هل قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) يدل على رؤية الخالق؟!
وللجواب على ذلك يقال:
الرد الأوَّل:ليس في الآية لفظ صريح يدل على رؤية الله تعالى، ولفظ(وَزِيَادَةٌ) ليس فيه دلالة قريبة أو بعيدة على رؤية الله تعالى، فلفظة الزيادة مبهمة غير دالة على الرؤية وضعاً ولا استعمالاً.
الرد الثاني:اختلف الصحابة في تفسير هذه الزيادة؛فروي عن عليّ بن أبي طالب (ع) أنَّه قال:Sالزِّيَادَةُ : غُرْفَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍR[1].
وعنSابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) قَالَ : هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ : (وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) [ق:35]،يَقُولُ:يَجْزِيهِمْ بِعَمَلِهِمْ،وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ.وَقَالَ : ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)[الأنعام:160][2]R.
وريSعَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) قَالَ : الزِّيَادَةُ : بِالْحَسَنَةِ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ[3]R.
Sوَقَالَ آخَرُونَ : الْحُسْنَى وَاحِدَةٌ مِنَ الْحَسَنَاتِ بِوَاحِدَةٍ . وَالزِّيَادَةُ : التَّضْعِيفُ إِلَى تَمَامِ الْعَشْرِ...وَقَالَ آخَرُونَ : الْحُسْنَى : حَسَنَةٌ مِثْلُ حَسَنَةٍ . وَالزِّيَادَةُ : زِيَادَةٌ مَغْفِرَةٌ مِنَ الله وَرِضْوَانٌ...وَقَالَ آخَرُونَ : الزِّيَادَةُ مَا أُعْطُوا فِي الدُّنْيَا....R[4] .
الرد الأوَّل:ليس في الآية لفظ صريح يدل على رؤية الله تعالى، ولفظ(وَزِيَادَةٌ) ليس فيه دلالة قريبة أو بعيدة على رؤية الله تعالى، فلفظة الزيادة مبهمة غير دالة على الرؤية وضعاً ولا استعمالاً.
الرد الثاني:اختلف الصحابة في تفسير هذه الزيادة؛فروي عن عليّ بن أبي طالب (ع) أنَّه قال:Sالزِّيَادَةُ : غُرْفَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍR[1].
وعنSابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) قَالَ : هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ : (وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) [ق:35]،يَقُولُ:يَجْزِيهِمْ بِعَمَلِهِمْ،وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ.وَقَالَ : ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)[الأنعام:160][2]R.
وريSعَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) قَالَ : الزِّيَادَةُ : بِالْحَسَنَةِ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ[3]R.
Sوَقَالَ آخَرُونَ : الْحُسْنَى وَاحِدَةٌ مِنَ الْحَسَنَاتِ بِوَاحِدَةٍ . وَالزِّيَادَةُ : التَّضْعِيفُ إِلَى تَمَامِ الْعَشْرِ...وَقَالَ آخَرُونَ : الْحُسْنَى : حَسَنَةٌ مِثْلُ حَسَنَةٍ . وَالزِّيَادَةُ : زِيَادَةٌ مَغْفِرَةٌ مِنَ الله وَرِضْوَانٌ...وَقَالَ آخَرُونَ : الزِّيَادَةُ مَا أُعْطُوا فِي الدُّنْيَا....R[4] .
القول الأول:أن المراد منها رؤية الله سبحانه وتعالى...القول الثاني:أنه لا يجوز حمل هذه الزيادة على الرؤية.قالت المعتزلة ويدلّ على ذلك وجوه:الأول: أن الدلائل العقلية دلَّت على أن رؤية الله تعالى ممتنعة. والثاني: أن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه ،ورؤية الله تعالى ليست من جنس نعيم الجنة . الثالث: أن الخبر الذي تمسكتم به في هذا الباب هو ما روي أن الزيادة ، هي النظر إلى وجه الله تعالى ، وهذا الخبر يوجب التشبيه ؛لأن النظر عبارة عن تقليب الحدقة إلى جهة المرئي، وذلك يقتضي كون المرئي في الجهة ؛ لأن الوجه اسم للعضو المخصوص ، وذلك أيضاً يوجب التشبيه . فثبت أن هذا اللفظ لا يمكن حمله على الرؤية ، فوجب حمله على شيء آخر ، وعند هذا قال الجبائي : الحسنى عبارة عن الثواب المستحق، والزيادة هي ما يزيده الله تعالى على هذا الثواب من التفضل . قال : والذي يدل على صحته القرآن وأقوال المفسرين ؛ أما القرآن : فقوله تعالى: ( لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ )[ فاطر : 30 ] ، وأما أقوال المفسرين : فنقل عن علي رضي الله عنه أنه قال : الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة . وعن ابن عباس : أن الحسنى هي الحسنة ، والزيادة عشر أمثالها وعن الحسن : عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وعن مجاهد : الزيادة مغفرة الله ورضوانه . ورضوانه وعن يزيد بن سمرة : الزيادة أن تمر السحابة بأهل الجنةR[5]
الرد الرابع:
زعموا في تفسيرهم لهذه الآية أن الزيادة هي رؤية المؤمنين لله تعالى ،وأنها أعظم النعيم، و تفسيرهم هذا يناقض رواياتهم،فقد قالوا: S دلت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين يرونه في عرصات القيامة والكفار أيضاً كما في الصحيحين في حديث التجلي يوم القيامةR[6].
ولنا أن نتساءل هنا:كيف تكون رؤية الله تعالى من أعظم النعم إذا كان الكافر والمنافق يراه أيضاً؟! فهذا هو التناقض بعينه الذي يبطل زعمكم وادعاءكم بالرؤية.
الرد الخامس:
الأحاديث الَّتي ذكروها لِتُفَسِّر هذه الآية بالرؤية لا حجة فيها لأن سندها ضعيف، فمنها ما رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل، فقال: Sحدثني أبو خيثمة حدثنا روح بن أسلم حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب: أن النبي (ص) قال في هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال هو النظر إلى الله عزَّ وجلR[7].
قال محقق الكتاب د. محمد سعيد سالم القحطاني:" إسناده ضعيف ".
وقال الصابوني في صفوة التفاسير:S [ وزيادة ] وهي النظر إلى وجه الله الكريم " وَرَدَ هذا في حديث صحيح أخرجه مسلم في الإيمان أن الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم"R، هكذا زعم الصابوني،وهذا الحديث الذي رواه مسلم يرد عليه أربعة أمور؛ الأوَّل:لا دليل فيه على تفسير قوله تعالى(وَزِيَادَةٌ) بمعنى النظر لوجهه الكريم، وهو ظاهر لكلِّ مَن يتأمَّل في لفظ الحديث، والحديث هو:
Sحَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ (ص) قَالَ « إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ - قَالَ - يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟
فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ - قَالَ - فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ »R[8].
فهذا الحديث لم يصرِّح بتفسير أي آية من آيات القرآن الكريم.
الأمر الثالث:كشف الحجاب في الحديث المتقدِّم يجوز أن يكون كناية عن مزيد الإكرام ورفع الدرجات ، وفتح أبواب العطاء غير المحدود ،وهذا الَّذي يتعين أن يحمل عليه كشف الحجاب والنظر إلى الله في الحديث ؛ لدفع التعارض بين آيات الله الَّتي تنفي الرؤية وأحاديث رسوله (ص).
الأمر الرابع:الحديث المتقدِّم فيه حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بن دينار البصري أبو سَلَمَة مولى تميم الذي ضعفه بعض علماء الجرح والتعديل؛حتى قال عنه الألباني:
Sوقال البيهقي: هو أحد أئمة المسلمين إلَّا أنه لما كبر ساء حفظه فلذا تركه البخاري...R[12].
Sوقال الذهلي: قلت لأحمد في عليّ بن عاصم وذكرت له خطأ، فقال أحمد: كان حماد بن سلمة يخطئ و أومى أحمد بيده خطأ كبيراً ولم يَرَ بالرواية عنه بأسًاR[13].
وهكذا يسقط استدلالهم بالآية المتقدمة، ولا حجة لهم بها.
وهكذا يسقط استدلالهم بالآية المتقدمة، ولا حجة لهم بها.
[1]تفسير الطبري:6/552[سورة يونس/الآية:26/ح. 17649].
[2]نفس المصدر:6/552[سورة يونس/الآية:26/ح. 17652].
[3]نفس المصدر:6/552[سورة يونس/الآية:26/ح. 17654].
[4]نفس المصدر:6/552[سورة يونس/الآية:26].
[5]التفسير الكبير(مفاتيح الغيب)للرازي:17/ 63[سورة يونس/الآية: 26].
[6]توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم لأحمد بن إبراهيم بن عيسى: 2 / 569 .
[7]السنة لعبد الله بن أحمد : 1 / 243 [ح. 444].
[8]صحيح مسلم :90 [ ح. 297-(181)- كتاب الإيمان/ باب إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ في الآخِرَةِ رَبَّهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى].
[9]معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم:553[نظر].
[10]هكذا قال الألباني: (أن حماد) برفع حماد والصحيح: (أنَّ حماداً ...) لأنّ اسم أنَّ يكون منصوباً وخبرها مرفوعاً.وكذلك أخطأ بقوله:Sله أوهاماًR ،والصحيح أن يقول:Sله أوهامٌRبرفع أوهام لأنه مبتدأ مؤخَّر.
[11] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة لمحمد ناصر الألباني:2/333.
[12]تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني:2/425[حرف الحاء:من اسمه حماد].
[13]تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني:5/706[حرف العين: من اسمه عليّ].
تعليق