وليست حلية الصيد الذي قتله الكلب مطلقة بل مشروطة بشروط ستة:
أحدها: أن يكون الكلب معلما بلا خلاف فيه.
ويشهد به: الآية الكريمة: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ
والتقدير واحل لكم صيد ما علمتم من الجوارح لانه معطوف على قوله: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ
أضف إليه قوله تعالى: مكلبين، فان المكلف مؤدب الكلاب لاجل الصيد، وجملة من النصوص: كصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع): انه قال: ما قتلت من الجوارح مكلبين وذكر اسم الله عليه فكلوا منه وما قتلت الكلاب التي لم تعلموها من قبل أن تدركوه فلا تطعموه.
وخبر زرارة عن الامام الصادق (ع) في حديث صيد الكلب قال: وإن كان غير معلم يعلمه في ساعته حين يرسله وليأكل منه فإنه معلم.
وفي المسالك وعن عدي بن حاتم رض قال: قلت: يا رسول الله اني ارسل الكلاب المعلمة فيمسكن علي واذكر اسم الله تعالى فقال (عليهما السلام): إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى عليه فكل ما أمسك عليك «6».
يسترسل إذا أرسله وينزجر إذا زجره، وأن لا يعاد أكل ما يصيده
واعتبر الاصحاب في صيرورة الكلب معلما أمرين:
أحدهما: أن يسترسل وينطلق إذا أرسله وأغراه، ومعناه إذا اغري بالصيد هاج.
و الثاني: أن ينزجر إذا زجره هكذا أطلق أكثرهم.
وعن الدروس التقييد بما إذا لم يكن بعد إرساله إلى الصيد لانه لم يكاد يكف حينئذ، وفي المسالك وهو حسن.
وقد تبعا في ذلك المصنف (رحمة الله عليه) في التحرير وتبعهم غيرهم، وليس ببعيد لدلالة العرف عليه وهو الاصل في اثبات الشرطين لعدم دليل سواه بعد الاجماع.
و الشرط الثاني أن لا يعتاد الكلب أكل ما يصيده وقد ذكره في الشرائع والنافع والمسالك وغيرها من الامور
ولا اعتبار بالنادر
المعتبرة في صيرورة الكلب معلما، وظاهر المتن كونه شرطا مستقلا والامر سهل بعد ورود الرواية به.
وفي المسالك: وفي هذا اعتبار وصفين:
أحدهما: أن يحفظه ولا يخليه.
والثاني: أن لا يأكل منه، وكيف كان فعلى اعتبار ذلك أكثر الاصحاب.
وفي الرياض: بل لعله عليه عامة من تأخر.
وفي الانتصار والخلاف وظاهر المختلف وكنز العرفان: الاجماع عليه.
و على أنه لا اعتبار بالنادر وعن الصدوقين وجماعة: ان عدم الاكل ليس بشرط، وظاهر المسالك اختياره وعن الاسكافي: الفرق بين أكله منه قبل موت الصيد وبعده وجعل الاول قادحا دون الثاني.
واستدل للاول: السيد المرتضى: بأن أكل الكلب من الصيد إذا تردد وتكرر دل على أنه غير معلم والتعلم شرط في اباحة صيد الكلب، وبأنه إذا توالى أكله منه لا يكون ممسكا على صاحبه بل يكون ممسكا على نفسه.
وقول المخالف لنا ان الكلب متى أكل يخرج عن أن يكون معلما ليس بشئ، لان الاكل إذا شذ به وندر لم يخرج به أن يكون معلما، ألا ترى أن العاقل منا قد يقع منه الغلط فيما هو عالم به ومحسن له على سبيل الشذوذ ولا يخرج عن كونه عالما، فالبهيمة مع فقد العقل بذلك أحق.
واستدل: لما ذهب إليه الصدوقان وتابعوهما: بنصوص مستفيضة، كصحيح محمد ابن مسلم وغير واحد منهما (عليهما السلام) جميعا انهما قالا في الكلب يرسله الرجل ويسمي قالا: إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه وإن أدركته وقد قتله وأكل منه فكل ما بقى ولا ترون ما يرون في الكلب.
وصحيح جميل عن حكم بن حكيم الصيرفي قال: قلت لابي عبدالله (ع): ما تقول في الكلب يصيد الصيد فيقتله؟
قال (ع): لا بأس بأكله، قلت: إنهم يقولون: إنه إذا قتله وأكل منه فإنما أمسك على نفسه فلا تأكله فقال (ع): كل أوليس قد جامعوكم على أن قتله ذكاته؟
قال: قلت: بلى، قال: فما يقولون في شاة ذبحها رجل أذكاها؟
قال: قلت: نعم، قال: فان السبع جاء بعد ما ذكاها فأكل بعضها أتؤكل البقية؟
قلت: نعم، قال (ع): فإذا أجابوك إلى هذا فقل لهم: كيف تقولون إذا ذكى ذلك وأكل منه لم تأكلوا وإذا ذكى هذا وأكل أكلتم؟.
وخبر زرارة عن الامام الصادق (ع) انه قال في صيد الكلب: إن أرسله الرجل وسمى فليأكل مما أمسك عليه وإن قتل، وإن أكل ما أكل فكل ما بقى «2».
وخبر يونس بن يعقوب عنه (ع) عن رجل أرسل كلبه فأدركه وقد قتل؟ قال (ع): كل وإن أكل.
إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة.
ولكن يرد عليهم: انه بازاء هذه النصوص نصوص كثيرة دالة على النهي عنه كموثق سماعة من مهران:
سألته عما أمسك عليه الكلب المعلم للصيد وهو قول الله تعالى: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ «1»
؟ قال (ع): لا بأس أن تأكلوا مما أمسك الكلب مما لم يأكل الكلب منه فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه ... الحديث.
وصحيح رفاعة قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن الكلب يقتل؟ فقال (ع): كل، قلت: إن أكل منه؟ قال (ع): إذا أكل منه فلم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه.
ونحوهما غيرهما، وقد ادعى سيد الرياض استفاضة هذه النصوص.
وقد جمع الشيخ (رحمة الله عليه) «5» بين الطائفتين بوجهين:
الاول: حمل الاولة على الاكل نادرا والاخيرة على المعتاد للاكل،
واستحسنه سيد الرياض ، قال: وربما أشعرت باختصاصها بهذه الصورة لما فيها من التعليل بعدم الامساك على المرسل بل على نفسه.
ويرد عليه: انه جمع تبرعي لا شاهد به والتعليل لو دل على شئ لدل على ما يقول العامة من أن الاكل نادرا أيضا، قادح فإنه في ذلك الفرض أمسكه على نفسه.
الثاني: حمل الثانية على التقية وتبعه في ذلك الشهيد الثاني (رحمة الله عليه) قال: كما يشعر به هذا الحديث الصحيح مشيرا إلى صحيح جميل.
ولا يرد عليه: ما في الرياض «3» من أن موثق سماعة يأبى عن ذلك لان في ذيله سألته عن صيد الفهد وهو معلم للصيد، فقال: إن أدركته حيا فذكه وكله وإن كان قد قتله فلا تأكل منه.
بدعوى: انه مناف للحمل المزبور لتحليلهم ما فيه منع عنه فإن الذيل لم يثبت كونه مسؤولا عنه في ذلك المجلس الذي سأله عما في صدره، وعلى فرضه لم يثبت كونه سأله بلا فصل، ولعله في أول المجلس كان من يتقي منه حاضر او لم يكن في آخره.
ولكن يرد عليه: ان صحيح جميل يدل على بطلان تعليل العامة لعدم جواز الاكل ولو نادرا بالعلة المشار إليها كما يظهر من تعليمه المحاجة معهم، ويدل أيضا على أن الاكل مطلقا لا يكون قادحا فهو يكون في مدلوله الثاني معارضا مع الطائفة الثانية، ومجرد المطابقة لفتوى العامة لا يوجب طرح الخبر لان المرجحات الاخر جعلت في المرتبة السابقة وهي الشهرة وصفات الراوي، والشهرة مع الطائفة الثانية.
والحق: إن النصوص الاولة التي استدل بها للصدوقين وتابعيهما تدل على أن أكل الكلب من حيث إنه أكل، ومن حيث إنه يكشف عن امساكه الصيد لنفسه لا للمرسل لا يمنع عن الحلية، وهذا لا ينافي عدم الحلية مع كون الاكل في مورد موجبا لفقد شرط آخر للحلية.
وعليه، فحيث إن أكل الكلب من الصيد إذا تردد وتكرر دل على أنه غير معلم والتعلم شرط في اباحة صيد الكلب كتابا وسنة واجماعا كما مر، فكان معتاد الاكل خارجا منها فهي تختص بالاكل نادرا وعلى ذلك فلا تصلح الطائفة الثانية لمعارضتها لانها المشهورة بين الاصحاب، ومع ذلك موافقة للكتاب ومخالفة للعامة فتقدم عليها من جهات.
فتحصل: ان ما أفاده المشهور أظهر، وأما ما عن ابن الجنيد فلا دليل عليه إلا توهم الجمع بين الطائفتين بذلك وهو تبرعي محض.
قال في المسالك: وفي حكم أكله منه ما إذا أراد الصائد أخذ الصيد منه فامتنع وصار مقابل دونه، ذكر ذلك ابن الجنيد وغيره لانه في معنى الاكل من حيث إنه غرضه ذلك فلم يتمرن على التعلم من هذه الجهة، انتهى.
وهو حسن ولكن كما أن الاكل نادرا لا ينافي كونه معلما كذلك الامتناع نادرا.
ثم إنه لا يعتبر صيرورة الكلب معلما قبل الارسال بل لو انطبق عليه هذا العنوان حين الارسال كفى، كما صرح بذلك في خبر زرارة المتقدم.
ثم إن ما ذكر في صيرورة الكلب معلما من القيود لا بد وأن يكرر حتى يصدق عليه هذا العنوان في العرف أو يخبر أهل الخبرة بذلك، ولا يقدر المرات بعدد كما عن جماعة «3» لعدم الدليل على شئ مما أفادوه وحيث يقدح الاكل فالمعتبر منه أكل اللحم فلا يضر شربه الدم بل ولا أكل حشوته لعدم كونهما مقصودين للصائد.
و الثالث: أن يكون المرسل مسلما أو في حكمه كولده المميز غير البالغ ذكرا أو انثى فلو أرسل الكافر لم يحل وإن سمى وكان ذميا، على المشهور.
واستدل له: بالآية الكريمة: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ
، والكافر لا يعرف الله تعالى فلا يذكره على ذبيحته ولا يرى التسمية على الذبيحة فرضا ولا سنة، وبأن الاخلاد إلى الكفار في الذبح ركون إلى الظالم فيندرج تحت النهي في قوله تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ.
وبأنه نوع استئمان والكافر ليس محلا للامانة، وبأنه له شرائط فلا يستند في حصولها إلى قوله وبالنصوص الآتية الدالة على اعتبار الاسلام في المذكى، فإن ارسال الكلب واستعمال آلة الصيد نوع من التذكية فيشمله تلكم النصوص، وبأصالة الحرمة حيث نشك في أن الكافر إذا أرسل الكلب هل يحل أكل لحمه أم لا؟ والاصل الحرمة.
وبقوي السكوني عن الامام الصادق (ع): كلب المجوسي لاتأكل صيده إلا أن يأخذه المسلم فيعلمه ويرسله وكذلك البازي ... الحديث.
بدعوى: أنه بمفهوم الاستثناء يدل على اعتبار أن يرسله المسلم وهو وإن كان في كلب المجوسي لكن الظاهر عدم الفصل.
أقول: أما الآية الاولى، فيرد على الاستدلال بها: انها تدل على اشتراط التسمية ومقتضاها سيما مع قوله تعالى قبل ذلك: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ان ما يسمى عليه مباح أكله سواء كان المتصدي له مسلما أم كافرا فهي على خلاف المطلوب أدل.
ودعوى: أن الكافر لا يعرف الله، تتم في غير المعتقد والكلام في الكافر المعتقد أي أهل الكتاب.
ودعوى: أنه لا يرى التسمية فرضا ولا سنة، لم تثبت وعلى فرضه فالكلام إنما هو في صورة التسمية، أضف إلى ذلك كله ما سيجيء إن شاء الله في اعتبار التسمية ان الآية لا تدل عليه أيضا.
وأما الوجه الثاني: فيرد عليه:
أولا: النقض بالظالم من المسلمين ولا اشكال في حلية ذبيحته.
وثانيا: ان أكل صيد كلب الكافر والظالم كأكل ما اشترى منه من المأكولات ليس ركونا إليه كما أن استخدامه لا يعد ركونا إليه، وبه يظهر ما في الوجه الثالث.
وأما النصوص الآتية فمع قطع النظر عما سنذكره عند التعرض لتلك المسألة انها واردة في ذبيحة الكفار ومن المعلوم أن ارسال الكلب لا يكون ذبحا.
وبعبارة اخرى ليس في شئ من تلكم النصوص النهي عن أكل ما ذكاه الكافر حتى يقال إن ارسال الكلب نوع من التذكية، بل نهى عن أكل ذبيحة الكافر ومعلوم أنه لا يصدق على مرسل الكلب ذابح للحيوان، بل نسب القتل الذي هو مساوق للذبح إلى الكلب في النصوص.
نعم، في خصوص صحيحي ابن مسلم والحلبي الآتيين النهي عن ذبيحة نصارى العرب وصيدهم وستعرف أنه من جهة عدم كونهم أهل الكتاب.
وأما الوجه الخامس: وهو أصالة الحرمة فلا بأس بتفصيل القول فيها لانها تفيدنا في كثير من المباحث الآتية.
فقد يقال: إنه لا ريب في أن الحيوان الذي زهق روحه إنما يحل أكل لحمه مع وقوع التذكية عليه بالذبح أو النحر أو الاصطياد بارسال الكلب أو السهم، وهذا مضافا إلى وضوحه يشهد به الكتاب والسنة.
وعليه فحيث إن التذكية أمر وجودي حادث مسبوق بالعدم فلو شك في أنها هل تتحقق بدون ما شك في اعتباره كما لو أرسل الكافر الكلب أو ذبحه الذابح بغير الحديد وما شاكل أم لا؟
لا بد من الرجوع إلى أصالة عدم التذكية ويترتب عليه عدم الحلية.
ولكن يتوجه عليه: إن التذكية وإن وقع الخلاف في أنها هل تكون امرا بسيطا معنويا حاصلا من فرى الاوداج الاربعة بشرائطه، أو ارسال الكلب مع الشرائط، أو استعمال آلة الاصطياد كالسهم كذلك، أم هي عبارة عن نفس الفعل الخارجي مع الشرائط الخاصة الوارد على المحل القابل.
إلا أن الظاهر هو الثاني، لا لما أفاده المحقق النائيني (رحمة الله عليه) من استناد التذكية إلى المكلف في الآية الكريمة: إِلا مَا ذَكيتم
فإنه يرد عليه: انه لا شبهة في أنها فعل المكلف سواء كانت عبارة عن المسبب أو نفس الافعال الخارجية.
غاية الامر: على الاول تكون فعله التسبيبي وعلى الثاني تكون من أفعاله المباشرية، بل لانه في جملة من النصوص رتبت الحلية على نفس الافعال.
لاحظ خبر زيد الشحام عن الامام الصادق (ع): إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به.
ونصوص الباب المتقدمة ففي النبوي: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى عليه فكل ما أمسك عليك.
وفي صحيح ابن قيس: ما قتلت من الجوارح مكلبين وذكر اسم الله عليه فكلوا منه «3»، إلى غير تلكم من النصوص.
أضف إلى ذلك كله: انه قد ورد في جملة من النصوص إن ذكاة الجنين ذكاة امه.
ولو كانت التذكية اسما للمسبب لما صح هذا الاطلاق إذالحاصل من ذلك الامر المعنوي على فرض ثبوته لكل فرد، غير ما هو حاصل للآخر قطعا بخلاف ما إذا كانت اسما للافعال الخارجية.
مع أنه في حسن الحضرمي: إذا ارسلت الكلب المعلم، فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته.
وعلى هذا فإذا أتى بجميع ما ثبت اعتباره من القيود دون ما شك فيه لا محالة يشك في تحقق التذكية وفي حلية أكل لحم ذلك الحيوان، فهل هناك اصل أم لا؟
والاصول المتوهم جريانها أربعة:
1- أصالة عدم التذكية ونتيجتها عدم الحلية.
2- استصحاب الحرمة الثابتة في حال الحياة، ونتيجته عدم الحلية أيضا.
3- أصالة البراءة عن اعتبار ما شك في اعتباره، ونتيجتها الحلية.
4- أصالة الحل.
ولكن الاظهر: عدم جريان الاولى فإن موضوع الحكم أي ما رتبت الحلية والطهارة عليه ليس هو مجموع القيود والاجزاء بما هي كذلك.
فلا يصح أن يقال: إن المجموع لم تكن متحققة والآن يشك في تحققها فيستصحب العدم.
وبعبارة اخرى: وصف الاجتماع غير دخيل في الحكم فلا يجري فيه الاستصحاب، كما أن الدخيل في الموضوع ليس عنوان السببية إذ مضافا إلى أنه عبارة عن الحكم لا مثبت لاعتباره فلا تجري أصالة عدم تحقق السبب، بل الموضوع ذوات الاجزاء المجتمعة وتحقق ما علم اعتباره معلوم، وما شك في اعتباره مفروض العدم فلا شئ يجري فيه أصل العدم.
كما أن الاظهر: عدم جريان استصحاب الحرمة أيضا فإن الاظهر عندنا عدم جريان الاستصحاب في الاحكام الكلية، مع أن الموضوع متبدل، أضف إليهما عدم ثبوت حرمة الاكل في حال الحياة إذا لم يعرضه الموت قبل البلع كما لو بلع سمكا صغيرا.
ولا يجري أيضا الاصل الثالث إذ سببية المجموع من المعدوم والمشكوك في اعتباره وترتب الحلية والطهارة عليه معلومة لا معنى لان ترفع بأدلة البراءة وشرطية ما شك في اعتباره أو جزئيته منتزعة من حكم الشارع بسببية الذبح أو الارسال المشتمل عليه، ومن المعلوم أنه غير مرتفع في الفرض واثبات حكم الشارع بسببية الفاقد ليس شأن أدلة البراءة فإنها رافعة للحكم لا مثبتة.
فيتعين الرجوع إلى الاصل الرابع وهو أصالة الحل، فإنه بعد ازهاق روح الحيوان بدون ذلك القيد يشك في حلية أكل اللحم وعدمها فيرجع إلى أصالة الحل فلو شك في اعتبار شيء في التذكية في الصيد أو الذبيحة ولم يدل دليل عليه يبنى على عدم اعتباره.
وقد استدل: سيد الرياض على أصالة الحرمة بنصوص كلها في الشبهة الموضوعية.
وأما السادس: فيرده: ان ذيل الخبر: وكلاب أهل الذمة وبزاتهم حلال للمسلمين أن يأكلوا صيدها مانع عن عدم الفصل بل شاهد بالفصل، مع أنه لا يعتبر أن يعلمه المسلم قطعا كما صرح بذلك في صحيح سليمان بن خالد.
فالنهي عن أكل الصيد في المستثنى منه محمول على الكراهة فلا يدل الاستثناء على اعتبار اسلام المرسل مع أنه مشتمل على البازي فهو محمول على التقية كما مر لا لبيان حكم الله الواقعي.
فتحصل: ان شيئا مما استدل به لاعتبار الاسلام في المرسل لا يدل عليه، بل الاصل يقتضي عدم اعتباره، وكذا اطلاق الآية الكريمة والنصوص، فلو لم يكن اجماع تعبدي على اعتباره كان المتعين البناء على عدم الاعتبار، والظاهر عدم وجوده فلو كان المرسل كتابيا يحل أكل صيده.
نعم، لا يحل إن كان كافرا غير كتابي، للاجماع ولصحيحي محمد بن مسلم والحلبي الآتيين اللذين ستعرف في الذبيحة اختصاصهما بغير الكتابي.
ثم انه صرح غير واحد بأنه على فرض اعتبار الاسلام في المرسل لا فرق بين البالغ وغير البالغ بناء على ما هو الحق من قبول اسلام غير البالغ بل على القول الآخر لاجراء أحكام المسلم عليه وسيجيء في الذبيحة عدم اعتبار البلوغ نفسه ومن حيث هو.
الرابع: أن يكون مرسل الكلب قاصدا لارسال الكلب ويرسله للاصطياد كما هو المشهور بين الاصحاب فلو استرسل الكلب بنفسه من غير أن يرسله، أو أرسله لكن لا بقصد الصيد، أو أرسله لكن مقصوده لم يكن محللا كما لو ظنه خنزيرا فأصاب محللا، لم يحل بلا خلاف ظاهر في شئ منها بل عليه الاجماع في الاول في الخلاف»
كما في الرياض ، فيشتمل هذا الشرط على امور:
1- اعتبار ارسال الكلب، فلو استرسل بنفسه وقتل صيدا فهو حرام سواء كان معلما أم لا.
واحتجوا له بالنبوي المتقدم: إذا أرسلت كلبك المعلم فكل، حيث قيد تجويز الاكل بالارسال فبالمفهوم يدل على عدم الحلية بدونه.
وأورد عليه: تارة بضعف السند، واخرى بضعف الدلالة لقوة احتمال ورود الشرط مورد الغالب فلا عبرة بمفهومه، واستوجه سيد الرياض الثاني وقد تمسك لاعتبار ذلك بأصالة الحرمة.
وفيه: أما ضعف السند فهو منجبر بالعمل، وأما ضعف الدلالة، فيدفعه: ان احتمال ورود الشرط مورد الغالب لا يمنع من التمسك بالمفهوم كما حقق في محله، وأما أصالة الحرمة فقد عرفت حالها.
وفي المقام رواية استدل بها بعضهم لهذا الحكم كما في الوسائل، واستدل بها آخر على عدم اعتبار ذلك، وعورض بها النبوي كما عن المحقق السبزواري ، وهي رواية القاسم بن سليمان عن أبي عبد الله (ع): إذا صاد الكلب وقد سمى فليأكل، وإذا صاد ولم يسم فلا أكل ، وقد استدل بصدرها لاعتبار الارسال.
واورد عليه: بأنه يحتمل أن يكون النهي عن الاكل لاجل عدم التسمية لا لاجل استرساله، فلا دلالة فيه على اعتبار الارسال بل ذيله يدل على أن المانع هو خصوص عدم التسمية فيعارض النبوي حينئذ.
وفيه: ان الظاهر بقرينة تكرار لفظ قال عدم كون الذيل تتمة لما في الصدر وكونه رواية اخرى.
وأما احتمال كون المنع في الصدر لاجل عدم التسمية.
فيدفعه: انه خلاف الظاهر سيما مع عدم التلازم بين الاسترسال وعدم التسمية.
فالاظهر أنه يدل على اعتبار الارسال.
ولو أن صاحب الكلب زجره لما استرسل فانزجر، ثم أغراه فاسترسل وقتل الصيد حل لانقطاع حكم الاسترسال السابق بوقوفه فكان الارسال ثانيا كالمبتدأ الواقع بعد ارسال سابق انقضى.
ولو زجره ولم ينزجر لم يحل زاد في عدوه أم لم يزد، ولو أغراه بعدما استرسل فلم يزد في عدوه قالوا لا اشكال في عدم الحل، وإن زاد فيه ففيه وجهان: من ظهور أثر الاغراء فينقطع الاسترسال، ومن اجتماع الارسال المحرم والاغراء المبيح فقتله بالسببين فيغلب التحريم، وهذا هو الاظهر فإن المعتبر كون الاسترسال بالارسال والاغراء لا مجرد ظهور الاثر للاغراء.
وأولى من ذلك في عدم الحلية ما لو زجره ولم ينزجر، ثم أغراه فزاد في عدائه، لظهور تأنيه وترك مبالاته باشارة الصائد.
2- اعتبار أن يكون الارسال بقصد الصيد فلو أرسله حيث لا صيد فاعترض صيدا فقتله لم يحل، فإن ذلك في قوة استرساله من قبل نفسه.
وإن شئت قلت: إن ظاهر الخبرين المتقدمين اعتبار أن يرسله للصيد لا الارسال المطلق.
3- اعتبار أن يكون قصده المحلل، فلو أرسله بقصد صيد ظن أنه خنزير فبان أنه محلل، أو أرسله بقصد خنزير فلم يصبه وأصاب محللا، قالوا: لا يحل وصريح الرياض عدم الخلاف فيه، ووجهه غير ظاهر، سيما وان ظاهرهم عدم اعتبار قصد المعين وانه لو أرسله على صيد فقتل غيره حل، اللهم إلا أن يكون اجماع.
و الخامس: أن يسمي عند ارساله بلا خلاف في وجوب التسمية واشتراطها في حلية ما يقتله الكلب والسهم عندنا وعند كل من أوجبها في الذبيحة.
ويشهد به: عموم قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ
فتأمل، فإن في دلالة الآية كلاما سيأتي، واجماله احتمال أن يكون قوله: وإنه لفسق حالا لا معطوفا والتقدير: لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه في حالة كونه فسقا، وقد فسره بقوله في الآية الاخرى: أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ
وبقرينة ما قبله فلا يكون النهي عن أكله مطلقا.
بل في هذه الحالة بل ربما يقال: إن الظاهر ذلك لعدم جواز عطف الجملة الخبرية على الجملة الانشائية عند علماء البيان ومحققي العربية.
وعليه: فلا تدل الآية على اعتبار التسمية على الذبيحة ولا على الصيد مطلقا.
وخصوص قوله تعالى في الكلب: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ
ودلالته واضحة فإن الظاهر من الامر بشئ في المركب من امور كونه ارشادا إلى الجزئية أو الشرطية فيدل على شرطية التسمية في حلية الاكل.
وجملة من النصوص: كصحيح الحلبي عن الامام الصادق (ع): من أرسل كلبه ولم يسم فلا يأكله.
وخبر القاسم بن سليمان عنه (ع): إذا صاد الكلب وقد سمى فليأكل، وإن صاد ولم يسم فلا يأكل «2».
وصحيح عبدالرحمن عنه (ع): كل ما أكله الكلب إذا سميت ونحوها غيرها.
ولا خلاف في اجزاء التسمية عند الارسال لانطباق جميع الادلة عليه، ولقوله في صحيح الحذاء عن مولانا الصادق (ع): عن الرجل يسرح كلبه المعلم ويسمي إذا سرحه قال: يأكل مما أمسك عليه ... الحديث ونحوه غيره.
إنما الخلاف بينهم وقع في اجزائها إذا وقعت في الوقت الذي بين الارسال وعقر الكلب: ظاهر المتن والشرائع والنافع وكثير وصريح آخرين: عدم الاجزاء.
وصريح الشهيدين وسيد الرياض وغيرهم: الاجزاء.
يشهد للثاني: اطلاق الآية الكريمة فإن الضمير في قوله: واذكرو ا اسم الله عليه يرجع إلى الصيد المضمر في قوله: مما أمسكن عليكم وهو يصدق بذكر اسم الله عليه في جميع الوقت المذكور.
وفي المسالك: ينبغي أن يكون ما قرب من وقت القتل أولى بالاجزاء لقربه من وقت التذكية حينئذ وكذا تشمله أكثر نصوص الباب.
واستدل: للقول بعدم الاجزاء: بأن التسمية في وقت الارسال تجزي كما مر يقينا ويشك في اجزائها في الوقت المزبور فيرجع إلى أصالة الحرمة، وبأن الارسال منزل منزلة الذكاة لانها تجزي عنده اجماعا فلا تجزي بعده كما لا تجزي بعد الذكاة، وبقوله في صحيح الحذاء المتقدم: ويسمي إذا سرَّحه.
وبقوله (ع) في حسن الحضرمي المتقدم: إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته.
ولكن يرد على الاول: ان الاصل في المقام هو الحل دون الحرمة كما مر، مع أن الرجوع إلى الاصل إنما هو بعد عدم وجود الدليل ومع دلالة الآية والنصوص باطلاقها على الاجزاء لا مجال للرجوع إلى الاصل.
ويرد على الثاني: ان قتل الكلب المسبوق بالارسال منزل منزلة الذكاة.
وبعبارة اخرى: الارسال مع قتل الكلب منزل منزلة الذكاة ففي كل آن من الوقت المزبور أي ما بين القيدين وقعت، وقعت حين التذكية، مع أن الدليل دل على اعتبار التسمية حين الذبح لا حين التذكية كي يتمسك بعموم التنزيل، ويمكن أن يكون جواز تقديم التسمية والاكتفاء بها حين الارسال تخفيفا ورخصة، أو لكونه السبب الاعظم في التذكية وعسر مراعاة حال العقر فلم يكن التسمية متعينة حال الارسال كي يستدل بذلك على تنزيل الارسال منزلة الذكاة.
ويرد على الثالث: ان التخصيص انما هو في كلام السائل، لا في كلام المعصوم (ع).
ويرد الرابع: ان ظاهره لو دل على شئ لدل على التسمية بعد الارسال لا حينه، مع أنه لا يدل على تعين التسمية في وقت لا منطوقا ومفهوما إذا المأخوذ شرطا في الخبر ارسال الكلب، والجزاء وجوب ذكر اسم الله، فمفهوم ذلك عدم لزوم التسمية عند عدم الارسال فلا يكون الخبر منطوقا ولا مفهوما متعرضا لوقت التسمية كما لا يخفى.
وعلى ذلك فالاظهر: هو الاجزاء لو وقعت في الوقت الذي بين الارسال والعقر المزهق كما تجزي لو وقعت حين الارسال.
و السادس: أن لا يغيب ما صاده الكلب عن العين حياً فلو غاب عن المرسل وحياته مستقرة، قيل بأن يمكن أن يعيش ولو نصف يوم، ثم وجد وقد زهق روحه لم يؤكل، بلا خلاف فيه في الجملة.
ويشهد به: خبر عيسى بن عبدالله: قال أبو عبدالله (ع): كل من صيد الكلب ما لم يغب عنك، فإذا تغيب عنك فدعه ... الحديث.
وقد استثنى الاصحاب من ذلك موردين:
أحدهما: ما إذا علم انه قتله الكلب.
والثاني: ما لو غاب بعد أن صارت حياته غير مستقرة بعقره بأن أخرج حشوه وأفتق قلبه وقطع حلقومه.
خلافا للشيخ في النهاية حيث أطلق الحرمة مع الغيبة، ولو نسي التسمية وكان يعتقد وجوبها حلَّ الاكلالحلي مناقشته بأنه خلاف مقتضى الادلة.
ورده المصنف في محكي المختلف فقال: وهذه المؤاخذة ليست بجيدة لان قصد الشيخ (رحمة الله عليه) ما ذكره في الخلاف لظهوره، والوجه في استثناء المورد الاول واضح، وفي المورد الثاني النصوص الدالة على ذلك في السهم الآتية، مع أن الغيبة بعد ما صار مذكى وحكم بحليته لا تكون مانعة قطعا، ولا يظن بالشيخ البناء على الحرمة في هذه الصورة.
أحدها: أن يكون الكلب معلما بلا خلاف فيه.
ويشهد به: الآية الكريمة: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ
والتقدير واحل لكم صيد ما علمتم من الجوارح لانه معطوف على قوله: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ
أضف إليه قوله تعالى: مكلبين، فان المكلف مؤدب الكلاب لاجل الصيد، وجملة من النصوص: كصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع): انه قال: ما قتلت من الجوارح مكلبين وذكر اسم الله عليه فكلوا منه وما قتلت الكلاب التي لم تعلموها من قبل أن تدركوه فلا تطعموه.
وخبر زرارة عن الامام الصادق (ع) في حديث صيد الكلب قال: وإن كان غير معلم يعلمه في ساعته حين يرسله وليأكل منه فإنه معلم.
وفي المسالك وعن عدي بن حاتم رض قال: قلت: يا رسول الله اني ارسل الكلاب المعلمة فيمسكن علي واذكر اسم الله تعالى فقال (عليهما السلام): إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى عليه فكل ما أمسك عليك «6».
يسترسل إذا أرسله وينزجر إذا زجره، وأن لا يعاد أكل ما يصيده
واعتبر الاصحاب في صيرورة الكلب معلما أمرين:
أحدهما: أن يسترسل وينطلق إذا أرسله وأغراه، ومعناه إذا اغري بالصيد هاج.
و الثاني: أن ينزجر إذا زجره هكذا أطلق أكثرهم.
وعن الدروس التقييد بما إذا لم يكن بعد إرساله إلى الصيد لانه لم يكاد يكف حينئذ، وفي المسالك وهو حسن.
وقد تبعا في ذلك المصنف (رحمة الله عليه) في التحرير وتبعهم غيرهم، وليس ببعيد لدلالة العرف عليه وهو الاصل في اثبات الشرطين لعدم دليل سواه بعد الاجماع.
و الشرط الثاني أن لا يعتاد الكلب أكل ما يصيده وقد ذكره في الشرائع والنافع والمسالك وغيرها من الامور
ولا اعتبار بالنادر
المعتبرة في صيرورة الكلب معلما، وظاهر المتن كونه شرطا مستقلا والامر سهل بعد ورود الرواية به.
وفي المسالك: وفي هذا اعتبار وصفين:
أحدهما: أن يحفظه ولا يخليه.
والثاني: أن لا يأكل منه، وكيف كان فعلى اعتبار ذلك أكثر الاصحاب.
وفي الرياض: بل لعله عليه عامة من تأخر.
وفي الانتصار والخلاف وظاهر المختلف وكنز العرفان: الاجماع عليه.
و على أنه لا اعتبار بالنادر وعن الصدوقين وجماعة: ان عدم الاكل ليس بشرط، وظاهر المسالك اختياره وعن الاسكافي: الفرق بين أكله منه قبل موت الصيد وبعده وجعل الاول قادحا دون الثاني.
واستدل للاول: السيد المرتضى: بأن أكل الكلب من الصيد إذا تردد وتكرر دل على أنه غير معلم والتعلم شرط في اباحة صيد الكلب، وبأنه إذا توالى أكله منه لا يكون ممسكا على صاحبه بل يكون ممسكا على نفسه.
وقول المخالف لنا ان الكلب متى أكل يخرج عن أن يكون معلما ليس بشئ، لان الاكل إذا شذ به وندر لم يخرج به أن يكون معلما، ألا ترى أن العاقل منا قد يقع منه الغلط فيما هو عالم به ومحسن له على سبيل الشذوذ ولا يخرج عن كونه عالما، فالبهيمة مع فقد العقل بذلك أحق.
واستدل: لما ذهب إليه الصدوقان وتابعوهما: بنصوص مستفيضة، كصحيح محمد ابن مسلم وغير واحد منهما (عليهما السلام) جميعا انهما قالا في الكلب يرسله الرجل ويسمي قالا: إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه وإن أدركته وقد قتله وأكل منه فكل ما بقى ولا ترون ما يرون في الكلب.
وصحيح جميل عن حكم بن حكيم الصيرفي قال: قلت لابي عبدالله (ع): ما تقول في الكلب يصيد الصيد فيقتله؟
قال (ع): لا بأس بأكله، قلت: إنهم يقولون: إنه إذا قتله وأكل منه فإنما أمسك على نفسه فلا تأكله فقال (ع): كل أوليس قد جامعوكم على أن قتله ذكاته؟
قال: قلت: بلى، قال: فما يقولون في شاة ذبحها رجل أذكاها؟
قال: قلت: نعم، قال: فان السبع جاء بعد ما ذكاها فأكل بعضها أتؤكل البقية؟
قلت: نعم، قال (ع): فإذا أجابوك إلى هذا فقل لهم: كيف تقولون إذا ذكى ذلك وأكل منه لم تأكلوا وإذا ذكى هذا وأكل أكلتم؟.
وخبر زرارة عن الامام الصادق (ع) انه قال في صيد الكلب: إن أرسله الرجل وسمى فليأكل مما أمسك عليه وإن قتل، وإن أكل ما أكل فكل ما بقى «2».
وخبر يونس بن يعقوب عنه (ع) عن رجل أرسل كلبه فأدركه وقد قتل؟ قال (ع): كل وإن أكل.
إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة.
ولكن يرد عليهم: انه بازاء هذه النصوص نصوص كثيرة دالة على النهي عنه كموثق سماعة من مهران:
سألته عما أمسك عليه الكلب المعلم للصيد وهو قول الله تعالى: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ «1»
؟ قال (ع): لا بأس أن تأكلوا مما أمسك الكلب مما لم يأكل الكلب منه فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه ... الحديث.
وصحيح رفاعة قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن الكلب يقتل؟ فقال (ع): كل، قلت: إن أكل منه؟ قال (ع): إذا أكل منه فلم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه.
ونحوهما غيرهما، وقد ادعى سيد الرياض استفاضة هذه النصوص.
وقد جمع الشيخ (رحمة الله عليه) «5» بين الطائفتين بوجهين:
الاول: حمل الاولة على الاكل نادرا والاخيرة على المعتاد للاكل،
واستحسنه سيد الرياض ، قال: وربما أشعرت باختصاصها بهذه الصورة لما فيها من التعليل بعدم الامساك على المرسل بل على نفسه.
ويرد عليه: انه جمع تبرعي لا شاهد به والتعليل لو دل على شئ لدل على ما يقول العامة من أن الاكل نادرا أيضا، قادح فإنه في ذلك الفرض أمسكه على نفسه.
الثاني: حمل الثانية على التقية وتبعه في ذلك الشهيد الثاني (رحمة الله عليه) قال: كما يشعر به هذا الحديث الصحيح مشيرا إلى صحيح جميل.
ولا يرد عليه: ما في الرياض «3» من أن موثق سماعة يأبى عن ذلك لان في ذيله سألته عن صيد الفهد وهو معلم للصيد، فقال: إن أدركته حيا فذكه وكله وإن كان قد قتله فلا تأكل منه.
بدعوى: انه مناف للحمل المزبور لتحليلهم ما فيه منع عنه فإن الذيل لم يثبت كونه مسؤولا عنه في ذلك المجلس الذي سأله عما في صدره، وعلى فرضه لم يثبت كونه سأله بلا فصل، ولعله في أول المجلس كان من يتقي منه حاضر او لم يكن في آخره.
ولكن يرد عليه: ان صحيح جميل يدل على بطلان تعليل العامة لعدم جواز الاكل ولو نادرا بالعلة المشار إليها كما يظهر من تعليمه المحاجة معهم، ويدل أيضا على أن الاكل مطلقا لا يكون قادحا فهو يكون في مدلوله الثاني معارضا مع الطائفة الثانية، ومجرد المطابقة لفتوى العامة لا يوجب طرح الخبر لان المرجحات الاخر جعلت في المرتبة السابقة وهي الشهرة وصفات الراوي، والشهرة مع الطائفة الثانية.
والحق: إن النصوص الاولة التي استدل بها للصدوقين وتابعيهما تدل على أن أكل الكلب من حيث إنه أكل، ومن حيث إنه يكشف عن امساكه الصيد لنفسه لا للمرسل لا يمنع عن الحلية، وهذا لا ينافي عدم الحلية مع كون الاكل في مورد موجبا لفقد شرط آخر للحلية.
وعليه، فحيث إن أكل الكلب من الصيد إذا تردد وتكرر دل على أنه غير معلم والتعلم شرط في اباحة صيد الكلب كتابا وسنة واجماعا كما مر، فكان معتاد الاكل خارجا منها فهي تختص بالاكل نادرا وعلى ذلك فلا تصلح الطائفة الثانية لمعارضتها لانها المشهورة بين الاصحاب، ومع ذلك موافقة للكتاب ومخالفة للعامة فتقدم عليها من جهات.
فتحصل: ان ما أفاده المشهور أظهر، وأما ما عن ابن الجنيد فلا دليل عليه إلا توهم الجمع بين الطائفتين بذلك وهو تبرعي محض.
قال في المسالك: وفي حكم أكله منه ما إذا أراد الصائد أخذ الصيد منه فامتنع وصار مقابل دونه، ذكر ذلك ابن الجنيد وغيره لانه في معنى الاكل من حيث إنه غرضه ذلك فلم يتمرن على التعلم من هذه الجهة، انتهى.
وهو حسن ولكن كما أن الاكل نادرا لا ينافي كونه معلما كذلك الامتناع نادرا.
ثم إنه لا يعتبر صيرورة الكلب معلما قبل الارسال بل لو انطبق عليه هذا العنوان حين الارسال كفى، كما صرح بذلك في خبر زرارة المتقدم.
ثم إن ما ذكر في صيرورة الكلب معلما من القيود لا بد وأن يكرر حتى يصدق عليه هذا العنوان في العرف أو يخبر أهل الخبرة بذلك، ولا يقدر المرات بعدد كما عن جماعة «3» لعدم الدليل على شئ مما أفادوه وحيث يقدح الاكل فالمعتبر منه أكل اللحم فلا يضر شربه الدم بل ولا أكل حشوته لعدم كونهما مقصودين للصائد.
و الثالث: أن يكون المرسل مسلما أو في حكمه كولده المميز غير البالغ ذكرا أو انثى فلو أرسل الكافر لم يحل وإن سمى وكان ذميا، على المشهور.
واستدل له: بالآية الكريمة: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ
، والكافر لا يعرف الله تعالى فلا يذكره على ذبيحته ولا يرى التسمية على الذبيحة فرضا ولا سنة، وبأن الاخلاد إلى الكفار في الذبح ركون إلى الظالم فيندرج تحت النهي في قوله تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ.
وبأنه نوع استئمان والكافر ليس محلا للامانة، وبأنه له شرائط فلا يستند في حصولها إلى قوله وبالنصوص الآتية الدالة على اعتبار الاسلام في المذكى، فإن ارسال الكلب واستعمال آلة الصيد نوع من التذكية فيشمله تلكم النصوص، وبأصالة الحرمة حيث نشك في أن الكافر إذا أرسل الكلب هل يحل أكل لحمه أم لا؟ والاصل الحرمة.
وبقوي السكوني عن الامام الصادق (ع): كلب المجوسي لاتأكل صيده إلا أن يأخذه المسلم فيعلمه ويرسله وكذلك البازي ... الحديث.
بدعوى: أنه بمفهوم الاستثناء يدل على اعتبار أن يرسله المسلم وهو وإن كان في كلب المجوسي لكن الظاهر عدم الفصل.
أقول: أما الآية الاولى، فيرد على الاستدلال بها: انها تدل على اشتراط التسمية ومقتضاها سيما مع قوله تعالى قبل ذلك: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ان ما يسمى عليه مباح أكله سواء كان المتصدي له مسلما أم كافرا فهي على خلاف المطلوب أدل.
ودعوى: أن الكافر لا يعرف الله، تتم في غير المعتقد والكلام في الكافر المعتقد أي أهل الكتاب.
ودعوى: أنه لا يرى التسمية فرضا ولا سنة، لم تثبت وعلى فرضه فالكلام إنما هو في صورة التسمية، أضف إلى ذلك كله ما سيجيء إن شاء الله في اعتبار التسمية ان الآية لا تدل عليه أيضا.
وأما الوجه الثاني: فيرد عليه:
أولا: النقض بالظالم من المسلمين ولا اشكال في حلية ذبيحته.
وثانيا: ان أكل صيد كلب الكافر والظالم كأكل ما اشترى منه من المأكولات ليس ركونا إليه كما أن استخدامه لا يعد ركونا إليه، وبه يظهر ما في الوجه الثالث.
وأما النصوص الآتية فمع قطع النظر عما سنذكره عند التعرض لتلك المسألة انها واردة في ذبيحة الكفار ومن المعلوم أن ارسال الكلب لا يكون ذبحا.
وبعبارة اخرى ليس في شئ من تلكم النصوص النهي عن أكل ما ذكاه الكافر حتى يقال إن ارسال الكلب نوع من التذكية، بل نهى عن أكل ذبيحة الكافر ومعلوم أنه لا يصدق على مرسل الكلب ذابح للحيوان، بل نسب القتل الذي هو مساوق للذبح إلى الكلب في النصوص.
نعم، في خصوص صحيحي ابن مسلم والحلبي الآتيين النهي عن ذبيحة نصارى العرب وصيدهم وستعرف أنه من جهة عدم كونهم أهل الكتاب.
وأما الوجه الخامس: وهو أصالة الحرمة فلا بأس بتفصيل القول فيها لانها تفيدنا في كثير من المباحث الآتية.
فقد يقال: إنه لا ريب في أن الحيوان الذي زهق روحه إنما يحل أكل لحمه مع وقوع التذكية عليه بالذبح أو النحر أو الاصطياد بارسال الكلب أو السهم، وهذا مضافا إلى وضوحه يشهد به الكتاب والسنة.
وعليه فحيث إن التذكية أمر وجودي حادث مسبوق بالعدم فلو شك في أنها هل تتحقق بدون ما شك في اعتباره كما لو أرسل الكافر الكلب أو ذبحه الذابح بغير الحديد وما شاكل أم لا؟
لا بد من الرجوع إلى أصالة عدم التذكية ويترتب عليه عدم الحلية.
ولكن يتوجه عليه: إن التذكية وإن وقع الخلاف في أنها هل تكون امرا بسيطا معنويا حاصلا من فرى الاوداج الاربعة بشرائطه، أو ارسال الكلب مع الشرائط، أو استعمال آلة الاصطياد كالسهم كذلك، أم هي عبارة عن نفس الفعل الخارجي مع الشرائط الخاصة الوارد على المحل القابل.
إلا أن الظاهر هو الثاني، لا لما أفاده المحقق النائيني (رحمة الله عليه) من استناد التذكية إلى المكلف في الآية الكريمة: إِلا مَا ذَكيتم
فإنه يرد عليه: انه لا شبهة في أنها فعل المكلف سواء كانت عبارة عن المسبب أو نفس الافعال الخارجية.
غاية الامر: على الاول تكون فعله التسبيبي وعلى الثاني تكون من أفعاله المباشرية، بل لانه في جملة من النصوص رتبت الحلية على نفس الافعال.
لاحظ خبر زيد الشحام عن الامام الصادق (ع): إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به.
ونصوص الباب المتقدمة ففي النبوي: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى عليه فكل ما أمسك عليك.
وفي صحيح ابن قيس: ما قتلت من الجوارح مكلبين وذكر اسم الله عليه فكلوا منه «3»، إلى غير تلكم من النصوص.
أضف إلى ذلك كله: انه قد ورد في جملة من النصوص إن ذكاة الجنين ذكاة امه.
ولو كانت التذكية اسما للمسبب لما صح هذا الاطلاق إذالحاصل من ذلك الامر المعنوي على فرض ثبوته لكل فرد، غير ما هو حاصل للآخر قطعا بخلاف ما إذا كانت اسما للافعال الخارجية.
مع أنه في حسن الحضرمي: إذا ارسلت الكلب المعلم، فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته.
وعلى هذا فإذا أتى بجميع ما ثبت اعتباره من القيود دون ما شك فيه لا محالة يشك في تحقق التذكية وفي حلية أكل لحم ذلك الحيوان، فهل هناك اصل أم لا؟
والاصول المتوهم جريانها أربعة:
1- أصالة عدم التذكية ونتيجتها عدم الحلية.
2- استصحاب الحرمة الثابتة في حال الحياة، ونتيجته عدم الحلية أيضا.
3- أصالة البراءة عن اعتبار ما شك في اعتباره، ونتيجتها الحلية.
4- أصالة الحل.
ولكن الاظهر: عدم جريان الاولى فإن موضوع الحكم أي ما رتبت الحلية والطهارة عليه ليس هو مجموع القيود والاجزاء بما هي كذلك.
فلا يصح أن يقال: إن المجموع لم تكن متحققة والآن يشك في تحققها فيستصحب العدم.
وبعبارة اخرى: وصف الاجتماع غير دخيل في الحكم فلا يجري فيه الاستصحاب، كما أن الدخيل في الموضوع ليس عنوان السببية إذ مضافا إلى أنه عبارة عن الحكم لا مثبت لاعتباره فلا تجري أصالة عدم تحقق السبب، بل الموضوع ذوات الاجزاء المجتمعة وتحقق ما علم اعتباره معلوم، وما شك في اعتباره مفروض العدم فلا شئ يجري فيه أصل العدم.
كما أن الاظهر: عدم جريان استصحاب الحرمة أيضا فإن الاظهر عندنا عدم جريان الاستصحاب في الاحكام الكلية، مع أن الموضوع متبدل، أضف إليهما عدم ثبوت حرمة الاكل في حال الحياة إذا لم يعرضه الموت قبل البلع كما لو بلع سمكا صغيرا.
ولا يجري أيضا الاصل الثالث إذ سببية المجموع من المعدوم والمشكوك في اعتباره وترتب الحلية والطهارة عليه معلومة لا معنى لان ترفع بأدلة البراءة وشرطية ما شك في اعتباره أو جزئيته منتزعة من حكم الشارع بسببية الذبح أو الارسال المشتمل عليه، ومن المعلوم أنه غير مرتفع في الفرض واثبات حكم الشارع بسببية الفاقد ليس شأن أدلة البراءة فإنها رافعة للحكم لا مثبتة.
فيتعين الرجوع إلى الاصل الرابع وهو أصالة الحل، فإنه بعد ازهاق روح الحيوان بدون ذلك القيد يشك في حلية أكل اللحم وعدمها فيرجع إلى أصالة الحل فلو شك في اعتبار شيء في التذكية في الصيد أو الذبيحة ولم يدل دليل عليه يبنى على عدم اعتباره.
وقد استدل: سيد الرياض على أصالة الحرمة بنصوص كلها في الشبهة الموضوعية.
وأما السادس: فيرده: ان ذيل الخبر: وكلاب أهل الذمة وبزاتهم حلال للمسلمين أن يأكلوا صيدها مانع عن عدم الفصل بل شاهد بالفصل، مع أنه لا يعتبر أن يعلمه المسلم قطعا كما صرح بذلك في صحيح سليمان بن خالد.
فالنهي عن أكل الصيد في المستثنى منه محمول على الكراهة فلا يدل الاستثناء على اعتبار اسلام المرسل مع أنه مشتمل على البازي فهو محمول على التقية كما مر لا لبيان حكم الله الواقعي.
فتحصل: ان شيئا مما استدل به لاعتبار الاسلام في المرسل لا يدل عليه، بل الاصل يقتضي عدم اعتباره، وكذا اطلاق الآية الكريمة والنصوص، فلو لم يكن اجماع تعبدي على اعتباره كان المتعين البناء على عدم الاعتبار، والظاهر عدم وجوده فلو كان المرسل كتابيا يحل أكل صيده.
نعم، لا يحل إن كان كافرا غير كتابي، للاجماع ولصحيحي محمد بن مسلم والحلبي الآتيين اللذين ستعرف في الذبيحة اختصاصهما بغير الكتابي.
ثم انه صرح غير واحد بأنه على فرض اعتبار الاسلام في المرسل لا فرق بين البالغ وغير البالغ بناء على ما هو الحق من قبول اسلام غير البالغ بل على القول الآخر لاجراء أحكام المسلم عليه وسيجيء في الذبيحة عدم اعتبار البلوغ نفسه ومن حيث هو.
الرابع: أن يكون مرسل الكلب قاصدا لارسال الكلب ويرسله للاصطياد كما هو المشهور بين الاصحاب فلو استرسل الكلب بنفسه من غير أن يرسله، أو أرسله لكن لا بقصد الصيد، أو أرسله لكن مقصوده لم يكن محللا كما لو ظنه خنزيرا فأصاب محللا، لم يحل بلا خلاف ظاهر في شئ منها بل عليه الاجماع في الاول في الخلاف»
كما في الرياض ، فيشتمل هذا الشرط على امور:
1- اعتبار ارسال الكلب، فلو استرسل بنفسه وقتل صيدا فهو حرام سواء كان معلما أم لا.
واحتجوا له بالنبوي المتقدم: إذا أرسلت كلبك المعلم فكل، حيث قيد تجويز الاكل بالارسال فبالمفهوم يدل على عدم الحلية بدونه.
وأورد عليه: تارة بضعف السند، واخرى بضعف الدلالة لقوة احتمال ورود الشرط مورد الغالب فلا عبرة بمفهومه، واستوجه سيد الرياض الثاني وقد تمسك لاعتبار ذلك بأصالة الحرمة.
وفيه: أما ضعف السند فهو منجبر بالعمل، وأما ضعف الدلالة، فيدفعه: ان احتمال ورود الشرط مورد الغالب لا يمنع من التمسك بالمفهوم كما حقق في محله، وأما أصالة الحرمة فقد عرفت حالها.
وفي المقام رواية استدل بها بعضهم لهذا الحكم كما في الوسائل، واستدل بها آخر على عدم اعتبار ذلك، وعورض بها النبوي كما عن المحقق السبزواري ، وهي رواية القاسم بن سليمان عن أبي عبد الله (ع): إذا صاد الكلب وقد سمى فليأكل، وإذا صاد ولم يسم فلا أكل ، وقد استدل بصدرها لاعتبار الارسال.
واورد عليه: بأنه يحتمل أن يكون النهي عن الاكل لاجل عدم التسمية لا لاجل استرساله، فلا دلالة فيه على اعتبار الارسال بل ذيله يدل على أن المانع هو خصوص عدم التسمية فيعارض النبوي حينئذ.
وفيه: ان الظاهر بقرينة تكرار لفظ قال عدم كون الذيل تتمة لما في الصدر وكونه رواية اخرى.
وأما احتمال كون المنع في الصدر لاجل عدم التسمية.
فيدفعه: انه خلاف الظاهر سيما مع عدم التلازم بين الاسترسال وعدم التسمية.
فالاظهر أنه يدل على اعتبار الارسال.
ولو أن صاحب الكلب زجره لما استرسل فانزجر، ثم أغراه فاسترسل وقتل الصيد حل لانقطاع حكم الاسترسال السابق بوقوفه فكان الارسال ثانيا كالمبتدأ الواقع بعد ارسال سابق انقضى.
ولو زجره ولم ينزجر لم يحل زاد في عدوه أم لم يزد، ولو أغراه بعدما استرسل فلم يزد في عدوه قالوا لا اشكال في عدم الحل، وإن زاد فيه ففيه وجهان: من ظهور أثر الاغراء فينقطع الاسترسال، ومن اجتماع الارسال المحرم والاغراء المبيح فقتله بالسببين فيغلب التحريم، وهذا هو الاظهر فإن المعتبر كون الاسترسال بالارسال والاغراء لا مجرد ظهور الاثر للاغراء.
وأولى من ذلك في عدم الحلية ما لو زجره ولم ينزجر، ثم أغراه فزاد في عدائه، لظهور تأنيه وترك مبالاته باشارة الصائد.
2- اعتبار أن يكون الارسال بقصد الصيد فلو أرسله حيث لا صيد فاعترض صيدا فقتله لم يحل، فإن ذلك في قوة استرساله من قبل نفسه.
وإن شئت قلت: إن ظاهر الخبرين المتقدمين اعتبار أن يرسله للصيد لا الارسال المطلق.
3- اعتبار أن يكون قصده المحلل، فلو أرسله بقصد صيد ظن أنه خنزير فبان أنه محلل، أو أرسله بقصد خنزير فلم يصبه وأصاب محللا، قالوا: لا يحل وصريح الرياض عدم الخلاف فيه، ووجهه غير ظاهر، سيما وان ظاهرهم عدم اعتبار قصد المعين وانه لو أرسله على صيد فقتل غيره حل، اللهم إلا أن يكون اجماع.
و الخامس: أن يسمي عند ارساله بلا خلاف في وجوب التسمية واشتراطها في حلية ما يقتله الكلب والسهم عندنا وعند كل من أوجبها في الذبيحة.
ويشهد به: عموم قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ
فتأمل، فإن في دلالة الآية كلاما سيأتي، واجماله احتمال أن يكون قوله: وإنه لفسق حالا لا معطوفا والتقدير: لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه في حالة كونه فسقا، وقد فسره بقوله في الآية الاخرى: أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ
وبقرينة ما قبله فلا يكون النهي عن أكله مطلقا.
بل في هذه الحالة بل ربما يقال: إن الظاهر ذلك لعدم جواز عطف الجملة الخبرية على الجملة الانشائية عند علماء البيان ومحققي العربية.
وعليه: فلا تدل الآية على اعتبار التسمية على الذبيحة ولا على الصيد مطلقا.
وخصوص قوله تعالى في الكلب: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ
ودلالته واضحة فإن الظاهر من الامر بشئ في المركب من امور كونه ارشادا إلى الجزئية أو الشرطية فيدل على شرطية التسمية في حلية الاكل.
وجملة من النصوص: كصحيح الحلبي عن الامام الصادق (ع): من أرسل كلبه ولم يسم فلا يأكله.
وخبر القاسم بن سليمان عنه (ع): إذا صاد الكلب وقد سمى فليأكل، وإن صاد ولم يسم فلا يأكل «2».
وصحيح عبدالرحمن عنه (ع): كل ما أكله الكلب إذا سميت ونحوها غيرها.
ولا خلاف في اجزاء التسمية عند الارسال لانطباق جميع الادلة عليه، ولقوله في صحيح الحذاء عن مولانا الصادق (ع): عن الرجل يسرح كلبه المعلم ويسمي إذا سرحه قال: يأكل مما أمسك عليه ... الحديث ونحوه غيره.
إنما الخلاف بينهم وقع في اجزائها إذا وقعت في الوقت الذي بين الارسال وعقر الكلب: ظاهر المتن والشرائع والنافع وكثير وصريح آخرين: عدم الاجزاء.
وصريح الشهيدين وسيد الرياض وغيرهم: الاجزاء.
يشهد للثاني: اطلاق الآية الكريمة فإن الضمير في قوله: واذكرو ا اسم الله عليه يرجع إلى الصيد المضمر في قوله: مما أمسكن عليكم وهو يصدق بذكر اسم الله عليه في جميع الوقت المذكور.
وفي المسالك: ينبغي أن يكون ما قرب من وقت القتل أولى بالاجزاء لقربه من وقت التذكية حينئذ وكذا تشمله أكثر نصوص الباب.
واستدل: للقول بعدم الاجزاء: بأن التسمية في وقت الارسال تجزي كما مر يقينا ويشك في اجزائها في الوقت المزبور فيرجع إلى أصالة الحرمة، وبأن الارسال منزل منزلة الذكاة لانها تجزي عنده اجماعا فلا تجزي بعده كما لا تجزي بعد الذكاة، وبقوله في صحيح الحذاء المتقدم: ويسمي إذا سرَّحه.
وبقوله (ع) في حسن الحضرمي المتقدم: إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته.
ولكن يرد على الاول: ان الاصل في المقام هو الحل دون الحرمة كما مر، مع أن الرجوع إلى الاصل إنما هو بعد عدم وجود الدليل ومع دلالة الآية والنصوص باطلاقها على الاجزاء لا مجال للرجوع إلى الاصل.
ويرد على الثاني: ان قتل الكلب المسبوق بالارسال منزل منزلة الذكاة.
وبعبارة اخرى: الارسال مع قتل الكلب منزل منزلة الذكاة ففي كل آن من الوقت المزبور أي ما بين القيدين وقعت، وقعت حين التذكية، مع أن الدليل دل على اعتبار التسمية حين الذبح لا حين التذكية كي يتمسك بعموم التنزيل، ويمكن أن يكون جواز تقديم التسمية والاكتفاء بها حين الارسال تخفيفا ورخصة، أو لكونه السبب الاعظم في التذكية وعسر مراعاة حال العقر فلم يكن التسمية متعينة حال الارسال كي يستدل بذلك على تنزيل الارسال منزلة الذكاة.
ويرد على الثالث: ان التخصيص انما هو في كلام السائل، لا في كلام المعصوم (ع).
ويرد الرابع: ان ظاهره لو دل على شئ لدل على التسمية بعد الارسال لا حينه، مع أنه لا يدل على تعين التسمية في وقت لا منطوقا ومفهوما إذا المأخوذ شرطا في الخبر ارسال الكلب، والجزاء وجوب ذكر اسم الله، فمفهوم ذلك عدم لزوم التسمية عند عدم الارسال فلا يكون الخبر منطوقا ولا مفهوما متعرضا لوقت التسمية كما لا يخفى.
وعلى ذلك فالاظهر: هو الاجزاء لو وقعت في الوقت الذي بين الارسال والعقر المزهق كما تجزي لو وقعت حين الارسال.
و السادس: أن لا يغيب ما صاده الكلب عن العين حياً فلو غاب عن المرسل وحياته مستقرة، قيل بأن يمكن أن يعيش ولو نصف يوم، ثم وجد وقد زهق روحه لم يؤكل، بلا خلاف فيه في الجملة.
ويشهد به: خبر عيسى بن عبدالله: قال أبو عبدالله (ع): كل من صيد الكلب ما لم يغب عنك، فإذا تغيب عنك فدعه ... الحديث.
وقد استثنى الاصحاب من ذلك موردين:
أحدهما: ما إذا علم انه قتله الكلب.
والثاني: ما لو غاب بعد أن صارت حياته غير مستقرة بعقره بأن أخرج حشوه وأفتق قلبه وقطع حلقومه.
خلافا للشيخ في النهاية حيث أطلق الحرمة مع الغيبة، ولو نسي التسمية وكان يعتقد وجوبها حلَّ الاكلالحلي مناقشته بأنه خلاف مقتضى الادلة.
ورده المصنف في محكي المختلف فقال: وهذه المؤاخذة ليست بجيدة لان قصد الشيخ (رحمة الله عليه) ما ذكره في الخلاف لظهوره، والوجه في استثناء المورد الاول واضح، وفي المورد الثاني النصوص الدالة على ذلك في السهم الآتية، مع أن الغيبة بعد ما صار مذكى وحكم بحليته لا تكون مانعة قطعا، ولا يظن بالشيخ البناء على الحرمة في هذه الصورة.
تعليق