- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة/153]
تفسير الأمثل - مكارم الشيرازي - (ج 1 / ص 434)
تقول الآية أوّلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاة).
واجهوا المشاكل والصعاب بهاتين القوتين، فالنصر حليفكم: (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابرِينَ).
خلافاً لما يتصور بعض النّاس «الصَّبْر» لا يعني تحمل الشقاء وقبول الذلة والإستسلام للعوامل الخارجية، بل الصبر يعني المقاومة والثبات أمام جميع المشاكل والحوادث.
لذلك قال علماء الأخلاق إن الصبر على ثلاث شعب:
الصبر على الطّاعة: أي المقاومة أمام المشاكل التي تعتري طريق الطاعة.
الصبر على المعصية: أي الثبات أمام دوافع الشهوات العادية وارتكاب المعصية.
الصبر على المصيبة: أي الصمود أمام الحوادث المرّة وعدم الإنهيار وترك الجزع والفزع.
قلّما كرر القرآن موضوعاً وأكد عليه كموضوع «الصبر»، ففي سبعين موضعاً قرآنياً تقريباً دار الحديث عن الصبر. بينها عشرة تختص بالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم).
تاريخ العظماء يؤكد أن أحد عوامل انتصارهم ـ بل أهمها ـ صبرهم واستقامتهم. والأفراد الفاقدون لهذه الصفة سرعان ما ينهزمون وينهارون. ويمكن القول أن دور هذا العامل في تقدم الأفراد والمجتمعات يفوق دور الإمكانات والكفاءات والذكاء ونظائرها.
من هنا طرح القرآن هذا الموضوع بعبارات مؤكدة كقوله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب)
وفي موضع آخر يقول سبحانه بعد أن ذكر الصبر أمام الحوادث: (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الأُمُورِ)
من خصائص الصبر أن بقية الفضائل لا يكون لها قيمة بدونه، لأن السند والرصيد في جميعها هو الصبر، لذلك يقول أميرالمؤمنين علي(عليه السلام): «وَعَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ فَإِنَّ الصَّبْرَ مِنَ الإِيْمَانِ كَالرَّأسِ مِنَ الْجَسَدِ، وَلاَ خَيْرَ في جَسَد لاَ رَأْسَ مَعَهُ وَلاَ فِي إِيمَان لاَ صَبْرَ مَعَهُ»
الروايات الإسلامية ذكرت أن أسمى مراحل الصبر ضبط النفس تتجلّى في مقاومة الانسان عند توفّر وسائل المعاصي والذنوب.
الآية التي يدور حولها بحثنا تؤكد للجماعة المسلمة الثائرة في صدر الإسلام خاصة أن الأعداء يحيطونهم من كل حدب وصوب، وتأمرهم أن يستعينوا بالصبر أمام الحوادث، فنتيجة ذلك استقلال الشخصية والإِعتماد على النفس والثّقة بالذات في كنف الإيمان بالله. وتاريخ الإسلام يشهد بوضوح أن هذا الأصل كان أساس كل الإنتصارات.
الموضوع الآخر الذي أكدت عليه الآية أعلاه باعتباره السند الهام إلى جانب الصبر هو «الصلاة». وروي أن عليّاً(عليه السلام): «كَانَ إِذَا أَهالَهُ أَمْرٌ فَزِعٌ قَامَ إِلى الصَّلاَةِ ثُمَّ تَلاَ هذِهِ الآية: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ...) ولا عجب في ذلك، فالإِنسان حين يرى نفسه أمام عواصف المشاكل المضنية، ويحسّ بضعفه في مواجهتها، يحتاج إلى سند قوي لا متناه يعتمد عليه. والصلاة تحقق الإرتباط بهذا السند، وتخلق الطمأنينة الروحية اللازمة لمواجهة التحديات.
فالآية أعلاه تطرح مبدأين هامّين: الأوّل ـ الإعتماد على الله، ومظهره الصلاة، والآخر ـ الإعتماد على النفس، وهو الذي عبرت عنه الآية بالصبر.
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - (ج 88 / ص 383)
مسكن الفؤاد، للشهيد الثاني رحمه الله: عن يوسف بن عبد الله بن سلام أن النبي صلى الله عليه وآله إذا نزل بأهله شدة أمرهم بالصلاة،ثم قرأ " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ". وعن ابن عباس أنه نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع ثم تنحا عن الطريق فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: " استعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ". وعنه أيضا أنه كان إذا اصيب بمصيبة قام فتوضأ وصلى ركعتين وقال: اللهم قد فعلت ما أمرتنا فأنجز لنا ما وعدتنا
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - (ج 93 / ص 246)
ابن المغيرة باسناده، عن السكوني، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لاصحابه: ألا اخبركم بشئ إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب ؟ قالوا: بلى قال: الصوم يسود وجهه والصدقة تكسر ظهره والحب في الله والموازرة على العمل الصالح يقطعان دابره والاستغفار يقطع وتينه ولكل شئ زكاة وزكاة الابدان الصيام.
تعليق