استدلال سقيم بقوله تعالى: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)
ويُرَدُّ على زعمهم هذا بردود عديدة:
الرد الأول:
أنَّ استدلالهم بالآية على رؤية الله تعالى غير صحيح لأنهم لم يستدلُّوا بمنطوق الآية بل بمفهوم المخالفة ،ومفهوم المخالفةلا يعمل به إلابعض العلماء،وإنما يعمل به في المسائل الفرعية الظنية لا في العقائد. ومن أمثلة مفهوم المخالفة في المسائل الفرعية: قول النبي(ص): في الغنم السائمة زكاة.
فالمفهوم منه أن الغنم المعلوفة ليس فيها زكاة.
الرد الثاني:
أنَّ لفظ محجوب في اللغة لم يكن ذا دلالة واحدة، ولذا Sأجابت المعتزلة عن هذا من وجوه أحدها :
قال الجبائي : المراد أنهم عن رحمة ربهم محجوبون أي ممنوعون ، كما يقال في الفرائض : الإخوة يحجبون الأم على الثلث ، ومن ذلك يقال : لمن يمنع عن الدخول هو حاجب ، لأنه يمنع من رؤيته.
وثانيها : قال أبو مسلم : P لَمَحْجُوبُونَOأي غير مقربين ، والحجاب الرد وهو ضد القبول ،والمعنى هؤلاء المنكرون للبعث غير مقبولين عند الله وهو المراد من قوله تعالى : (وَلَا يُكَلِّمُهُمُ الله وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ )[آل عمران : 77] ،
وثالثها : قال القاضي : الحجاب ليس عبارة عن عدم الرؤية ، فإنه قد يقال : حجب فلان عن الأمير ، وإن كان قد رآه من البعد ، وإذا لم يكن الحجاب عبارة عن عدم الرؤية سقط الاستدلال ، بل يجب أن يحمل على صيرورته ممنوعاً عن وجدان رحمته تعالى
رابعها : قال الزمخشري: كونهم محجوبين عنه تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهم ، لأنه لا يؤذن على الملوك إلا للمكرمين لديهم ، ولا يحجب عنهم إلا المهانون عندهمR[1] .
وقال الشريف الرضي:
الرد الثالث:
لو سلَّمنا بأن لفظ (محجوب) في هذه الآية له دلالة واحدة وهي أنَّ معناه: لا يُرى،فحينئذٍ إذا قيل: زيدٌ محجوبٌ عنَّا، فمعناه أننا لا نراه، وليس المعنى أنه لا يرانا، وإذا قيل: نحن محجوبون عن زيدٍ فمعناه هو لا يرانا،وليس المعنى أننا لا نراه، ففي الآية الكريمة أنَّ صيغة (لَمَحْجُوبُونَ) اسم مفعول، ونائب الفاعل ضمير يعود إلى الكفار أو المنافقين،فلو كان لفظ(محجوب)معناه ممنوع أن يُرى،صار ظاهر معنى الآية:
(إِنَّ الكافرين و المنافقين هم المحجوبون عن الله تعالى)
فالله لا يراهم لأنهم محجوبون عنه، وليس معناها أنهم لا يرون الله تعالى لأنَّ الآية لم تقل: إنَّ الله تعالى محجوب عنهم، بل قال الله تعالى:
(إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)،
فظاهر الآية حينئذ سيكون تخصيص الله تعالى بالحجب عن رؤية الكافرين أو المنافقين،ولا دلالة فيها على أنهم لا يرونه، فمفهوم المخالفة على هذا سيكون أن المؤمنين غير محجوبين عن الله عز وجل، فالله يرى المؤمنين ولا يرى الكافرين،والمؤمنون لا يرونه، وبدون شك هذا ليس مراد الآية، فثبت أن لفظ P لَمَحْجُوبُونَOفي هذه الآية لا يراد منه عدم الرؤية كما زعموا ،ولا بدَّ أن يحمل على معنى آخر غير معنى الرؤية، وقد حمله بعض المفسرين على معنى محجوبون عن إحسانه،
وقيل: عن كرامته،
وقيل: عن رحمته وثوابه ومغفرته.
وبهذا يسقط استدلالهم بهذه الآية على رؤية الله تعالى.
[1]التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي: 31 / 87 [سورة المطففين/الآيتان:7-17].
[2]تلخيص البيان في مجازات القرآن : 361[قوله سبحانه: ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ).
تعليق