احتجاج الامام الحسن العسكري (ع) بالإمامة
سعد بن عبد الله القمي الأشعري قال : بليت بأشد النواصب منازعة ، فقال لي يوما بعدما ناظرته تبا لك ولأصحابك ، أنتم معاشر الروافض تقصدون المهاجرين والأنصار بالطعن عليهم ، وبالجحود محبة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لهم ، فالصديق هو فوق الصحابة بسبب سبق الإسلام ألا تعلمون أن رسول الله إنما ذهب به ليلة الغار لأنه خاف عليه كما خاف على نفسه ! ولما علم أنه يكون الخليفة في أمته ، وأراد أن يصون نفسه كما يصون خاصة نفسه ، كيلا يختل حال الدين من بعده ، ويكون الإسلام منتظما ، وقد أقام عليا على فراشه لما كان في علمه أنه لو قتل لايختل الإسلام بقتله ، لأنه يكون من الصحابة من يقوم مقامه ، لاجرم لم يبال من قتله ! ! " قال " سعد : إني قلت على ذلك أجوبة ، لكنها غير مسكتة ثم قال : معاشر الروافض تقولون إن الأول والثاني كانا منافقين ، وتستدلون على ذلك بليلة العقبة . ثم قال لي : أخبرني عن إسلامهما كان عن طوع ورغبة ، أو كان عن إكراه وإجبار ، فاحترزت عن جواب ذلك ، وقلت مع نفسي : إن كنت أجيبه بأنه كان عن طوع ، فيقول لايكون على هذا الوجه إيمانهما عن نفاق . وإن قلت : كان عن إكراه وإجبار ، لم يكن في ذلك الوقت للإسلام قوة حتى يكون إسلامهما بإكراه وقهر فرجعت عن هذا الخصم على حال ينقطع كبدي فأخذت طومارا وكتبت بضعا وأربعين مسألة من المسائل الغامضة التي لم يكن عندي جوابها . فقلت أدفعها إلى صاحب مولاي أبي محمد الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) الذي كان في قم ، أحمد بن إسحاق ، فلما طلبته كان هو قد ذهب ، فمشيت على أثره فأدركته وقلت الحال معه فقال لي : جئ معي إلى سر من رأى ، حتى نسأل عن هذه المسائل مولانا الحسن بن علي ( عليه السلام ) فذهبت معه إلى سر من رأى ، ثم جئنا إلى باب دار مولانا ( عليه السلام ) فاستأذنا للدخول عليه .......فقلت أخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم ، قال ( عليه السلام ) مصلح أو مفسد ؟ قلت مصلح قال هل يجوز أن يقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد ؟ قلت : بلى ، قال : فهي العلة ، أيدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك قلت نعم . قال ( عليه السلام ) : أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل عليهم الكتب ، وأيدهم بالوحي والعصمة ، إذ هم أعلام الامم ، فأهدى إلى ثبت الاختيار ، ومنهم موسى وعيسى ، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذ هما بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق ، وهما يظنان أنه مؤمن ؟ قلت : لا قال ( عليه السلام ) فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله ، وكمال علمه ، ونزول الوحي عليه ، اختار من اعيان قومه ، ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ، ممن لم يشك في إيمانهم ، وإخلاصهم ، فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله عز وجل : * ( واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ) *
فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح ، وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد ، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور ، وما تكن الضمائر ، وينصرف عنه السرائر ، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد ، لما أرادوا أهل الصلاح . ثم قال مولانا ( عليه السلام ) يا سعد إن من ادعى أن النبي - وهو خصمك - ذهب بمختار هذه الأمة مع نفسه إلى الغار ، فإنه خاف عليه كما خاف على نفسه ، لما علم أنه الخليفة من بعده على أمته ، لأنه لم يكن من حكم الاختفاء أن يذهب بغيره معه ، وإنما أقام عليا على مبيته ، لأنه علم أنه إن قتل لايكون من الخلل بقتله ما يكون بقتل أبي بكر ، لأنه يكون لعلي من يقوم مقامه في الأمور ، لم لاتنقض عليه بقولك : أولستم تقولون إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن الخلافة من بعدي ثلاثون سنة ، وصيرها موقوفة على أعمار هؤلاء الأربعة : أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ( عليه السلام ) فإنهم كانوا على مذهبكم خلفاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فإن خصمك لم يجد بدا من قوله : بلى . قلت له فإذا كان الأمر كذلك فكما كان أبو بكر الخليفة من بعده ، كان هذه الثلاثة خلفاء أمنة من بعده ، فلم ذهب بخليفة واحدة وهو أبو بكر إلى الغار ؟ ولم يذهب بهذه الثلاثة ؟ فعلى هذا الأساس يكون النبي ( صلى الله عليه وآله ) مستخفا بهم دون أبي بكر فإنه يجب عليه أن يفعل بهم ما فعل بأبي بكر ، فلما لم يفعل ذلك بهم يكون متهاونا بحقوقهم ، تاركا للشفقة عليهم ، بعد أن كان يجب عليه أن يفعل بهم جميعا على ترتيب خلافتهم ما فعل بأبي بكر ، وأما ما قال لك الخصم بأنهما أسلما طوعا أو كرها ؟ لم لم تقل بل إنهما أسلما طمعا وذلك أنهما كانا يخالطان مع اليهود ويخبران بخروج محمد ( صلى الله عليه وآله ) واستيلائه على العرب من التوراة والكتب المقدسة وملاحم قصة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ويقولون لهما يكون استيلاؤه على العرب كاستيلاء بخت نصر على بني إسرائيل ، إلا أنه يدعي النبوة ، ولا يكون من النبوة في شئ . فلما ظهر أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ساعدا معه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله طمعا أن يجدا من جهة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولاية بلد إذا انتظم أمره ، وتحسن باله ، واستقامت ولايته . فلما أيسا من ذلك ، وافقا مع أمثالهما ليلة العقبة ، وتلثما مثل من تلثم منهم ، ونفروا بدابة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لتسقطه ، ويصير هالكا بسقوطه بعد أن صعد العقبة فيمن صعد ، فحفظ الله تعالى نبيه من كيدهم ، ولم يقدروا أن يفعلوا شيئا وكان حالهما كحال طلحة والزبير إذ جاءا عليا وبايعاه طمعا أن تكون لكل واحد منهما ولاية ، فلما لم يكن ذلك وأيسا من الولاية نكثا بيعته ، وخرجا عليه ، حتى آل أمر كل واحد منهما إلى مايؤول أمر من ينكث العهود والمواثيق ....
المصادر:
- مكيال المكارم ج 1 - ميرزا محد تقي الأصفهاني ص 26 -27-28-29
تعليق