بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى:
يظهر من غير واحد من الروايات أنّ النبيّ الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) أمر بإخراج الخمس من مطلق ما يغنمه الانسان من أرباح المكاسب وغيرها وإليك بعض ما ورد في المقام :
1- لمّا وفد عبد القيس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( فقالوا إنّ بيننا وبينك المشركين وإنّا لا نصل إليك إلاّ في الأشهر الحرم فمرنا بجمل الأمر، إن عملنا به دخلنا الجنة وندعوا إليه من ورائنا (( فقال : (( آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله، وهل تدرون ما الإيمان، شهادة أن لا إله إلاّ الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا الخمس من المغنم )) (1)
ومن المعلوم أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يطلب من بني عبد القيس أن يدفعوا غنائم الحرب كيف وهم لا يستطيعون الخروج من حيّهم في غير الأشهر الحرم، خوفاً من المشركين. فيكون قد قصد المغنم بمعناه الحقيقي في لغة العرب وهو ما يفوزون به فعليهم أن يعطوا خمس ما يربحون. وهناك كتب ومواثيق، كتبها النبيّ وفرض فيها الخمس على أصحابها وستتبيّن بعد الفراغ من نقلها دلالتها على الخمس في الأرباح، وإن لم تكن غنيمة حربية فانتظر.
2- كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن : (( بسم الله الرحمن الرحيم. .. هذا. .. عهد من النبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى الله في أمره كلّه، وأن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقى البعل وسقت السماء، ونصف العشر ممّا سقى الغرب )) (2). والبعل ما سقي بعروقه، والغرب : الدلو العظيمة.
3- كتب إلى شرحبيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل ذي رعين، ومعافر وهمدان : (( أمّا بعد، فقد رجع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس الله )) (3)
4- كتب إلى سعد هذيم من قصاعة، وإلى جذام كتاباً واحداً يعلّمهم فرائض الصدقة، ويأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه أبيّ وعنبسة أو من أرسلاه. (4)
5- كتب للفجيع ومن تبعه : (( من محمد النبيّ للفجيع، ومن تبعه وأسلم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغانم خمس الله.(( (5)
6- كتب لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه : (( ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبي وفارقوا المشركين فإنّ لهم ذمّة الله وذمّة محمد بن عبد الله )) (6)
7- كتب لجهينة بن زيد فيما كتب : (( إنّ لكم بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها، على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها على أن تؤدوا الخمس.(7)
8- كتب لملوك حمير فيما كتب : (( وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم : خمس الله وسهم النبي وصفيّه وما كتب الله على المؤمنين من الصدقة )) (8).
9- كتب لبني ثعلبة بن عامر : (( من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأعطى خمس المغنم وسهم النبي والصفي )) (9).
10- كتب إلى بعض أفخاذ جهينة : (( من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من الغنائم الخمس )) (10)
إيضاح الاستدلال بهذه المكاتيب :
يتبيّن - بجلاء - من هذه الرسائل أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم الحرب التي اشتركوا فيها، بل كان يطلب ما استحقّ في أموالهم من خمس وصدقة.
ثم إنّه كان يطلب منهم الخمس دون أن يشترط - في ذلك - خوض الحرب واكتساب الغنائم. هذا مضافاً إلى أنّ الحاكم الإسلامي أو نائبه هما اللذّان يليان بعد الفتح قبض جميع غنائم الحرب وتقسيمها بعد استخراج الخمس منها، ولا يملك أحد من الغزاة عدا سلب القتيل شيئاً ممّا سلب وإلاّ كان سارقاً مغلاَّ.
فإذا كان اعلان الحرب وإخراج خمس الغنائم على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من شؤون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فماذا يعني طلبه الخمس من الناس وتأكيده في كتاب بعد كتاب وفي عهد بعد عهد ؟.
فيتبيّن أنّ ما كان يطلبه لم يكن مرتبطاً بغنائم الحرب. هذا مضافاً إلى أنّه لا يمكن أن يقال : إنّ المراد بالغنيمة في هذه الرسائل هو ما كان يحصل الناس عليه في الجاهلية عن طريق النهب، كيف وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النهب والنهبى بشدّة، ففي كتاب الفتن باب النهي عن النّهبة عنه صلى الله عليه وآله وسلم : (( من انتهب نهبة فليس منّا )) (11) وقال : (( إنّ النهبة لا تحلّ )) (12)، وفي صحيح البخاري ومسند أحمد عن عبادة بن الصامت : بايعنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن لا ننهب .(13)
وفي سنن أبي داود، باب النهي عن النهبى، عن رجل من الأنصار قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم فأصاب الناس حاجة شديدة وجهدٌ، وأصابوا غنماً فانتهبوها، فإنّ قدورنا لتغلي، إذ جاء رسول الله يمشي متّكئاً على قوسه فأكفا قدورنا بقوسه، ثمّ جعل يرمّل اللحم بالتراب ثمّ قال : (( إنّ النهبة ليست بأحلّ من الميتة )) (14)
وعن عبد الله بن زيد : نهى النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم عن النهبى والمثلة (15)
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في كتاب الجهاد.
وقد كانت النهيبة والنهبى عند العرب تساوق الغنيمة والمغنم - في مصطلح يومنا هذا - الذي يستعمل في أخذ مال العدو.
فإذا لم يكن النهب مسموحاً به في الدين، وإذا لم تكن الحروب التي يقوم بها أحد بغير اذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جائزة، لم تكن الغنيمة في هذه الوثائق تعني دائماً ما يؤخذ في القتال، بل كان معنى الغنيمة الواردة فيها هو ما يفوز به الناس من غير طريق القتال بل من طريق الكسب وما شابهه، ولا محيص حينئذ من أن يقال : إنّ المراد بالخمس الذي كان يطلبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو خمس أرباح الكسب والفوائد الحاصلة للإنسان من غير طريق القتال أو النهب الممنوع في الدين.
وعلى الجملة : أنّ الغنائم المطلوب في هذه الرسائل النبوية أداء خمسها إمّا أن يراد ما يستولي عليه أحد من طريق النهب والإغارة، أو ما يستولي عليه من طريق محاربة بصورة الجهاد، أو ما يستولى من طريق الكسب والكد.
والأول ممنوع بنصّ الأحاديث السابقة فلا معنى أن يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم خمس النهيبة. والثاني يكون أمر الغنائم فيه بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة فهو الذي يأخذ كل الغنائم ويضرب لكلّ من الفارس والراجل ماله من الأسهم بعد أن يستخرج الخمس بنفسه من تلك الغنائم، فلا معنى لأن يطلبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الغزاة، فيكون الثالث هو المتعيّن.
وورد عن أئمة أهل البيت - عليهم السلام - ما يدلّ على ذلك، فقد كتب أحد الشيعة إلى الإمام الجواد - عليه السلام - قائلاً : أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع وكيف ذلك ؟
فكتب - عليه السلام - بخطّه : الخمس بعد المؤنة (16)
وفي هذه الإجابة القصيرة يظهر تأييد الإمام - عليه السلام - لما ذهب إليه السائل، ويتضمّن ذكر الكيفية التي يجب أن تراعى في أداء الخمس.
وعن سماعة قال : سألت أبا الحسن ( الكاظم ) - عليه السلام - عن الخمس ؟ فقال : في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير (17)
وعن أبي علي بن راشد ( وهو من وكلاء الإمام الجواد والإمام الهادي - عليهما السلام ) قال : قلت له ( أي الإمام المنتظر ) : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك، فأعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم : وأي شيء حقّه ؟ فلم أدر ما أجيبه ؟ فقال : يجب عليهم الخمس، فقلت : وفي أي شيء ؟ فقال : في أمتعتهم وصنائعهم، قلت : والتاجر عليه، والصانع بيده ؟ فقال : إذا أمكنهم بعد مؤنتهم (18).
إلى غير ذلك من الأحاديث والأخبار المرويّة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين - عليهم السلام - التي تدلّ على شمول الخمس لكل مكسب.
) 1)البخاري : الصحيح : 4/250 باب (( خلقكم وما تعملون )) من كتاب التوحيد، وج1 ص 13 و 19، وج 3 ص 53، ومسلم : الصحيح 1/35-36 باب الأمر بالإيمان، النسائي : السنن : 1/333، وأحمد : المسند 1/318، الأموال : ص 12 وغيرها.
(2)البلاذري : فتوح البلدان : 1/ 81 باب اليمن، وسيرة ابن هشام : 4/265. وتنوير الحوالك في شرح موطأ مالك : 1/157.
(3) الوثائق السياسية : 227 برقم 110. ( ط 4 بيروت ).
(4) ابن سعد : الطبقات الكبرى : 1/270.
(5)المصدر نفسه : ص 304 - 305.
(6) المصدر نفسه : ص 270.
(7)الوثائق السياسية : ص 265 برقم 157.
(8)فتوح البلدان : 1/82 وسيرة ابن هشام : 4/258.
(9)الاصابة : 2/189 وأسد الغابة : 3/34.
(10) ابن سعد : الطبقات الكبرى : 1/271.
(11) و (12) ابن ماجه : السنن : كتاب الفتن ص 1298 برقم 3937 و 3938.
(13)البخاري : الصحيح : 2/48 باب النهب بغير اذن صاحبه.
(14)أبو داود : السنن : 2/12.
(15)رواه البخاري في الصيد، راجع التاج : 4/334.
(16) الوسائل : ج6 الباب 8 من أبواب الخمس، الحديث 1.
(17) المصدر نفسه، الحديث 6.
(18)المصدر نفسه، الحديث 3.
والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى:
يظهر من غير واحد من الروايات أنّ النبيّ الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) أمر بإخراج الخمس من مطلق ما يغنمه الانسان من أرباح المكاسب وغيرها وإليك بعض ما ورد في المقام :
1- لمّا وفد عبد القيس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( فقالوا إنّ بيننا وبينك المشركين وإنّا لا نصل إليك إلاّ في الأشهر الحرم فمرنا بجمل الأمر، إن عملنا به دخلنا الجنة وندعوا إليه من ورائنا (( فقال : (( آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله، وهل تدرون ما الإيمان، شهادة أن لا إله إلاّ الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا الخمس من المغنم )) (1)
ومن المعلوم أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يطلب من بني عبد القيس أن يدفعوا غنائم الحرب كيف وهم لا يستطيعون الخروج من حيّهم في غير الأشهر الحرم، خوفاً من المشركين. فيكون قد قصد المغنم بمعناه الحقيقي في لغة العرب وهو ما يفوزون به فعليهم أن يعطوا خمس ما يربحون. وهناك كتب ومواثيق، كتبها النبيّ وفرض فيها الخمس على أصحابها وستتبيّن بعد الفراغ من نقلها دلالتها على الخمس في الأرباح، وإن لم تكن غنيمة حربية فانتظر.
2- كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن : (( بسم الله الرحمن الرحيم. .. هذا. .. عهد من النبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى الله في أمره كلّه، وأن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقى البعل وسقت السماء، ونصف العشر ممّا سقى الغرب )) (2). والبعل ما سقي بعروقه، والغرب : الدلو العظيمة.
3- كتب إلى شرحبيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل ذي رعين، ومعافر وهمدان : (( أمّا بعد، فقد رجع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس الله )) (3)
4- كتب إلى سعد هذيم من قصاعة، وإلى جذام كتاباً واحداً يعلّمهم فرائض الصدقة، ويأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه أبيّ وعنبسة أو من أرسلاه. (4)
5- كتب للفجيع ومن تبعه : (( من محمد النبيّ للفجيع، ومن تبعه وأسلم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغانم خمس الله.(( (5)
6- كتب لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه : (( ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبي وفارقوا المشركين فإنّ لهم ذمّة الله وذمّة محمد بن عبد الله )) (6)
7- كتب لجهينة بن زيد فيما كتب : (( إنّ لكم بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها، على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها على أن تؤدوا الخمس.(7)
8- كتب لملوك حمير فيما كتب : (( وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم : خمس الله وسهم النبي وصفيّه وما كتب الله على المؤمنين من الصدقة )) (8).
9- كتب لبني ثعلبة بن عامر : (( من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأعطى خمس المغنم وسهم النبي والصفي )) (9).
10- كتب إلى بعض أفخاذ جهينة : (( من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من الغنائم الخمس )) (10)
إيضاح الاستدلال بهذه المكاتيب :
يتبيّن - بجلاء - من هذه الرسائل أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم الحرب التي اشتركوا فيها، بل كان يطلب ما استحقّ في أموالهم من خمس وصدقة.
ثم إنّه كان يطلب منهم الخمس دون أن يشترط - في ذلك - خوض الحرب واكتساب الغنائم. هذا مضافاً إلى أنّ الحاكم الإسلامي أو نائبه هما اللذّان يليان بعد الفتح قبض جميع غنائم الحرب وتقسيمها بعد استخراج الخمس منها، ولا يملك أحد من الغزاة عدا سلب القتيل شيئاً ممّا سلب وإلاّ كان سارقاً مغلاَّ.
فإذا كان اعلان الحرب وإخراج خمس الغنائم على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من شؤون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فماذا يعني طلبه الخمس من الناس وتأكيده في كتاب بعد كتاب وفي عهد بعد عهد ؟.
فيتبيّن أنّ ما كان يطلبه لم يكن مرتبطاً بغنائم الحرب. هذا مضافاً إلى أنّه لا يمكن أن يقال : إنّ المراد بالغنيمة في هذه الرسائل هو ما كان يحصل الناس عليه في الجاهلية عن طريق النهب، كيف وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النهب والنهبى بشدّة، ففي كتاب الفتن باب النهي عن النّهبة عنه صلى الله عليه وآله وسلم : (( من انتهب نهبة فليس منّا )) (11) وقال : (( إنّ النهبة لا تحلّ )) (12)، وفي صحيح البخاري ومسند أحمد عن عبادة بن الصامت : بايعنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن لا ننهب .(13)
وفي سنن أبي داود، باب النهي عن النهبى، عن رجل من الأنصار قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم فأصاب الناس حاجة شديدة وجهدٌ، وأصابوا غنماً فانتهبوها، فإنّ قدورنا لتغلي، إذ جاء رسول الله يمشي متّكئاً على قوسه فأكفا قدورنا بقوسه، ثمّ جعل يرمّل اللحم بالتراب ثمّ قال : (( إنّ النهبة ليست بأحلّ من الميتة )) (14)
وعن عبد الله بن زيد : نهى النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم عن النهبى والمثلة (15)
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في كتاب الجهاد.
وقد كانت النهيبة والنهبى عند العرب تساوق الغنيمة والمغنم - في مصطلح يومنا هذا - الذي يستعمل في أخذ مال العدو.
فإذا لم يكن النهب مسموحاً به في الدين، وإذا لم تكن الحروب التي يقوم بها أحد بغير اذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جائزة، لم تكن الغنيمة في هذه الوثائق تعني دائماً ما يؤخذ في القتال، بل كان معنى الغنيمة الواردة فيها هو ما يفوز به الناس من غير طريق القتال بل من طريق الكسب وما شابهه، ولا محيص حينئذ من أن يقال : إنّ المراد بالخمس الذي كان يطلبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو خمس أرباح الكسب والفوائد الحاصلة للإنسان من غير طريق القتال أو النهب الممنوع في الدين.
وعلى الجملة : أنّ الغنائم المطلوب في هذه الرسائل النبوية أداء خمسها إمّا أن يراد ما يستولي عليه أحد من طريق النهب والإغارة، أو ما يستولي عليه من طريق محاربة بصورة الجهاد، أو ما يستولى من طريق الكسب والكد.
والأول ممنوع بنصّ الأحاديث السابقة فلا معنى أن يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم خمس النهيبة. والثاني يكون أمر الغنائم فيه بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة فهو الذي يأخذ كل الغنائم ويضرب لكلّ من الفارس والراجل ماله من الأسهم بعد أن يستخرج الخمس بنفسه من تلك الغنائم، فلا معنى لأن يطلبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الغزاة، فيكون الثالث هو المتعيّن.
وورد عن أئمة أهل البيت - عليهم السلام - ما يدلّ على ذلك، فقد كتب أحد الشيعة إلى الإمام الجواد - عليه السلام - قائلاً : أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع وكيف ذلك ؟
فكتب - عليه السلام - بخطّه : الخمس بعد المؤنة (16)
وفي هذه الإجابة القصيرة يظهر تأييد الإمام - عليه السلام - لما ذهب إليه السائل، ويتضمّن ذكر الكيفية التي يجب أن تراعى في أداء الخمس.
وعن سماعة قال : سألت أبا الحسن ( الكاظم ) - عليه السلام - عن الخمس ؟ فقال : في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير (17)
وعن أبي علي بن راشد ( وهو من وكلاء الإمام الجواد والإمام الهادي - عليهما السلام ) قال : قلت له ( أي الإمام المنتظر ) : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك، فأعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم : وأي شيء حقّه ؟ فلم أدر ما أجيبه ؟ فقال : يجب عليهم الخمس، فقلت : وفي أي شيء ؟ فقال : في أمتعتهم وصنائعهم، قلت : والتاجر عليه، والصانع بيده ؟ فقال : إذا أمكنهم بعد مؤنتهم (18).
إلى غير ذلك من الأحاديث والأخبار المرويّة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين - عليهم السلام - التي تدلّ على شمول الخمس لكل مكسب.
) 1)البخاري : الصحيح : 4/250 باب (( خلقكم وما تعملون )) من كتاب التوحيد، وج1 ص 13 و 19، وج 3 ص 53، ومسلم : الصحيح 1/35-36 باب الأمر بالإيمان، النسائي : السنن : 1/333، وأحمد : المسند 1/318، الأموال : ص 12 وغيرها.
(2)البلاذري : فتوح البلدان : 1/ 81 باب اليمن، وسيرة ابن هشام : 4/265. وتنوير الحوالك في شرح موطأ مالك : 1/157.
(3) الوثائق السياسية : 227 برقم 110. ( ط 4 بيروت ).
(4) ابن سعد : الطبقات الكبرى : 1/270.
(5)المصدر نفسه : ص 304 - 305.
(6) المصدر نفسه : ص 270.
(7)الوثائق السياسية : ص 265 برقم 157.
(8)فتوح البلدان : 1/82 وسيرة ابن هشام : 4/258.
(9)الاصابة : 2/189 وأسد الغابة : 3/34.
(10) ابن سعد : الطبقات الكبرى : 1/271.
(11) و (12) ابن ماجه : السنن : كتاب الفتن ص 1298 برقم 3937 و 3938.
(13)البخاري : الصحيح : 2/48 باب النهب بغير اذن صاحبه.
(14)أبو داود : السنن : 2/12.
(15)رواه البخاري في الصيد، راجع التاج : 4/334.
(16) الوسائل : ج6 الباب 8 من أبواب الخمس، الحديث 1.
(17) المصدر نفسه، الحديث 6.
(18)المصدر نفسه، الحديث 3.
تعليق