بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبا الزهراء محمد وعلى آله الغر الميامين المعصومين وعلى من وآلاهم وأحبهم إلى يوم الدين.
وبعد:
نكمل مابدأناه سابقا حول علم عمر خصوصا في هذه المسألة وهي من اجنب وكان فاقدا للماء.
فأقول: ألم يسمع عمر بقول :عمران بن الحصين؟
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم فقال: يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك (1)
وهل عزب عنه ما رواه سعيد بن المسيب عن أبي هريرة؟ قال: جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا نكون في الرمل وفينا الحائض والجنب والنفساء فيأتي علينا أربعة أشهر لا نجد الماء؟ قال: عليك بالتراب يعني التيمم.
وفي لفظ آخر: إن أعرابا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا نكون في هذه الرمال لا نقدر على الماء ولا نرى الماء ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وفينا النفساء والحائض والجنب؟ قال: عليكم بأرض.
وفي لفظ الأعمش: جاء الأعراب إلى النبي. صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نكون بالرمل ونعزب عن الماء الشهرين والثلاثة وفينا الجنب والحائض؟ فقال: عليكم بالتراب (2).
وهل ذهب عليه ما أخبر به أبو ذر من السنة؟ قال: كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فاصلي بغير طهور فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهو في رهط من أصحابه وهو في ظل المسجد فقال: أبو ذر؟ فقلت: نعم هلكت يا رسول الله! فقال:
وما أهلكك؟ قال: إني كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فاصلي بغير طهور فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فجاءت به جارية سوداء بعس يتخضخض ما هو بملآن فتسترت إلى بعيري فاغتسلت ثم جئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إن الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين فإذا وجدت الماء فامسسه جلدك (3).
م - وهلا قرع سمعه حديث الأسقع؟ قال: كنت ارحل للنبي صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رحل لنا يا أسقع. فقلت: بأبي أنت وأمي أصابتني جنابة وليس في المنزل ماء. فقال: تعال يا أسقع! أعلمك التيمم مثل ما علمني جبرئيل، فأتيته فنحاني عن الطريق قليلا فعلمني التيمم). (4)
وقبل كل شئ آيتا التيمم إحديهما في سورة النساء آية 43 وهي قوله:
يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا، وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغايط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنزلت هذه الآية إذا أجنب فلم يجد الماء تيمم وصلى حتى يدرك الماء فإذا أدرك الماء اغتسل (5).
والآية الثانية في سورة المائدة آية 6 وهي قوله.
يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين، وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه.
فإن المراد من الملامسة في آية النساء هو الجماع لا محالة كما عن أمير المؤمنين و ابن عباس وأبي موسى الأشعري وتبعهم في ذلك الحسن وعبيدة والشعبي وآخرون و هذا مذهب كل من نفى الوضوء بمس المرأة كأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر والثوري والأوزاعي وغيرهم. وذلك أن المولى سبحانه أسلف بيان حكم الجنب عند وجدان الماء بقوله: حتى تغتسلوا. وقوله: فاطهروا. ثم شرع في صور حكم عدم التمكن من استعمال الماء لمرض أو سفر أو فقدانه واستطرد هنا ذكر الحدث الأصغر بقوله: أو جاء أحد منكم من الغايط. فنوه بذكر الجنابة بقوله: أو لامستم النساء. ولو أريد به غير الجماع لكان مختزلا عما قبله. وعبر عن الجماع باللمس المرادف للمس (6) الذي أريد به الجماع فحسب في قوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن. وقوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن. وقوله تعالى: ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن.
ولغير واحد من فقهاء القوم وأئمتهم كلمات ضافية في المقام تكشف عن جلية الحال نقتصر منها بكلمة الإمام أبي بكر الجصاص الحنفي المتوفى 370 قال في أحكام القرآن 2 ص 450 - 456:
أما قوله تعالى " أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا " فإن السلف قد تنازعوا في معنى الملامسة المذكورة في هذه الآية فقال علي وابن عباس وأبو موسى والحسن وعبيدة والشعبي: هي كناية عن الجماع وكانوا لا يوجبون الوضوء لمن مس امرأته. وقال عمر وعبد الله بن مسعود: المراد اللمس باليد وكانا يوجبان الوضوء بمس المرأة ولا يريان للجنب أن يتيمم، فمن تأوله من الصحابة على الجماع لم يوجب الوضوء من مس المرأة ومن حمله على اللمس باليد أوجب الوضوء من مس المرأة ولم تجز التيمم للجنب.ثم أثبت عدم نقض الوضوء بمس المرأة على كل حال لشهوة أو لغير شهوة بالسنة النبوية فقال: اللمس يحتمل الجماع على ما تأوله علي وابن عباس وأبو موسى. و يحتمل اللمس باليد على ما روي عن عمر وعبد الله بن مسعود، فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ. أبان ذلك عن مراد الله تعالى.
ووجه آخر يدل على أن المراد منه الجماع وهو أن اللمس وإن كان حقيقة للمس باليد فإنه لما كان مضافا إلى النساء وجب أن يكون المراد منه الوطئ كما أن الوطئ حقيقته المشي بالاقدام فإذا أضيف إلى النساء لم يعقل منه غير الجماع، كذلك هذا ونظيره قوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، يعني من قبل أن تجامعوهن.
وسنكمل البحث في مشاركة آتية إن شاء الله تعالى
الحمدلله ربِّ العالمين
والسلام عليكم
____________
(1) صحيح البخاري 1 ص 129، صحيح مسلم، مسند أحمد 4 ص 434، سنن النسائي 1 ص 171، سنن البيهقي 1 ص 219، تيسير الوصول 3 ص 98.
(2) سنن البيهقي 1 ص 216، 217.
(3) سنن البيهقي 1 ص 217، 220.
(4) تاريخ الخطيب البغدادي 8 ص 377.
(5) سنن البيهقي 1 ص 216.
(6) راجع معاجم اللغة.
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبا الزهراء محمد وعلى آله الغر الميامين المعصومين وعلى من وآلاهم وأحبهم إلى يوم الدين.
وبعد:
نكمل مابدأناه سابقا حول علم عمر خصوصا في هذه المسألة وهي من اجنب وكان فاقدا للماء.
فأقول: ألم يسمع عمر بقول :عمران بن الحصين؟
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم فقال: يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك (1)
وهل عزب عنه ما رواه سعيد بن المسيب عن أبي هريرة؟ قال: جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا نكون في الرمل وفينا الحائض والجنب والنفساء فيأتي علينا أربعة أشهر لا نجد الماء؟ قال: عليك بالتراب يعني التيمم.
وفي لفظ آخر: إن أعرابا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا نكون في هذه الرمال لا نقدر على الماء ولا نرى الماء ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وفينا النفساء والحائض والجنب؟ قال: عليكم بأرض.
وفي لفظ الأعمش: جاء الأعراب إلى النبي. صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نكون بالرمل ونعزب عن الماء الشهرين والثلاثة وفينا الجنب والحائض؟ فقال: عليكم بالتراب (2).
وهل ذهب عليه ما أخبر به أبو ذر من السنة؟ قال: كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فاصلي بغير طهور فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهو في رهط من أصحابه وهو في ظل المسجد فقال: أبو ذر؟ فقلت: نعم هلكت يا رسول الله! فقال:
وما أهلكك؟ قال: إني كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فاصلي بغير طهور فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فجاءت به جارية سوداء بعس يتخضخض ما هو بملآن فتسترت إلى بعيري فاغتسلت ثم جئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إن الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين فإذا وجدت الماء فامسسه جلدك (3).
م - وهلا قرع سمعه حديث الأسقع؟ قال: كنت ارحل للنبي صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رحل لنا يا أسقع. فقلت: بأبي أنت وأمي أصابتني جنابة وليس في المنزل ماء. فقال: تعال يا أسقع! أعلمك التيمم مثل ما علمني جبرئيل، فأتيته فنحاني عن الطريق قليلا فعلمني التيمم). (4)
وقبل كل شئ آيتا التيمم إحديهما في سورة النساء آية 43 وهي قوله:
يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا، وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغايط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنزلت هذه الآية إذا أجنب فلم يجد الماء تيمم وصلى حتى يدرك الماء فإذا أدرك الماء اغتسل (5).
والآية الثانية في سورة المائدة آية 6 وهي قوله.
يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين، وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه.
فإن المراد من الملامسة في آية النساء هو الجماع لا محالة كما عن أمير المؤمنين و ابن عباس وأبي موسى الأشعري وتبعهم في ذلك الحسن وعبيدة والشعبي وآخرون و هذا مذهب كل من نفى الوضوء بمس المرأة كأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر والثوري والأوزاعي وغيرهم. وذلك أن المولى سبحانه أسلف بيان حكم الجنب عند وجدان الماء بقوله: حتى تغتسلوا. وقوله: فاطهروا. ثم شرع في صور حكم عدم التمكن من استعمال الماء لمرض أو سفر أو فقدانه واستطرد هنا ذكر الحدث الأصغر بقوله: أو جاء أحد منكم من الغايط. فنوه بذكر الجنابة بقوله: أو لامستم النساء. ولو أريد به غير الجماع لكان مختزلا عما قبله. وعبر عن الجماع باللمس المرادف للمس (6) الذي أريد به الجماع فحسب في قوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن. وقوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن. وقوله تعالى: ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن.
ولغير واحد من فقهاء القوم وأئمتهم كلمات ضافية في المقام تكشف عن جلية الحال نقتصر منها بكلمة الإمام أبي بكر الجصاص الحنفي المتوفى 370 قال في أحكام القرآن 2 ص 450 - 456:
أما قوله تعالى " أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا " فإن السلف قد تنازعوا في معنى الملامسة المذكورة في هذه الآية فقال علي وابن عباس وأبو موسى والحسن وعبيدة والشعبي: هي كناية عن الجماع وكانوا لا يوجبون الوضوء لمن مس امرأته. وقال عمر وعبد الله بن مسعود: المراد اللمس باليد وكانا يوجبان الوضوء بمس المرأة ولا يريان للجنب أن يتيمم، فمن تأوله من الصحابة على الجماع لم يوجب الوضوء من مس المرأة ومن حمله على اللمس باليد أوجب الوضوء من مس المرأة ولم تجز التيمم للجنب.ثم أثبت عدم نقض الوضوء بمس المرأة على كل حال لشهوة أو لغير شهوة بالسنة النبوية فقال: اللمس يحتمل الجماع على ما تأوله علي وابن عباس وأبو موسى. و يحتمل اللمس باليد على ما روي عن عمر وعبد الله بن مسعود، فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ. أبان ذلك عن مراد الله تعالى.
ووجه آخر يدل على أن المراد منه الجماع وهو أن اللمس وإن كان حقيقة للمس باليد فإنه لما كان مضافا إلى النساء وجب أن يكون المراد منه الوطئ كما أن الوطئ حقيقته المشي بالاقدام فإذا أضيف إلى النساء لم يعقل منه غير الجماع، كذلك هذا ونظيره قوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، يعني من قبل أن تجامعوهن.
وسنكمل البحث في مشاركة آتية إن شاء الله تعالى
الحمدلله ربِّ العالمين
والسلام عليكم
____________
(1) صحيح البخاري 1 ص 129، صحيح مسلم، مسند أحمد 4 ص 434، سنن النسائي 1 ص 171، سنن البيهقي 1 ص 219، تيسير الوصول 3 ص 98.
(2) سنن البيهقي 1 ص 216، 217.
(3) سنن البيهقي 1 ص 217، 220.
(4) تاريخ الخطيب البغدادي 8 ص 377.
(5) سنن البيهقي 1 ص 216.
(6) راجع معاجم اللغة.
تعليق