لقاء الله لا يدل على رؤيته
استدل الرازي ومن تبعه من علماء السنة على رؤية الله تعالى بقوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)[الكهف : 110]،فأوَّلوا اللقاء بالرؤية؛قال الرازي:Sوكذا القول في جميع الآيات المشتملة على اللقاءR[1].
الجواب
من العجب أن الرازي الذي زعم حمل اللقاء على الرؤية في جميع الآيات المشتملة على اللقاء نراه يفسر اللقاء بغير معنى الرؤية،وذلكS قوله : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ) أي يتوقعون نيل ثوابه والخلاص من عقابهR[2].
ثمَّ تراه يرمي غيره بأنَّه استدلَّ بهذه الآية على الرؤية،ويذكر رد المعتزلة عليهم الذي يكون أقوى من ردودهم،وهذا نص قوله:
Sاستدل بعض الأصحاب بقوله : ( مُّلَاقُو رَبِّهِمْ) على جواز رؤية الله تعالى.
وأما العرف فهو قول المسلمين فيمن مات : لقي الله ، ولا يعنون أنه رأى الله عز وجل ، وأيضاً فاللقاء يراد به القرب ممن يلقاه على وجه يزول الحجاب بينهما. ولذلك يقول الرجل إذا حجب عن الأمير : ما لقيته بعد وإن كان قد رآه ، وإذا أذن له في الدخول عليه يقول : لقيته ، وإن كان ضريراً ، ويقال : لقي فلان جهداً شديداً ولقيت من فلان الداهية. ولاقى فلان حمامه ، وكل ذلك يدل على أن اللقاء ليس عبارة عن الرؤية. ويدل عليه أيضاً قوله تعالى : (فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ )[القمر : 12]. وهذا إنما يصح في حق الجسم ولا يصح على الله تعالىR[3] .
هذا وقد وردت آيات عديدة ذكر فيها اللقاء ولا يراد منه الرؤية كقوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ([الروم : 16]،وقوله تعالى: ( وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ)[المؤمنون : 33]،وقوله تعالى:(فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ)[السجدة : 14]،فالمراد من اللقاء هنا الحضور يوم القيامة للحساب،ولا دلالة فيه على الرؤية.
[1]التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي: 13 / 107 [سورة الانعام/الآية:103].
[2]نفس المصدر السابق: 3 / 47 [سورة البقرة/الآيتان:45و46].
[3]نفس المصدر السابق: 3 / 48 [سورة البقرة/الآيتان:45و46].
تعليق