بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه نبي الرحمة محمد وآله الميامين المنتجبين
موقف القوم من امر رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على فراش مرض الموت في قضية جيش اسامة !!
ذكر التاريخ ان رسول الله صلى الله عليه وآله اهتم اهتماما خاصا بجيش أسامة، فعبأ الناس بنفسه في هذا الجيش، وخاصة أصحاب الخطرالمحدق بالشريعة الاسلامية كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وعثمان وأمثالهم، ربما ليضمن الرسول الانتقال السلمي والشرعي للسلطة بغيابهم، وحتى لا يشغبوا على صاحب الحق والإمام الشرعي من بعد النبي، لأن النبي على علم بما يبيتون!! وأعطى رسول الله الراية لأسامة وقال له:
فأخذ أصحاب الخطر كعمر وأبي عبيدة وعثمان وغيرهم يثبطون الناس عن الخروج ويطعنون في تأمير رسول الله لأسامة، لأنهم كما يبدو قد فهموا مقاصد الرسول التي تحول بينهم وبين ما يبيتون، فبلغ الرسول ذلك، ومع أنه على فراش الموت إلا أنه قد نهض معصب الرأس، ملفوفا بقطيفة محموما فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها الناس ما مقالة بلغتني في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبل، وأيم الله إنه كان لخليق بالإمارة).
وحثهم على المبادرة بالسير، وعاد النبي وقعد على فراش الموت ثانية، فلما ثقل جعل يقول: (جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة وكرر ذلك مرات متعددة وهم متثاقلون).
وقال الرسول مرة أخرى: (جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف منه) وأخرج الجوهري في كتاب السقيفة: (أن أسامة قد جاء رسول الله وقد ثقل عليه المرض فاستأذنه أسامة ليمكث حتى يشفى رسول الله، فقال الرسول: (أخرج وسر على بركة الله) فقال أسامة: (إن خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي قلبي قرحة) وقال الرسول: (سر على النصر والعافية) فقال أسامة: يا رسول الله إني أكره أن أسائل عنك الركبان فقال النبي: (أنفذ لما أمرتك به) (يبدو واضحا بأن أسامة قد تعرض لضغوط هائلة من قادة التحالف كي لا يخرج.
ثم أغمي على الرسول صلى الله عليه وآله، وقام أسامة فتجهز للخروج، فلما أفاق الرسول سأل عن بعث أسامة وجعل يقول: (انفذوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عن بعث أسامة، وكرر الرسول ذلك، فخرج أسامة واللواء على رأسه والصحابة بين يديه).
وبالرغم من إصرار الرسول على تأمير أسامة، ومن غضبه الشديد على الذين طعنوا بهذا التأمير، ومن خروج الرسول وهو على فراش الموت ودفاعه عن قراره بتأمير أسامة، وعلى الرغم من رغبة الرسول العظيمة وإصراره على إنفاذ بعث أسامة، إلا أن عمر بن الخطاب وحزبه قد نجحوا بتثبيط الناس عن الخروج ونجحوا بتشكيك الناس بشرعية تأمير الرسول لأسامة!! وتجاهل عمر بن الخطاب وحزبه كل ما صدر عن الرسول في هذا المجال من تأكيدات، وطلبوا من الخليفة الأول أبا بكر أن يعزل أسامة بعد موت الرسول!! لأن تأمير الرسول لأسامة ليس مناسبا ولا صحيحا حسب رأي عمر وآراء قادة حزبه!!
إلا أن الخليفة الأول رفض هذا المطلب وأخذ بلحية عمر بن الخطاب وقال له: (ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه؟) كان الخليفة الأول يرى أنه لا فائدة ترتجى من عزلأسامة عن قيادة تلك السرية التي ولاه رسول الله قيادتها، ولا ضرر من بقائه قائدا لها، بعد أن استقامت لهم الأمور واستولوا على ملك النبوة، بل إن عزله سيثير غضب أفراد الفئة المؤمنة، وسيكشف بصورة فاضحة بشاعة نظرة قادة التحالف إلى رسول الله واستهتارهم بأبسط مظاهر الشرعية الإلهية.
أما عمر فقد تجاهل خروج الرسول وهو مشرف على الموت، ودفاعه عن تأميره لأسامة، لأنه كان يعتقد أن تأمير الرسول لأسامة أمر غير صائب وغير صحيح وأن الرسول كان ينبغي أن يعزله وأن يسند إمارة تلك السرية لغيره!! ثم إن عمر لا يقبل بأنصاف الحلول فأراد أن يكون انتصاره على الرسول انتصارا حاسما وأن يثبت بأنه وأعوانه هم المالكون لمقاليد الأمور وليس الرسول، وأنهم هم الذين يعرفون الصواب وليس الرسول، فأراد أن يرغم أنف الرسول وكل أولياء الرسول!!
وعمر على فراش الموت كان يردد: (لو أدركت خالد ابن الوليد أو معاذ بن جبل أو سالم مولى أبي حذيفة لوليته الخلافة من بعدي) كان يتصرف بمنصب الخلافة تصرف المالك بملكه، وكان يرى أن ذلك التصرف من صميم حقوقه واختصاصاته، لكنه وحزبه كانوا يعتقدون أنه لا حق للرسول بأن يؤمر أسامة أو غير أسامة على سرية فهل رأيتم بربكم ظلما كهذا الظلم، أو استبدادا كهذا الاستبداد، أو استهتارا بمقام النبوة كهذا الاستهتار!!!وحديث ( فلعن الله من تخلف عن جيش اسامة ) ممن امرهم الرسول صلى الله عليه وآله كافٍ لجواز لعنهم لعنة الله عليهم
المغازي للواقدي ج 3 ص 117، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 190.
وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 57، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج 4 ص 182.
كنز العمال ج 10 ص 573، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج 4 ص 182.
المغازي للواقدي ج 3 ص 112، والطبقات لابن سعد ج 3 ص 191، وكنز العمال ج 10 ص 574.
الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 23 وج 1 ص 20.
شرح النهج لابن أبي الحديد ج 6 ص 52.
تاريخ الطبري ج 3 ص 226، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 335
تعليق