بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الرسل وسيد الانام وعلى آله السادة الكرام واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين من الاولين الى قيام يوم الدين.
وَصَفَ اللهُ تعالى نبيَهُ الكريم (صلى الله عليه وآله) (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (1) و ان من الخلق الذي وِصّفَ به النبي (صلى الله عليه وآله) و حث عليه الدين الحنيف وأكد عليه اهل البيت (عليهم السلام) هو كظم الغيظ والعفو عن الغير اذ ان ذلك منهاج المؤمنين وسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) و اهل البيت (عليهم السلام) لذا قال الله عزّوجلّ : (وَالكَاظِمينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاس وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ) (2) ونرى روايات الله البيت (عليهم السلام) قد اخذت المنحى الواسع بذلك النهج وتقويمه والارشاد إليه ونذكر من تلك الروايات ما جاء عنهم (عليهم السلام) :
روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم انّه قال : قال عيسى بن مريم ليحيى بن زكريا عليهم السلام : اذا قيل فيك ما فيك فاعلم انّه ذنب ذكرته فاستغفر الله منه ، وان قيل فيك ما ليس فيك فاعلم انّه حسنة كتبت لك لم تتعب فيها (3).
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : انّ العفو يزيد صاحبه عزّاً ، فاعفوا يعزّكم الله... (4).
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : من كظم غيظاً ملأ الله جوفه ايماناً ، ومن عفى من مظلمة أبدله الله بها عزّاً في الدنيا والآخرة (5).
وروي بسند معتبر عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه قال : انّ يهودياً كان له على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دنانير فتقاضاه ، فقال له : يا يهوديّ ما عندي ما أعطيك ، فقال : فانّي لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني ، فقال : اذاً أجلس معك.
فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة ، وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يتهدّدونه ويتواعدونه ، فنظر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إليهم فقال : ما الذي تصنعون به ؟ فقالوا : يا رسول الله يهوديّ يحبسك ؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : لم يبعثني ربّي عزّوجلّ بأن أظلم معاهداً ولا غيره.
فلما علا النهار قال اليهوديّ : أشهد أن لا اله الاّ الله ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، وشطر مالي في سبيل الله ، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت الاّ لأنظر إلى نعتك في التوراة ، فانّي قرأت نعتك في التوراة :
«محمد بن عبدالله مولده بمكة ، ومهاجره بطيبة ، وليس بفظّ ولا غليظ ، ولا سخّاب ، ولا متزيّن بالفحش ، ولا قول الخناء».
وأنا أشهد أن لا اله الاّ الله ، وأنّك رسول الله ، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله ، وكان اليهودي كثير المال.
ثم قال عليه السلام : كان فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عباءة ، وكانت مرفقته أدم حشوها ليف ، فثنّيت له ذات ليلة فلمّا أصبح قال : لقد منعني الفراش الليلة الصلاة ، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يجعل بطاق واحد (6).
وروي عن عليّ بن الحسين عليه السلام انّه قال : اذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد ، ثم ينادي مناد ، أين أهل الفضل ؟
قال : فيقوم عنق من الناس ، فتلقّاهم الملائكة فيقولون : وما كان فضلكم ؟ فيقولون : كنّا نصل من قطعنا ، ونعطي من حرمنا ، ونعفو عمّن ظلمنا ، قال : فيقال لهم : صدقتم ادخلوا الجنّة (7).
وروي بسند معتبر عن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام انّه قال : أوحى الله عزّوجلّ إلى نبيّ من أنبيائه : اذا أصحبت فأوّل شيء يستقبلك فكله ، والثاني فاكتمه ، والثالث فاقبله ، والرابع فلا تؤيسه ، والخامس فاهرب منه.
قال : فلمّا أصبح مضى فاستقبله جبل أسود عظيم ، فوقف وقال : أمرني ربي عزّوجلّ أن آكل هذا ، وبقي متحيّراً ثم رجع إلى نفسه فقال : انّ ربّي جلّ جلاله لا يأمرني الاّ بما أطيق ، فمشى إليه ليأكله ، فلمّا دنا منه صغر حتى انتهى إليه فوجده لقمة ، فأكلها فوجدها أطيب شيء أكله.
ثم مضى فوجد طشتاً من ذهب ، فقال : أمرني ربي عزّ وجلّ أن أكتم هذا ، فحفر له وجعله فيه وألقى عليه التراب ، ثم مضى فالتفت فاذا الطشت قد ظهر ، فقال : قد فعلت ما أمرني ربيّ عزّوجلّ.
فمضى فاذا هو بطير وخلفه بازيّ فطاف الطير حوله ، فقال : أمرني ربّي عزّوجلّ أن أقبل هذا ، ففتح كمّه فدخل الطير فيه ، فقال له البازيّ : أخذت منّي صيدي وأنا خلفه منذ أيام ، فقال : أمرني ربي عزّوجلّ أن لا أويس هذا ، فقطع من فخذه قطعة فالقاها إليه ثم مضى ، فلمّا مضى فاذا هو بلحم ميتة منتن مدود ، فقال : أمرني ربي عزّ وجلّ أن أهرب من هذا ، فهرب منه.
فرجع فرأى في المنام كأنّه قد قيل له : انّك قد فعلت ما أمرت به فهل تدري ماذا كان ؟ قال : لا ، قيل له : أمّا الجبل فهو الغضب ، انّ العبد اذا غضب لم ير نفسه وجهل قدره من عظم الغضب ، فاذا حفظ نفسه وعرف قدره وسكّن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التي أكلتها.
وأمّا الطشت فهو العمل الصالح اذا كتمه العبد وأخفاه أبى الله عزّوجلّ الاّ أن يظهره ليزيّنه به مع ما يدّخر له من ثواب الآخرة ، وأمّا الطير فهو الرجل الذي يأتيك بنصيحة فاقبله واقبل نصيحته ، وأمّا البازي فهو الرجل الذي يأتيك في حاجة فلا تؤيسه ، وأمّا اللحم المنتن فهي الغيبة فاهرب منها (8).
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) القلم : 4
(2) آل عمران : 134.
(3) البحار 71 : 415 ح 37 باب 93 ـ عن أمالي الصدوق.
(4) البحار 71 : 419 ح 49 باب 93 ـ عن أمالي الطوسي.
(5) البحار 71 : 419 ح 51 باب 93 ـ عن أمالي الطوسي.
(6) البحار 16 : 216 ح 5 باب 9 ـ عن أمالي الصدوق.
(7) الكافي 2 : 107 ح 4 باب العفو ـ عنه البحار 71 : 400 ح 4 باب 93.
(8) البحار 71 : 418 ح 47 باب 93 ـ عن الخصال : 267 ح 2 باب 5.
الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الرسل وسيد الانام وعلى آله السادة الكرام واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين من الاولين الى قيام يوم الدين.
وَصَفَ اللهُ تعالى نبيَهُ الكريم (صلى الله عليه وآله) (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (1) و ان من الخلق الذي وِصّفَ به النبي (صلى الله عليه وآله) و حث عليه الدين الحنيف وأكد عليه اهل البيت (عليهم السلام) هو كظم الغيظ والعفو عن الغير اذ ان ذلك منهاج المؤمنين وسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) و اهل البيت (عليهم السلام) لذا قال الله عزّوجلّ : (وَالكَاظِمينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاس وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ) (2) ونرى روايات الله البيت (عليهم السلام) قد اخذت المنحى الواسع بذلك النهج وتقويمه والارشاد إليه ونذكر من تلك الروايات ما جاء عنهم (عليهم السلام) :
روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم انّه قال : قال عيسى بن مريم ليحيى بن زكريا عليهم السلام : اذا قيل فيك ما فيك فاعلم انّه ذنب ذكرته فاستغفر الله منه ، وان قيل فيك ما ليس فيك فاعلم انّه حسنة كتبت لك لم تتعب فيها (3).
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : انّ العفو يزيد صاحبه عزّاً ، فاعفوا يعزّكم الله... (4).
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : من كظم غيظاً ملأ الله جوفه ايماناً ، ومن عفى من مظلمة أبدله الله بها عزّاً في الدنيا والآخرة (5).
وروي بسند معتبر عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه قال : انّ يهودياً كان له على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دنانير فتقاضاه ، فقال له : يا يهوديّ ما عندي ما أعطيك ، فقال : فانّي لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني ، فقال : اذاً أجلس معك.
فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة ، وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يتهدّدونه ويتواعدونه ، فنظر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إليهم فقال : ما الذي تصنعون به ؟ فقالوا : يا رسول الله يهوديّ يحبسك ؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : لم يبعثني ربّي عزّوجلّ بأن أظلم معاهداً ولا غيره.
فلما علا النهار قال اليهوديّ : أشهد أن لا اله الاّ الله ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، وشطر مالي في سبيل الله ، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت الاّ لأنظر إلى نعتك في التوراة ، فانّي قرأت نعتك في التوراة :
«محمد بن عبدالله مولده بمكة ، ومهاجره بطيبة ، وليس بفظّ ولا غليظ ، ولا سخّاب ، ولا متزيّن بالفحش ، ولا قول الخناء».
وأنا أشهد أن لا اله الاّ الله ، وأنّك رسول الله ، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله ، وكان اليهودي كثير المال.
ثم قال عليه السلام : كان فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عباءة ، وكانت مرفقته أدم حشوها ليف ، فثنّيت له ذات ليلة فلمّا أصبح قال : لقد منعني الفراش الليلة الصلاة ، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يجعل بطاق واحد (6).
وروي عن عليّ بن الحسين عليه السلام انّه قال : اذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد ، ثم ينادي مناد ، أين أهل الفضل ؟
قال : فيقوم عنق من الناس ، فتلقّاهم الملائكة فيقولون : وما كان فضلكم ؟ فيقولون : كنّا نصل من قطعنا ، ونعطي من حرمنا ، ونعفو عمّن ظلمنا ، قال : فيقال لهم : صدقتم ادخلوا الجنّة (7).
وروي بسند معتبر عن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام انّه قال : أوحى الله عزّوجلّ إلى نبيّ من أنبيائه : اذا أصحبت فأوّل شيء يستقبلك فكله ، والثاني فاكتمه ، والثالث فاقبله ، والرابع فلا تؤيسه ، والخامس فاهرب منه.
قال : فلمّا أصبح مضى فاستقبله جبل أسود عظيم ، فوقف وقال : أمرني ربي عزّوجلّ أن آكل هذا ، وبقي متحيّراً ثم رجع إلى نفسه فقال : انّ ربّي جلّ جلاله لا يأمرني الاّ بما أطيق ، فمشى إليه ليأكله ، فلمّا دنا منه صغر حتى انتهى إليه فوجده لقمة ، فأكلها فوجدها أطيب شيء أكله.
ثم مضى فوجد طشتاً من ذهب ، فقال : أمرني ربي عزّ وجلّ أن أكتم هذا ، فحفر له وجعله فيه وألقى عليه التراب ، ثم مضى فالتفت فاذا الطشت قد ظهر ، فقال : قد فعلت ما أمرني ربيّ عزّوجلّ.
فمضى فاذا هو بطير وخلفه بازيّ فطاف الطير حوله ، فقال : أمرني ربّي عزّوجلّ أن أقبل هذا ، ففتح كمّه فدخل الطير فيه ، فقال له البازيّ : أخذت منّي صيدي وأنا خلفه منذ أيام ، فقال : أمرني ربي عزّوجلّ أن لا أويس هذا ، فقطع من فخذه قطعة فالقاها إليه ثم مضى ، فلمّا مضى فاذا هو بلحم ميتة منتن مدود ، فقال : أمرني ربي عزّ وجلّ أن أهرب من هذا ، فهرب منه.
فرجع فرأى في المنام كأنّه قد قيل له : انّك قد فعلت ما أمرت به فهل تدري ماذا كان ؟ قال : لا ، قيل له : أمّا الجبل فهو الغضب ، انّ العبد اذا غضب لم ير نفسه وجهل قدره من عظم الغضب ، فاذا حفظ نفسه وعرف قدره وسكّن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التي أكلتها.
وأمّا الطشت فهو العمل الصالح اذا كتمه العبد وأخفاه أبى الله عزّوجلّ الاّ أن يظهره ليزيّنه به مع ما يدّخر له من ثواب الآخرة ، وأمّا الطير فهو الرجل الذي يأتيك بنصيحة فاقبله واقبل نصيحته ، وأمّا البازي فهو الرجل الذي يأتيك في حاجة فلا تؤيسه ، وأمّا اللحم المنتن فهي الغيبة فاهرب منها (8).
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) القلم : 4
(2) آل عمران : 134.
(3) البحار 71 : 415 ح 37 باب 93 ـ عن أمالي الصدوق.
(4) البحار 71 : 419 ح 49 باب 93 ـ عن أمالي الطوسي.
(5) البحار 71 : 419 ح 51 باب 93 ـ عن أمالي الطوسي.
(6) البحار 16 : 216 ح 5 باب 9 ـ عن أمالي الصدوق.
(7) الكافي 2 : 107 ح 4 باب العفو ـ عنه البحار 71 : 400 ح 4 باب 93.
(8) البحار 71 : 418 ح 47 باب 93 ـ عن الخصال : 267 ح 2 باب 5.
تعليق