداية سورة الشمس أقسم ربّ العزة بالشمس والقمر وذلك لبيان انها خلقت لأجل الانسان الذي يتصف بالفلاح والزكاة.
ومن ثم أقسم بالنفس ، وجاء القسم بالتنكير للنفس وهذا يدل على عظمة النفس وأهمية النفس ومن هنا نفهم كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ((من عرف نفسه فقد عرف ربه)) و ((اعرفكم بأنفسكم أعرفكم بالله)).
أي على الانسان أن يتعرف على خالق هذه النفس من خلال معرفة النفس على أساس التدبر والتفكر لذا أقسم بالمخلوق ومن ثم بالخالق لبيان عظم هذا الارتباط العميق والدقيق بين الخالق والمخلوق وهو الانسان ، فجاء التأكيد على النفس الانسانية.
فكل الأقسام الواردة في هذه السورة هو من أجل ((..أفلح من زكاها وخاب من دساها)) لبيان عظمة المقسم به واهميته.
ولو أمعنا النظر في هذه الآيات فاننا نرى انها تدل على اختيار الانسان في افعاله في ان يزكيها أو يدسها ، فيكون موجود مختار لامجبور بفعله. وكذلك تدل على انه هل ان الانسان قادر على تغيير اخلاقه وملكاته ام لا لأن الآية قالت ((أفلح من زكاها)) فنسبت الفلاح والتزكية اليه ، أي ان الانسان قادر على تغيير أخلاقه وهو مختار في ذلك.
ومما يمكن الاشارة اليه هنا في هذه السورة نرى بأن التزكية تنسب للانسان وفي آيات أخرى تنسب الى الله تبارك وتعالى ((بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ))[النساء : 49] فكيف الجمع بين الآيات.
إن كل فعل وكل حركة وصفة وأثر في هذا العالم هي من الله وبعلمه وقائمة به فينسبه الى نفسه وينسبه الى غيره ، فينسبه الى نفسه باعتبار انه مامن شئ يقع الا باذنه ومشيئته لأنه خالق كل شئ فلا مؤثر بالوجود الا الله تبارك وتعالى وهذا لاينافي نسبة فعل الى غيره ولكن بنحو المعنى الحرفي لابنحو المعنى الاسمي اي بنحو المعنى القائم بالله تبارك وتعالى لابنحو المعنى المستقل عن الله وبعابرة أخرى نسبة الفعل الى الانسان حتى تبطل الجبر ، وتنسبه الى الله تبارك وتعالى حتى تبطل التفويض.
وهذا مايعبر عنه بتوحيد الأفعال فليس جميع الأفعال تصدر منه تعالى من غير مدخلية من الانسان والا لبطل الثواب والعقاب وإرسال الرسل وغيرها ، وكذلك الأمر في الجمع بين الآيات بين التزكية للانسان وله تعالى فلا تنافي اذن بين الايات ((إنا هديناه النجدين)).
وهنا نكتة تجدر الاشارة اليها ، تؤكد الآيات الكريمة على تزيين فاعل الفعل ((أفلح من تزكى)) فان التزكية زينة للفاعل فيكون المدح للفاعل وليس للصفة وهذا من بديع القرآن الكريم حيث يمدح الفاعل لا الفعل ، بينما نجد في كتب الاخلاق تمدح الفعل وجمال الفعل حتى ترغّب الانسان على فعل تلك الصفة والاتيان بالأفعال.
فمنهج القرآن الكريم يحثك على أن تتجسد وتتخلق بالأخلاق القرآنية وتكون مصداقا للمفهوم ، فالتوجيه يكون في مقام العمل والتجسيد فالمهم ليس معرفة الصدق بل أن تكون صادقاً ، وكذلك هنا في هذه الآيات المهم ليس معرفة التزكية بل أن تكون متلبسا بتلك الصفة.
فالغاية أهم من مقدمة الغاية، فالتزكية أشرف من العلم بمفهوم التزكية (ولاتنافي بين مقدمة أحدهما على الآخر).
وبعد أن أقسم بالنفس أقسم بمن سوّى هذه النفس ، فمرة تكون التسوية بعد مرحلة الخلق ((الذي خلق فسوى)) ومرة ((الذي اعطى كل شئ خلقه فهدى)) فقدم الخلق على التسوية وهي الهداية.
فما هذه الهداية التي يصل اليها ؟
لقد بيّنها القران الكريم فقال ((الهمها فجورها وتقواها)) - والالهام هو الالقاء في الروع في نفس الانسان وهو القاء الصور العلمية-
ان الله تبارك وتعالى كما خلق الانسان وزوده بالقدرة والقوى على التمييز والادراك من خلال الامور البديهية والاولية (اذا تصور الامتناع والنقيض يصدّق بعدم اجتماع النقيضين بلا حاجة الى دليل).
فالله زود الانسان بقوة يستطيع ان يدرك من خلالها ماهو خير له وما هو شر وما هو كمال وما هو نقيض اي يدرك الامور ولو في القضايا الكلية ، فكان قادرا على التمييز بين مايفجر النفس ومايقيها ، وعلى هذا التمييز لاعذر له بعدم اتباع الاصلح لها فكان الفلاح لمن تزكى.
تعليق