بسم الله الرحمن الرحيم
روى السيد ابن طاووس رحمه الله في مهج الدعوات عن أبي نصر الهمداني عن حكيمة بنت الامام محمد التقي عليه السلام انّها قالت:
لمّا مات محمد بن عليّ الرضا عليه السلام، أتيت زوجته أمّ عيسى بنت المأمون فعزّيتها، فوجدتها شديدة الحزن والجزع عليه، تقتل نفسها بالبكاء والعويل، فخفت عليها أن تتصدّع مرارتها. فبينما نحن في حديثه وكرمه ووصف خلقه، وما أعطاه الله تعالى من الشرف والاخلاص ومنحه من العزّ والكرامة، إذ قالت امّ عيسى:
ألا اخبرك عنه بشيء عجيب وأمر جليل، فوق الوصف والمقدار؟
قلت: وما ذاك؟ قالت: كنت أغار عليه كثيراً واراقبه أبداً، وربّما يسمعني الكلام فأشكو ذلك إلى أبي، فيقول: يا بنيّة احتمليه، فانّه بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فبينما أنا جالسة ذات يوم إذ دخلت عليّ جارية، فسلّمت (عليّ) فقلت:من أنت؟ فقالت: أنا جارية من ولد عمّار بن ياسر، وأنا زوجة أبي جعفر محمد بن عليّ الرضا عليه السلام، زوجك.
فدخلني من الغيرة ما لا أقدر على احتمال ذلك، وهممت ان اخرج وأسيح في البلاد، وكاد الشيطان (أن) يحملني على الاساءة اليها، فكظمت غيظي وأحسنت رفدها وكسوتها، فلمّا خرجت من عندي المرأة، نهضت ودخلت على أبي وأخبرته بالخبر، وكان سكراناً لا يعقل، فقال: يا غلام عليّ بالسيف، فأتي به، فركب وقال:
والله لأقتلنّه! فلمّا رأيت ذلك قلت:انّا لله وانّا اليه راجعون، ما صنعت بنفسي وبزوجي، وجعلت ألطم حرّ وجهي؛ فدخل عليه والدي، وما زال يضربه بالسيف حتى قطّعه؛ ثم خرج من عنده، وخرجت هاربة من خلفه، فلم أرقد ليلتي.
فلمّا ارتفع النهار أتيت أبي، فقلت: أتدري ما صنعت البارحة؟ قال: وماصنعت؟ قلت: قتلت ابن الرضا عليه السلام فبرّق عينيه، وغشي عليه، ثم أفاق بعد حين وقال: ويلك ما تقولين؟ قلت: نعم – والله – يا أبت، دخلت عليه ولم تزل تضربه بالسيف حتى قتلته، فاضطرب من ذلك اضطرابا شديداً، وقال: عليّ بياسر الخادم.
فجاء ياسر فنظر إليه المأمون وقال: ويلك ما هذا الذي تقول هذه ابنتي؟
قال: صدقت يا أمير المؤمنين، فضرب بيده على صدره وخدّه، وقال: انّا لله وانّا اليه راجعون، وهلكنا والله وعطبنا، وافتضحنا إلى آخر الأبد.
ويلك يا ياسر! فانظر ما الخبر والقصّة عنه عليه السلام؟ وعجّل عليّ بالخبر، فانّ نفسي تكاد أن تخرج الساعة.
فخرج ياسر وأنا ألطم حرّ وجهي، فما كان بأسرع من أن رجع ياسر، فقال:
البشرى يا أمير المؤمنين، قال: لك البشرى، فما عندك؟
قال ياسر: دخلت عليه، فإذا هو جالس وعليه قميص ودوّاج وهو يستاك؛ فسلّمت عليه وقلت: يا ابن رسول الله، أحبّ أن تهب لي قميصك هذا أصلّي فيه، وأتبرّك به، وانّما أردت أن أنظر إليه وألى جسده، هل به أثر السيف؟
(قال: لا، بل أكسوك خيراً من هذا. فقلت: يا ابن رسول الله، لا أريد غير هذا، فخلعه وأنا أنظر إليه وإلى جسده هل به أثر السيف؟) فو الله كانّه العاج الذي مسّته صُفرة، ما به أثر.
(قال): فبكى المأمون طويلاً، وقال: ما بقي مع هذا شيء، انّ هذا لعبرة للأوّلين والآخرين، وقال: يا ياسر! امّا ركوبي إليه، وإخذي السيف، ودخولي عليه فانّي ذاكر له، وخروجي عنه فلست أذكر شيئاً غيره، ولا أذكر أيضاً انصرافي إلى مجلسي، فكيف كان أمري وذهابي إليه؟ لعنة الله على هذه الابنة لعناً وبيلاً، تقدّم اليها وقل لها: يقول لك ابوك: والله لئن جئتني بعد هذا اليوم وشكوت (منه)، أوخرجت بغيرإذنه، لأنتقمنّ له منك، ثمّ سر إلى ابن الرضا، وأبلغه عنّي السلام واحمل إليه عشرين إلف دينار.وقدّم إليه الشّهريّ الذي ركبته البارحة، ثمّ مر بعد ذلك الهاشميين ان يدخلوا عليه بالسلام، ويسلّموا عليه.
قال ياسر: فأمرت لهم بذلك، ودخلت أنا أيضاً معهم، وسلّمت عليه وأبلغت التسليم، ووضعت المال بين يديه، وعرضت الشّهريّ عليه، فنظر إليه ساعة، ثم تبسّم، فقال: يا ياسر! هكذا كان العهد بيننا، (وبين أبي) وبينه حتّى يهجم عليّ بالسيف، أما علم انّ لي ناصراً وحاجزاً يحجز بيني وبينه؟
فقلت: يا سيّدي، يا ابن رسول الله (دع عنك هذا العتاب، واصفح، والله وحق جدّك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان يعقل شيئاً من أمره، وما علم أين هو من أرض الله؟ وقد نذر لله نذراً صادقاً، وحلف أن لا يسكر بعد ذلك أبداً، فانّ ذلك من حبائل الشيطان، فإذا أنت يا ابن رسول الله أتيته فلا تذكر له شيئاً، ولا تعاتبه على ما كان منه.
فقال عليه السلام: هكذا كان عزمي ورأيي والله.
ثمّ دعا بثيابه، ولبس ونهض، وقام معه الناس اجمعون حتّى دخل على المأمون، فلمّا رآه قام إليه وضمّه إلى صدره، ورحّب به، ولم يأذن لأحد في الدخول عليه، ولم يزل يحدّثه ويسامره.
فلمّا انقضى ذلك، قال له أبو جعفر محمد بن عليّ الرضا عليه السلام:
يا أمير المؤمنين: قال: لبيك وسعديك، قال: لك عندي نصيحة فاقبلها.
قال المأمون: بالحمد والشكر، ما ذاك يا ابن رسول الله؟
قال: أحبّ لك أن لا تخرج بالليل، فانّي لا آمن عليك من هذا الخلق المنكوس، وعندي عقد تحصّن به نفسك، وتحترز به من الشرور والبلايا والمكاره والآفات والعاهات، كما أنقذني الله منك البارحة؛ ولو لقيتَ به جيوش الرّوم والترك، واجتمع عليك، وعلى غلبتك أهل الأرض جميعاً ما تهيأ لهم منك شرّ باذن الله الجبار، وان أحببت بعثت به اليك لتحترز به من جميع ما ذكرت لك.
قال: نعم، فاكتب ذلك بخطّك وابعثه إليّ، قال: نعم.
قال ياسر: فلمّا أصبح أبو جعفر عليه السلام بعث إليّ فدعاني، فلمّا صرت إليه وجلست بين يديه، دعا برقّ ظبي من أرض تهامة، ثم كتب بخطّه هذا العقد؛ ثم قال: يا ياسر، احمل هذا إلى أمير المؤمنين وقل له: حتّى يصاغ له قصبة من فضّة منقوش عليها ما أذكره بعده.
فإذا أراد شدّه على عضده، فليشدّه على عضده الايمن، وليتوضّأ وضوءً حسناً سابغاً، وليصلّ أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة، وسبع مرّات آية الكرسي، وسبع مرّات ‹شهد الله› وسبع مرّات ‹والشمس وضحاها›، وسبع مرّات ‹والليل إذا يغشى›، وسبع مرّات ‹قل هو الله أحد›.
فإذا فرغ منها فليشدّه على عضده الأيمن عند الشدائد والنوائب، يسلم بحول الله وقوّته من كلّ شيء يخافه ويحذره، وينبغي أن لا يكون طلوع القمر في برج العقرب، ولو انّه غزا أهل الروم وملكهم، لغلبهم باذن الله، وبركة هذا الحرز.
وروي: انّه لمّا سمع المأمون من أبي جعفر عليه السلام في أمر هذا الحرز هذه الصفات كلّها، غزا أهل الرّوم فنصره الله تعالى عليهم، ومنح منهم من المغنم ما شاء الله، ولم يفارق هذا الحرز عند كلّ غزاة ومحاربة، وكان ينصره الله عزوجلّ بفضله، ويرزقه الفتح بمشيّته، انّه وليّ ذلك بحوله وقوّته.
روى السيد ابن طاووس رحمه الله في مهج الدعوات عن أبي نصر الهمداني عن حكيمة بنت الامام محمد التقي عليه السلام انّها قالت:
لمّا مات محمد بن عليّ الرضا عليه السلام، أتيت زوجته أمّ عيسى بنت المأمون فعزّيتها، فوجدتها شديدة الحزن والجزع عليه، تقتل نفسها بالبكاء والعويل، فخفت عليها أن تتصدّع مرارتها. فبينما نحن في حديثه وكرمه ووصف خلقه، وما أعطاه الله تعالى من الشرف والاخلاص ومنحه من العزّ والكرامة، إذ قالت امّ عيسى:
ألا اخبرك عنه بشيء عجيب وأمر جليل، فوق الوصف والمقدار؟
قلت: وما ذاك؟ قالت: كنت أغار عليه كثيراً واراقبه أبداً، وربّما يسمعني الكلام فأشكو ذلك إلى أبي، فيقول: يا بنيّة احتمليه، فانّه بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فبينما أنا جالسة ذات يوم إذ دخلت عليّ جارية، فسلّمت (عليّ) فقلت:من أنت؟ فقالت: أنا جارية من ولد عمّار بن ياسر، وأنا زوجة أبي جعفر محمد بن عليّ الرضا عليه السلام، زوجك.
فدخلني من الغيرة ما لا أقدر على احتمال ذلك، وهممت ان اخرج وأسيح في البلاد، وكاد الشيطان (أن) يحملني على الاساءة اليها، فكظمت غيظي وأحسنت رفدها وكسوتها، فلمّا خرجت من عندي المرأة، نهضت ودخلت على أبي وأخبرته بالخبر، وكان سكراناً لا يعقل، فقال: يا غلام عليّ بالسيف، فأتي به، فركب وقال:
والله لأقتلنّه! فلمّا رأيت ذلك قلت:انّا لله وانّا اليه راجعون، ما صنعت بنفسي وبزوجي، وجعلت ألطم حرّ وجهي؛ فدخل عليه والدي، وما زال يضربه بالسيف حتى قطّعه؛ ثم خرج من عنده، وخرجت هاربة من خلفه، فلم أرقد ليلتي.
فلمّا ارتفع النهار أتيت أبي، فقلت: أتدري ما صنعت البارحة؟ قال: وماصنعت؟ قلت: قتلت ابن الرضا عليه السلام فبرّق عينيه، وغشي عليه، ثم أفاق بعد حين وقال: ويلك ما تقولين؟ قلت: نعم – والله – يا أبت، دخلت عليه ولم تزل تضربه بالسيف حتى قتلته، فاضطرب من ذلك اضطرابا شديداً، وقال: عليّ بياسر الخادم.
فجاء ياسر فنظر إليه المأمون وقال: ويلك ما هذا الذي تقول هذه ابنتي؟
قال: صدقت يا أمير المؤمنين، فضرب بيده على صدره وخدّه، وقال: انّا لله وانّا اليه راجعون، وهلكنا والله وعطبنا، وافتضحنا إلى آخر الأبد.
ويلك يا ياسر! فانظر ما الخبر والقصّة عنه عليه السلام؟ وعجّل عليّ بالخبر، فانّ نفسي تكاد أن تخرج الساعة.
فخرج ياسر وأنا ألطم حرّ وجهي، فما كان بأسرع من أن رجع ياسر، فقال:
البشرى يا أمير المؤمنين، قال: لك البشرى، فما عندك؟
قال ياسر: دخلت عليه، فإذا هو جالس وعليه قميص ودوّاج وهو يستاك؛ فسلّمت عليه وقلت: يا ابن رسول الله، أحبّ أن تهب لي قميصك هذا أصلّي فيه، وأتبرّك به، وانّما أردت أن أنظر إليه وألى جسده، هل به أثر السيف؟
(قال: لا، بل أكسوك خيراً من هذا. فقلت: يا ابن رسول الله، لا أريد غير هذا، فخلعه وأنا أنظر إليه وإلى جسده هل به أثر السيف؟) فو الله كانّه العاج الذي مسّته صُفرة، ما به أثر.
(قال): فبكى المأمون طويلاً، وقال: ما بقي مع هذا شيء، انّ هذا لعبرة للأوّلين والآخرين، وقال: يا ياسر! امّا ركوبي إليه، وإخذي السيف، ودخولي عليه فانّي ذاكر له، وخروجي عنه فلست أذكر شيئاً غيره، ولا أذكر أيضاً انصرافي إلى مجلسي، فكيف كان أمري وذهابي إليه؟ لعنة الله على هذه الابنة لعناً وبيلاً، تقدّم اليها وقل لها: يقول لك ابوك: والله لئن جئتني بعد هذا اليوم وشكوت (منه)، أوخرجت بغيرإذنه، لأنتقمنّ له منك، ثمّ سر إلى ابن الرضا، وأبلغه عنّي السلام واحمل إليه عشرين إلف دينار.وقدّم إليه الشّهريّ الذي ركبته البارحة، ثمّ مر بعد ذلك الهاشميين ان يدخلوا عليه بالسلام، ويسلّموا عليه.
قال ياسر: فأمرت لهم بذلك، ودخلت أنا أيضاً معهم، وسلّمت عليه وأبلغت التسليم، ووضعت المال بين يديه، وعرضت الشّهريّ عليه، فنظر إليه ساعة، ثم تبسّم، فقال: يا ياسر! هكذا كان العهد بيننا، (وبين أبي) وبينه حتّى يهجم عليّ بالسيف، أما علم انّ لي ناصراً وحاجزاً يحجز بيني وبينه؟
فقلت: يا سيّدي، يا ابن رسول الله (دع عنك هذا العتاب، واصفح، والله وحق جدّك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان يعقل شيئاً من أمره، وما علم أين هو من أرض الله؟ وقد نذر لله نذراً صادقاً، وحلف أن لا يسكر بعد ذلك أبداً، فانّ ذلك من حبائل الشيطان، فإذا أنت يا ابن رسول الله أتيته فلا تذكر له شيئاً، ولا تعاتبه على ما كان منه.
فقال عليه السلام: هكذا كان عزمي ورأيي والله.
ثمّ دعا بثيابه، ولبس ونهض، وقام معه الناس اجمعون حتّى دخل على المأمون، فلمّا رآه قام إليه وضمّه إلى صدره، ورحّب به، ولم يأذن لأحد في الدخول عليه، ولم يزل يحدّثه ويسامره.
فلمّا انقضى ذلك، قال له أبو جعفر محمد بن عليّ الرضا عليه السلام:
يا أمير المؤمنين: قال: لبيك وسعديك، قال: لك عندي نصيحة فاقبلها.
قال المأمون: بالحمد والشكر، ما ذاك يا ابن رسول الله؟
قال: أحبّ لك أن لا تخرج بالليل، فانّي لا آمن عليك من هذا الخلق المنكوس، وعندي عقد تحصّن به نفسك، وتحترز به من الشرور والبلايا والمكاره والآفات والعاهات، كما أنقذني الله منك البارحة؛ ولو لقيتَ به جيوش الرّوم والترك، واجتمع عليك، وعلى غلبتك أهل الأرض جميعاً ما تهيأ لهم منك شرّ باذن الله الجبار، وان أحببت بعثت به اليك لتحترز به من جميع ما ذكرت لك.
قال: نعم، فاكتب ذلك بخطّك وابعثه إليّ، قال: نعم.
قال ياسر: فلمّا أصبح أبو جعفر عليه السلام بعث إليّ فدعاني، فلمّا صرت إليه وجلست بين يديه، دعا برقّ ظبي من أرض تهامة، ثم كتب بخطّه هذا العقد؛ ثم قال: يا ياسر، احمل هذا إلى أمير المؤمنين وقل له: حتّى يصاغ له قصبة من فضّة منقوش عليها ما أذكره بعده.
فإذا أراد شدّه على عضده، فليشدّه على عضده الايمن، وليتوضّأ وضوءً حسناً سابغاً، وليصلّ أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة، وسبع مرّات آية الكرسي، وسبع مرّات ‹شهد الله› وسبع مرّات ‹والشمس وضحاها›، وسبع مرّات ‹والليل إذا يغشى›، وسبع مرّات ‹قل هو الله أحد›.
فإذا فرغ منها فليشدّه على عضده الأيمن عند الشدائد والنوائب، يسلم بحول الله وقوّته من كلّ شيء يخافه ويحذره، وينبغي أن لا يكون طلوع القمر في برج العقرب، ولو انّه غزا أهل الروم وملكهم، لغلبهم باذن الله، وبركة هذا الحرز.
وروي: انّه لمّا سمع المأمون من أبي جعفر عليه السلام في أمر هذا الحرز هذه الصفات كلّها، غزا أهل الرّوم فنصره الله تعالى عليهم، ومنح منهم من المغنم ما شاء الله، ولم يفارق هذا الحرز عند كلّ غزاة ومحاربة، وكان ينصره الله عزوجلّ بفضله، ويرزقه الفتح بمشيّته، انّه وليّ ذلك بحوله وقوّته.
تعليق