بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
نقل العلاّمة المجلسي قدّس سرّه حديثاً عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال: «كان في زمن موسى صلوات الله عليه ملك جبّار قضى حاجة مؤمن بشفاعة عبد صالح» أي إنّه كان يعيش في زمن واحد ـ أي في زمن موسى وفي عهد ذلك الملك الطاغي ـ عبد صالح منشغل عن الناس بالعبادة يريد التقرّب بها إلى الله سبحانه، فيما الملك مشغول بشهواته ولذّاته وظلمه وطغيانه. فاتفق أن مات الملك وذاك العبد الصالح كلاهما في يوم واحد. ولاشكّ أنّ ذلك لم يقع مصادفة لأن لكلّ شيء سبباً عند الله تعالى وإن كنّا نجهله، وهذه الحقيقة تثبتها هذه القصة نفسها؛ يقول نص الحديث: «فتوفّي في يومٍ» أي في يوم واحد «الملك الجبّار والعبد الصالح، فقام على الملِك الناس» أي اهتمّوا بموت الملك وقاموا بتشييعه ودفنه وتركوا أعمالهم وأغلقوا دكاكينهم ومحلاّتهم احتراماً له وحداداً عليه، وكما ورد في نص الحديث «وأغلقوا أبواب السوق لمدة ثلاثة أيام».
أمّا ذلك العابد فقد بقي مطروحاً كلّ هذه المدّة في بيته دون أن يعلم أو يكترث به أحد، حتى تفسّخ بدنه وعلته الرائحة الكريهة وبدأت الديدان تأكل من لحمه.
تقول الرواية: «وبقي ذلك العبد الصالح في بيته وتناولت دوابّ الأرض من وجهه، فرآه موسى بعد ثلاث فقال: يا ربّ، هو ـ أي الملك ـ عدوّك، وهذا ـ العبد الصالح ـ وليّك!» فما هي العلّة؟ ولماذا جعلت موته في هذا الوقت بالذات فيُغفل عنه؟ ولماذا كان موت ذلك الطاغي وهو عدوّك في عزّ واحترام، وموت هذا العبد الصالح وهو وليّك في ذلّ وهوان؟!
«فأوحى الله: يا موسى إنّ وليّي سأل هذا الجبّار حاجة فقضاها فكافأته».
أمّا الملك فكانت له عندي يد وأردت أن أجازيه عليها، وهي أنّه يوم سأله هذا العابد ـ وهو وليّي ـ لم يردّه بل قضى حاجته، فأصبحت له يد عندي لأنّه أحسن إلى عبدي ووليّي، فكافأته بهذا التشييع والتجليل ـ في الدنيا ـ ليأتيني ولا يد له عندي وهو عدوّي فأدخله النار. وأمّا عبدي ووليّي فقد «سلّطت دواب الأرض على محاسن وجهه لسؤاله ذلك الجبّار» (1).
إذا أردت أن تتصور سيّئة العابد بصورة أفضل فافرض أنّ لك خادماً أو ولداً يشتغل عندك ويأكل من طعامك، ويسكن بيتك، ويحترمه الناس بسببك، ثم احتاج مالاً زهيداً فذهب إلى عدوّك دون أن يسألك، واستغلّها العدو فرصة لكي يمنّ بواسطته عليك فلم يردّ طلبه، أرأيت كم يكون تصرّفه سيّئاً ومشيناً ومسخطاً لك؟!
فكذلك الحال عندما ذهب ذلك العبد الصالح للملك الجبّار في زمانه، فإنّ العبد الذي يعرف مولاه ويعظّمه لا يفعل مثل ذلك! ولذلك عاقبه الله بأن سلّط الديدان على لحم وجهه تأكله لأنّه أراق ماء ذلك الوجه الذي منّ الله به عليه أمام عدوّه وعدوّ مولاه، وصفّى حسابه مع ذلك الملك أيضاً لأنّه الربّ الحكيم المقتدر، وهو القائل: ﴿وما أصابك من سيّئة فمن نفسك﴾.
1) بحار الأنوار/ ج72/ باب 82 الركون إلى الظالمين و.../ ص373/ ح23.
تعليق