إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اشتباه حول الفعل (نظر) المتعدي واللازم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اشتباه حول الفعل (نظر) المتعدي واللازم

    اشتباه حول الفعل (نظر) المتعدي واللازم
    قال محمد بن أحمد بن محمد الغرناطي الكلبي المتوفَّى سنة 741هـ في كتابه (التسهيل لعلوم التنزيل):
    S( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ)بالضاد أي ناعمة ومنه نضرة النعيم (إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) هذا من النظر بالعين وهو نص في نظر المؤمنين إلى الله تعالى في الآخرة وهو مذهب أهل السنة وأنكره المعتزلة وتأولوا(نَاظِرَةٌ) بأن معناهامنتظرة، وهذا باطل لأن نظر بمعنى انتظر يتعدى بغير حرف جر، تقول: نظرتك أي انتظرتك وأما المتعدي بـSإلىRفهو مِن نظر العين، ومنه قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ(R.
    الجواب
    الجواب على هذا الاشتباه يكون مِن وجوه:
    الوجه الأول: لا يشترط في الفعل SنَظَرَR التعدي بـSإلىR إذا كان بمعنى النظر بالعين،بل يأتي الفعل S نَظَرَR متعدياً بنفسه،والدليل على ذلك قوله تعالى: (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا( [النبأ : 40]،فما: اسم موصول مفعول به لينظر؛ قال أحمد بن محمد الخراط أستاذ النحو في جامعة الإمام محمد بن سعود في المدينة المنورة:S"ما": اسم موصول مفعول به و"نظر" قد يتعدى بنفسهR[1]. وجاء في تفسير هذه الآية: S( يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ)أي : يُشاهِد ما قدَّمه من خير وشر. و "ما" موصولة ، والعائد محذوف ، أو استفهامية ، أي : ينظر الذي قدمته يداه ، أو : أيُّ شيءٍ قدمت يداه؟ R[2]. فالفعل SنَظَرَRتعدَّى إلى المفعول بنفسه بدون اقترانه بحرف الجرSإلىR،ومعناه النظر بالعين.
    وكذلك ورد الفعلSانْظُرُواRغير مُعدَّى بحرف الجرSإلىR ومعناه النظر بالعين وذلك في قوله تعالى:
    (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)[الحديد : 13] فالفعل(انظُرُونَا ) يحتمل وجهين الأول :انتظرونا، والثاني : أنظروا إلينا ،قال القرطبي:S فالمراد من قوله : )انظُرُونَا ) انظروا إلينا ، لأنهم إذا نظروا إليهم ، فقد أقبلوا عليهم ، ومتى أقبلوا عليهم وكانت أنوارهم من قدامهم استضاءوا بتلك الأنوار ، وإن كانت هذه الحالة إنما تقع عند مسير المؤمنين إلى الجنة ، كان المراد من قوله : (انظُرُونَا ) يحتمل أن يكون هو الانتظار وأن يكون النظر إليهمR[3] .
    وقال ابن عجيبة:S(انظُرُونَا )أي : انتظرونا... وقيل : من النظر ، أي : التفتوا إلينا وأَبْصِرونا R[4].
    وبهذا يبطل ما قالوه: بأن الفعل SنظرRبمعنى النظر بالعين لا يأتي إلَّا متعدِّياً بحرف الجر SإلىR.




    [1]المجتبى من مشكل إعراب القرآن الكريم للخراط: 1 / 583،[سورة النازعات/آية رقم: 40].

    [2]البحر المديد في تفسير القرآن المجيد لابن عجيبة:8/223[سورة النبأ]،.

    [3]التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي: 29/196[سورة الحديد/الآية: 13].

    [4]البحر المديد في تفسير القرآن المجيد لابن عجيبة:7/316[سورة الحديد]،.

  • #2
    الوجه الثاني:أن SنظرR المتعدية بحرف الجر Sإلى R لا يشترط في معناه الدلالة على الرؤية بالعين ؛لأنَّها تأتي بمعاني عديدة منها أنها تأتي بمعنى أهلك، كقول الشاعر لبيد : Sفي قروم سادة مِن قومه ... نَظَرَ الدهرُ إليهم فابتهل[أي ] فاجتهد في إهلاكهمR[1].Sقال أبو علي، وأمَّا قولهم نَظَر الدهرُ إليهم فمعناه أهلكهم وأنشد:نَظَر الدهرُ إليهم فابْتَهَلْ.وقال: حكاه الخليل R[2] . فالفعل نظر هنا تعدَّى بحرف الجر إلى ومعناه أهلك، وحينئذ لا يلزم كون الفعلS نَظَرَR مع حرف الجر إلى بمعنى نظر العين.وورد الفعل SينظرونRمُعدَّى بحرف الجر SإلىR ولا يراد به النظر بالعين وذلك في قوله تعالى : َفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)[الغاشية : 17 - 20]، »أي أينكرون البعث فلا ينظرون نظر اعتبار، فهذا حضّ على التأمل؛ قال الراغب:S فذلك حث على تأمل حكمته في خلقهاR[3] .وورد الفعلS يَنْظُرRمتعدِّياً بحرف الجر SإلىR بمعنى: يرَحمُ أو يعْطفُ كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ الله وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [آل عمران : 77] ،وقال الدرويش:معنى قوله تعالى:S (وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ )ولا يعطف عليهم بخير مقتًا مِن اللّه لهم ، كقول القائل : أنْظُرْ إليَّ نَظَرَ اللهُ إليك ، بمعنى تَعَطَّفْ عليَّ تعطَّفَ اللهُ عليك بخير ورحمةR[4].وقال طنطاوي:Sقوله: (وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ) لا يعطف عليهم ولا يرحمهم ولا يحسن إليهم ، وذلك كما يقول القائل لغيره : انظرْ إليَّ ، يريد : ارحمني واعطف عليَّR[5]. وجاء في كتاب المخصص: Sوأما قوله: (وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) فمعناه لا يَرْحمهم R[6].وروى البخاري بسنده قول :Sرَسُولُ الله9:"ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ الله إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ...R[7].وروى مسلم بسنده عن:S عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ 9قَالَ:" ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"...R[8]. فقد ورد لفظ (لاَ يَنْظُرُ) في الحديثين المتقدمين بمعنى لا يرحم؛ قال القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي:Sوقوله ثلاثة لا ينظر الله إليهم أي لا يرحمهمR[9].وقال إمام السنة النووي في شرح الحديث المتقدِّم: Sومعنى لا ينظر إليهم أي يعرض عنهم ونظره سبحانه وتعالى لعباده رحمته ولطفه بهمR[10].وورد الفعل S لينظرR متعدياً بحرف الجرSإلىRبمعنى: ليتأمَّلِ وذلك في قوله تعالى:
    َلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا* فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا)[عبس : 24 - 31].
    فهذه موارد استُعمل فيه النظر معدَّى بحرف الجرSإلىRولا يراد به رؤية العين،ومجيء النظر هنا معدَّى بـSإلىR - وهو ليس بمعنى الرؤية- مبطلٌ للحصر الَّذي زعمه الغرناطي وغيره من كون النظر المتعدي بـSإلىR لا يأتي إلاَّ بمعنى نظر العين.
    [1]أساس البلاغة للزمخشري :34 [ب هـ ل].[2]المخصص لابن سيده: 1/108[باب التشعث].[3]معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم:553[نظر]،.[4]إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش: 1 / 543[سورة آل عمران/ الآيات 76 - 77].[5]التفسير الوسيط للقرآن الكريم لمحمد سيد طنطاوي ( شيخ الأزهر ):2/55[سورة آل عمران].[6]المخصص لابن سيده: 1/108[باب التشعث].[7]صحيح البخاري: 425[كتاب المساقاة/باب إثم من منع ابن السبيل من الماء- حديث : 2358 ] .[8]صحيح مسلم : 58 [ ح. 171 -(106)- كتاب الإيمان/ باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار].[9]مشارق الأنوار على صحاح الآثار:2/12[حرف النون/فصل الاختلاف والوهم]. [10]شرح صحيح مسلم للنووي:2/475[كتاب الإيمان/باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار].

    تعليق


    • #3
      الوجه الثالث:
      أنَّ نظر بمعنى انتظر جاءت متعدية بحرف الجر SإلىR،وقد ذكر ذلك الخليل الفراهيدي،وابن منظور وغيرهما فقالوا:Sويقول القائل للمُؤَمَّل يرجوه:إِنَّما انظُرُ إلى الله ثُمَّ إليكَ،أي أتَوقَّع فضْلَ الله ثم فضْلَكَR[1].
      وقال الزمخشري:
      Sمِن قول الناس : أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي ، تريد معنى التوقع والرجاء . ومنه قول القائل : وَإذَا نَظَرْتُ إلَيْكَ مِنْ ملك* وَالْبَحْرُ دُونَكَ زِدْتَني نِعَمَا
      وسَمِعْتُ سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ، ويأوون إلى مقائلهم ، تقول : عُيَيْنَتِي نُوَيْظِرَة إلى الله وإليكم ، والمعنى : أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا مِن ربهم ، كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياهR[2].
      ورُدَّ على أنَّ (نَظَرْتُ إلَيْكَ) في قول الشاعر المتقدِّم بمعنى السؤال لا بمعنى الانتظار لأن الانتظار لا يستعقب العطية[3]. و لا حجة في هذا الرد لأنَّ حمل النظر بمعنى السؤال يأباه معنى البيت إذا يصير المعنى: (سألتُ إليك)، وهذا غير وارد في اللغة، وإنما مراد الشاعر: (انتظرت إلى نعمك أو عطائك).
      وقال محمد رشيد:
      Sوَثَبَتَ أَنَّهُ اسْتُعْمِلَ[الفعل نظر] بِهَذَا الْمَعْنَى[أي انتظر] مُتَعَدِّيًا بِــ " إِلَى "R[4].
      ومن شواهد مجيء(نظر) بمعنى الانتظار معدَّى بـSإلىRقول جرير:
      Sو ينازلونَ إذا يقالُ نزالِ*منْ كلَّ أبيضَ يستضاءُ بوجههِ
      نظرَ الحجيجِ إلى خروجِ هلالِR[5].
      ومن شواهد مجيء اسم الفاعلSناظرRبمعنى منتظر قول جميل بثينة:
      Sإني إليكِ، بما وَعَدْتِ، لَنَاظِرٌ * نظرَ الفقيرِ إلى الغنيِّ المكثرِR[6]. أي: إنِّي منتظرٌ إليك بسبب وعدك الَّذي وَعَدْتِنِيْه كانتظار الفقير إلى الغنيِّ المكثرِ.
      وقد وهم القرطبي في تفسير هذا البيت فقال:Sأي إني أنظر إليك بذل ؛ لأن نظر الذل والخضوع أرق لقلب المسؤولR[7].والدليل على ذلك باقي الأبيات التي تلت هذا البيت والتي تدل على أن المراد منه:إليكِ منتظر[8].إضافة إلى ذلك لا معنى لقوله:S إني أنظر إليك بذل بسبب وعدكِ الَّذي وَعَدْتِنِيْهR.
      وقال حسان:
      Sوجوهٌ يوم بدرٍ ناظِراتٌ * إلى الرحمن يأتي بالفلاحِR[9]
      أي منتظرة للرحمة التي تنزل عليهم.
      وهذا يدلُّ على أنَّ لفظ ( نَاظِرَةٌ)بمعنى منتظرة في قوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ - إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[القيامة : 22 ، 23]،لورود اسم الفاعل SنَاظِرRبمعنى منتظر في الشعر والنثر حال كونه مُعَدَّى بحرف الجرSإلىR.


      [1]كتاب العين للخليل الفراهيدي:8/156، ولسان العرب لابن منظور:14/191[نظر].

      [2] تفسير الكشاف للزمخشري:4/650[سورة القيامة/آية:22].

      [3] ينظر:التفسير الكبير(مفاتيح الغيب) للرازي: 30/202[سورة القيامة/ الآيتان: 22و23].


      [4]تفسير المنار:9/117[سورة الأعراف/آية: 144].


      [5] ديوان جرير: 1/500.

      [6]ديوان جميل بثينة: 1 / 44،والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني:8/108.

      [7]الجامع لأحكام القرآن:19/75[سورة القيامة/آية: 22-25].

      [8]حيث قال جميل بثينة:
      S إنِّي إليكِ بما وعدتِ لناظرٌ نظرَ الفقيرِ إلى الغَنِيِّ المُكْثِرِ
      يَعِدُ الديونَ وليس يُنْجِزُ موعداً هذا الغريمُ لنا وليس بمُعسِرِ
      ما أنتِ والوَعْدَ الذي تَعِدِينَنِي إلاَّ كبرق سحابةٍ لم تُمْطِرِ
      قلبي نصحتُ له فرَدَّ نصيحتي فمَتَى هَجَرْتِيهِ فمنه تَكَثَّرِيR


      [9]شرح العقيدة الطحاوية لصالح آل الشيخ :1 / 136.

      تعليق


      • #4
        الوجه الرابع:
        أنَّ قولهم في الانتظار: نظرتك بغير حرف جرٍّ إنما ذلك في الانتظار لمجيء الإنسان بنفسه ، فأما إذا كان منتظراً لرفده ومعونته ، فقد يقال فيه : نظرت إليه كقول الرجل : وإنما نظري إلى الله ثم إليك ، وقد يقول ذلك من لا يبصر ، ويقول الأعمى في مثل هذا المعنى : عيني شاخصة إليك
        [1].

        فقوله تعالى: ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة : 23] ليس المراد منه الانتظار لمجيء الله تعالى بنفسه، وإنَّما الانتظار لرحمة الله تعالى،وثوابه على تقدير حذف المضاف أي: إلى ثواب ربها ناظرة أي: منتظرة.
        الوجه الخامس:
        لو سلمنا جدلاً أنَّ لفظ( نَاظِرَةٌ) يراد به النظر بالعين،فتقديم الجار والمجرور عليه يفيد الحصر كما قرره علماء البلاغة والزمخشري في تفسير الكشاف،لأنَّه إذا تقدم الجار والمجرور على عامله أفاد معنى الحصر كَقَوْلِهِ تعالى: ( أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)[الشورى/53]، وقوله تعالى:( وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى)[النجم/42] أَيْ : لَا إِلَى سِوَاهُ ، وَلَمَّا كَانَ عَدَمُ نَظَرِهِمْ إِلَى غَيْرِ رَبِّهَا مَمْنُوعٌ عَقْلًا وَنَقْلًا وَجَبَ حَمْلُ النَّظَرِ عَلَى مَعْنَاهُ الْآخَرِ وَهُوَ الِانْتِظَارُ ، بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَنْتَظِرُ الْخَيْرَ مِنْ غَيْرِهِ [2].
        فلو كان المراد به الرؤية لاقتضى أنهم لا يرون شيئاً غير الله تعالى مع ما هو معروف عقلاً ونقلاً من رؤية بعضهم لبعض،ورؤيتهـم لما أعد الله لهم من النعيم،وحينئذٍ يبطل ما زعموه من أنَّ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)بمعنى النظر بالعين.

        الوجه السادس:
        لقد اعترف العلماء بسمو فنون بلاغة القرآن ومن هذه الفنون فن الوصل وهو العطف بالواو بين جملتين متناسبتين تتفقان في الخبرية و الإنشائية لفظاً ومعنى أو معنى فقط وبينهما مناسبة تامة،فلا يجوز العطف بالواو إذا لم يكن بين الجملتين مناسبة في المعنى ولا ارتباط كقولك:
        عليٌّ كاتبٌ الحمامُ طائرٌ.
        فإنَّه لا مناسبة بين كتابة عليّ وطيران الحمام،فالمانع من العطف هو التباين بين الجملتين ولهذا وجب الفصل وترك العطف لأنَّ العطف يكون للربط ولا ربط هنا بين الجملتين، ومن شواهد ارتباط الجملتين مع المناسبة التامة بينهما في القرآن الكريم قوله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار : 13 ، 14]، فكلا الجملتين متفقتان في الخبرية لفظاً ومعنىً ، وكذلك لفظ( الأبرار) في الآية الأولى يقابله (الفجار)، و(النعيم) يقابله( الجحيم)، وكذلك قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) [القيامة : 22 - 25]،فانسجام الآيات وترابطها وتقابلها من حيث المعنى يأبى تفسير لفظ ناظرة بمعنى النظر بالعين، فهذه الآياتالتي توسطت بينها الواوقسّمت الناس يومئذ إلى طائفتين؛ طائفة سعيدة تنتظر رحمة الله ودخول الجنَّة، والأخرى مكفهرّة تعيسة تنتظر العذاب، فالسعادة يقابلها التعاسة، وانتظار الرحمة يقابله انتظار العذاب، والطائفة الأولى هي(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) أي مبتهجة مشرقة بما ترجوه من ثواب الله(إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)أي منتظرةلرحمته ودخول جنته ، و الطائفة الأخرى مقابلة و مباينة للطائفة الأولى في أحوالها ( وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ)أي كالحة مكفهرّة لما تتوقعه من العذاب (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) أي تتوقعأن ينزل بها ما يقطع فقار ظهورها ،ولو فُسِّر النظر هنا بالرؤية لتقطع هذا الوصل بين الآيات،وتفكك رباطها ، وذهب انسجامها ، إذ لا تقابل بين الرؤية وما وصفت به تلك مِن ظنها أمراً يقطع فقارها،فتأبى البلاغة العربية وبلاغة القرآن الكريم حمل لفظ ) نَاظِرَةٌ( على معنى الرؤية،لأن ذلك يؤدِّي إلى تفكك المعنى وانسجامه، ويخلّ بترابط الآيات مع بعضها البعض.


        [1]ينظر: التفسير الكبير(مفاتيح الغيب) للرازي: 30/201[سورة القيامة/ الآيتان: 22و23].

        [2]ينظر: تفسير الكشافللزمخشري:4/649[سورة القيامة/آية:22]، و تفسير المنار لمحمد رشيد:9/117[سورة الأعراف/آية: 144].

        تعليق


        • #5
          الوجه السابع:
          لم يرد في كلام العرب إسناد النظر إلى الوجوه والمراد منه الرؤية،إذ يتعسَّر الحصول على شاهد له في كلام العرب ،فكيف يجوز وروده في القرآن الكريم مع خلو اللغة منه؟!
          فإن قيل: Sإنَّه إسنادٌ مجازي كما في قوله تعالى: ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)والماء يجري في النهر لا النهرR أُجِيبَ بأنه يلزمكم أن تقبلوا المجاز في غير هذه الآية من القرآن الكريم كقوله تعالى: )يَدُ الله( [الفتح/10]، ونحوها مما أنكرتم المجاز فيه.
          فإن قيل:إن الانتظار محله القلوب لا الوجوه ،فكيف ينتظر الوجه؟.
          فالجواب:إن حمل الوجوه على أصحابها وارد في القرآن الكريم ،فالانتظار وإن أسند إلى الوجوه لفظاً فهو لأصحابها معنىً ، ولذلك جاز إسناد الظن إليها في قوله تعالى: (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ)[القيامة : 24 ، 25]،كما جاز إسناد الخشوع والعمـل والنصب إليها في قوله تعالى:( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ)[الغاشية : 2] ، ويؤكده قوله مِن بعد: (تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً* تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ*لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ)[الغاشية : 4 - 6].

          الوجه الثامن:
          النظر إلى شيء لا يستلزم منه الرؤية،قال الراغب: S
          يقال نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه رأيته أو لم ترهR[1].

          فالرؤية مُسَبَّبَة عن النظر متأخرة عنه لأنَّ النظر تقليب الحدقة نحو الشيء التماساً لرؤيته، والرؤية الإدراك بالباصرة بعد التقليب،وعلى هذا تكون الرؤية أخصَّ مِن النظر،وحينئذ فلا دلالة في الآية الكريمة على رؤية الله تعالى لأن النظر إلى الشيء لا يشترط به الرؤية.
          الوجه التاسع:
          أنَّ لفظ SإلىR في الآية الكريمة ليس بحرف جرٍّ، وإنَّما هو اسم بمعنى النعمة؛قال المرتضى:S هاهنا وجه غريب في الآية حكى عن بعض المتأخرين لا يفتقر معتمده إلى العدول عن الظاهر أو إلى تقدير محذوف ولا يحتاج إلى منازعتهم في أن النظر يحتمل الرؤية أو لا يحتملها بل يصح الاعتماد عليه سواء كان النظر المذكور في الآية هو الانتظار بالقلب أم الرؤية بالعين، وهو أن يحمل قوله تعالى:P إِلَى رَبِّهَاO [القيامة : 23] إلى أنه أراد نعمة ربها لأن الآلاء: النعم، وفي واحدها أربع لغات الأمثل: قَفَا و أَلَى مثل رَمَى، وإِلَى مثل مِعَى، وإلي مثل حني قال أعشى بكر بن وائل:
          أبيض لا يرهب الهزال * ولا يقطع رحما ولا يخون إلي.
          أراد أنه لا يخون نعمة. وأراد تعالى: إلَى ربها فأسقط التنوين للإضافة[أي أصله: إِلًى]، فان قيل: فأي فرق بين هذا الوجه وبين تأويل مَن حمل الآية على أنه أراد به إلى ثواب ربها ناظرة بمعنى رائية لنعمه وثوابه ، قلنا: ذلك الوجه يفتقر إلى محذوف لأنه إذا جعل إلى حرفاً ولم يعلقها بالرب تعالى فلابد من تقدير محذوف، وفي الجواب الذي ذكرناه لا يفتقر إلى تقدير محذوف لأن إلى فيه اسم يتعلق به الرؤية ولا يحتاج إلى تقدير غيره . والله أعلم بالصوابR[2].
          الوجه العاشر:
          إقرار بعض علماء السنَّة بضعف الاستدلال بهذه الآية على ثبوت الرؤية؛ كابن عاشور الذي قال في تفسير الآية : Sفدلالة الآية على أن المؤمنين يرون بأبصارهم رؤية متعلقة بذات الله على الإجمال دلالة ظنية ،لاحتمالها تأويلات تأولها المعتزلة بأن المقصود رؤية جلاله وبهجة قدسه التي لا تخول رؤيتها لغير أهل السعادةR[3].








          [1]معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم:553[نظر]

          [2]الأمالي للسيد المرتضى:1/28.


          [3]التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور:29/353[سورة القيامة/آية:22].

          تعليق


          • #6
            سلمت يداك أخي
            كل يوم عاشوراء ........................ وكل أرض كربلاء

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة المصباح مشاهدة المشاركة
              سلمت يداك أخي


              أشكر الأخ المصباح على تصفحه وإبداء رأيه الكريم، تقبل الله طاعاتك.

              تعليق

              يعمل...
              X