كتاب الميراث
وفي جملة من الكتب الفقهية التعبير عن ذلك بكتاب الفرائض، والظاهر أن التعبير بما هنا أولى، لأن الميراث أعم من الفريضة إن أريد بها المفروض بالتفصيل، نعم إن أريد بها ما يعم الاجمال كإرث أولي الأرحام فهو بمعناها.
والأصل فيه بعد الإجماع من المسلمين بل الضرورة من الدين الكتاب والسنة فمن الكتاب آيات متكاثرة قال الله تعالى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقربونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقربونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً
وقال سبحانه: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين
وقال عز من قائل: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ.
وأما من السنّة فنصوص متواترة ستمر عليك في طي المسائل الآتية:
روى شيخ الطائفة عن عبد الله بن مسعود: أن النبى (ص) قال: تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وسيقبض العلم ويظهر الفتن حتى يختلف الرجلان في الفريضة ولا يجدان من يفصل بينهما.
وروي أيضاً عنه (ص): تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها نصف العلم وهو ينسى، وهو أول شيء ينتزع من أمتي. وذكروا في توجيه التنصيف وجوهاً.
1- اختصاصه بإحدى حالتي الإنسان، وهي حالة الممات بخلاف سائر العلوم، ولا شك أن المختص بإحدى الحالتين نصف المجموع.
2- اختصاصه بأحد سببي الملك وهو سبب الاضطرار من الموت والإرث، وباقي العلوم لا يختص به، وأحد هذين العلمين نصف مجموعهما.
3- أن العلم قسمان: قسم المقصود بالذات فيه التعلم والتعليم والعمل تابع والاخر بالعكس، والاول الفرائض والثاني باقي الفقه وأحد القسمين نصفهما.
4- أنه نصف العلم لاشتماله على مشقة عظيمة في معرفته وتصحيح مسائله بخلاف باقي العلوم وأحد العلمين مجموعهما.
5- أنه نصف باعتبار الثواب، ففي المسالك: وروي أن ثواب مسألة من الفرائض ثواب عشرة من غيرها.
ويمكن أن يكون المراد بالفريضة ما يجب فعله فتكون إشارة إلى الحكمة العملية التي هي أحد قسمي العلم، وأما قوله (ص): أنه أول ما ينتزع من أمتي قيل: إن مصداقه ما شاع وذاع من قصة غصب فدك وخيبر ووضع حديث لا نورث، ويمكن إرجاع الضمير إلى العلم وكونه أول ما ينتزع لكونه الخلافة التي يوجب انتزاعها انتزاع العلم والتعليم.
موجبات الإرث وأسبابه
و كيف كان ف- فيه فصول الفصل الأول في أسبابه بالمعنى الأعم أي الموجبات للإرث الشاملة للنسب بالمعنى الأخص وهي شيئان بالاستقراء والضرورة من الدين نسب وسبب فالنسب هو الاتصال بالولادة بانتهاء أحد الشخصين إلى الآخر كالأب والابن أو بانتهائهما إلى ثالث مع صدق اسم النسب عرفاً على الوجه الشرعي، فيخرج بقولنا عرفاً من يتصل بالآخر اتصالًا بعيداً كاتصالهما بالولادة من النبي (ص)، وبقولنا بالولادة اتصال أحدهما بالآخر بزوجية أو ولاء أو نحوهما، وبقولنا على الوجه الشرعي ولد الزنا ويدخل به من ألحقه الشارع ولم يعلم الولادة.
للنسب عمود وحواشي وعموده الآباء والأبناء والبواقي حواشي.
والفقهاء ذكروا أن مراتبه ثلاث باعتبار الاجتماع والافتراق في الإرث والتباين والتناسب في جهة النسبة.
توضيح ذلك: إنه لا شبهة في أنه في كل مرتبة من هذه المراتب الثلاث يقدم الأقرب على الأبعد، وأنه كما أن الآباء والأبناء يقدمون على الإخوة والأجداد، ولذا قدمت مرتبة الأولتين على
مرتبة الأخيرتين فكذلك الأولاد مع أبنائهم، فإنهم لا يرثون مع وجودهم فيلزم أن يكونوا في مرتبتين، وكذا القول في الإخوة مع أولادهم، والجد القريب مع البعيد، فيتعدد على هذا المراتب.
وإنما اعتبروا المراتب ثلاثاً مع ذلك من جهة أن الأنسباء إما متناسبون في جهة النسبة أو متباينون، والمتناسبون إما يجامع بعضهم بعض من لا يجامع الآخر أو لا، والمتباينون إما يجتمعون في الإرث أم لا، فجعلوا كل نسبين متناسبين لا يجتمع أحدهما مع من يمنعه الآخر أو متباينين مجتمعين في الإرث في طبقة واحدة ولأجل ذلك حصل للنسب طبقات ثلاث، هكذا أفاده بعض المحققين.
وللشهيد الثاني (رحمة الله عليه) في المسالك وجه آخر لذلك قال: لأن الأقرب في المرتبة وإن منع الأبعد لكن نظيره في المرتبة لا يمنع البعيد من غير صنفه فكان الأبعد وارثاً مع مساوي الأقرب في تلك المرتبة، فلذلك جعلت واحدة بخلاف حال كل واحد من أهل المرتبة مع من هو في غيرها فإنه لا يشاركه بوجه فلذلك تعددت بهذه الواسطة، مثل أولاد الأولاد فإنهم وإن كانوا لا يرثون مع الأولاد فيكونون بالنسبة إليهم مرتبة كنسبة الإخوة إلى الأولاد إلا أن أولاد الأولاد يشاركون الآباء لمساواتهم للأولاد في المرتبة فكانوا لذلك في المرتبة الأولى وإن تأخروا على بعض الوجوه
وكذا القول في أولاد الإخوة فإنهم وإن كانوا مع الإخوة مرتبة متاخرة إلا أنهم مع الأجداد مرتبة واحدة فيرث الأبعد من أولاد الإخوة مع الأقرب من الأجداد ومساوي المساوي في قوة المساوي.
ثم قال: وهذه النكتة تتخلف في الأعمام والأخوال لأن أولاد كل طبقة منهم مقدمون على الطبقة التي بعدها مطلقاً كأولاد أعمام الميت فإنهم أولى من أعمام أب الميت وهكذا. انتهى.ولبعض الفقهاء ضبط هذه المراتب بأن القريب إن تقرب إلى الميت بغير واسطة فهو المرتبة الأولى أو بواسطة واحدة فهو المرتبة الثانية أو بأزيد من مرتبة فهو الثالثة، وإشكاله ظاهر فإنه يتخلف في حق أولاد الأولاد وفي حق أولاد الإخوة وفي حق الأجداد العليا وفي حق أولاد العمومة والخؤولة فالصحيح هو الوجه الأول.
ثم إن لكل من المرتبتين الاولتين من المراتب صنفين: ففي الأولى الأبوان والأولاد، وفي الثانية الإخوة والأجداد، وأما الثالثة وهي طبقة أولي الأرحام فصنف واحد هم إخوة الآباء والأمهات وأولادهم والأقرب من كل صنف يحجب الأبعد من دون الآخر،
فالأولاد بلا واسطة يحجبون الأولاد مع الواسطة ولا يحجبهم الأبوان، والجد الأدنى يحجب الأعلى دون أولاد الإخوة، والإخوة يحجبون أولاد الإخوة دون الصاعد من الأعداد، والعم القريب يحجب البعيد من الأعمام والأخوال وأولاد العمومة والخؤولة، وكذا الخال لاتحاد الصنف.
والواحد من كل مرتبة أو درجة وإن كان أنثى يحجب من وراءه من المراتب والدرجات، إلا في صورة واحدة إجماعية وهي أن ابن العم للأب والأم يحجب العم للأب وحده ويأخذ نصيبه