يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة/183]
تفسير الأمثل - مكارم الشيرازي - (ج 1 / ص 517)
الصوم مدرسة التّقوى
في سياق طرح مجموعة من الأحكام الإِسلامية، تناولت هذه الآية وما بعدها أحكام واحدة من أهم العبادات، وهي عبادة الصوم، وبلهجة مفعمة بالتأكيد قالت الآية:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
ثم تذكر الآية مباشرة فلسفة هذه العبادة التربوية، في عبارة قليلة الألفاظ، عميقة المحتوى، وتقول: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
نعم، الصوم ـ كما سيأتي شرح ذلك ـ عامل فعّال لتربية روح التقوى في جميع المجالات والأبعاد.
لما كانت هذه العبادة مقرونة بمعاناة وصبر على ترك اللذائد المادية، وخاصة في فصل الصيف، فانّ الآية طرحت موضوع الصوم بأساليب متنوعة لتهيّء روح الإِنسان لقبول هذا الحكم.
تبتدىء الآية أولا بأُسلوب خطابي وتقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وهو نداء يفتح شغاف القلب، ويرفع معنويات الإِنسان، ويشحذ همته، وفيه لذة قال عنها الإِمام الصادق(عليه السلام): «لَذَّةُ مَا فِي النَّدَاءِ ـ أي يا أيّها الَّذينَ آمَنُوا ـ أَزَالَ تَعْبَ الْعِبَادَةِ وَالعَنَاءِ» , ثمّ تبيّن الآية أن الصوم فريضة كتبت أيضاً على الأُمم السابقة.
ثم تبيّن الآية فلسفة الصوم وما يعود به على الإِنسان من منافع، لتكون هذه العبادة محبوبة ملتصقة بالنفس.
ـ الآثار التّربوية والإِجتماعية والصحّيّة للصوم
للصوم أبعاد متعددة وآثار غزيرة مادية ومعنوية في وجود الإِنسان، وأهمها البعد الأخلاقي، التّربوي.
من فوائد الصوم الهامة «تلطيف» روح الإِنسان، و«تقوية» إرادته، و«تعديل» غرائزه.
على الصائم أن يكف عن الطعام والشراب على الرغم من جوعه وعطشه، وهكذا عليه أن يكف عن ممارسة العمل الجنسي، ليثبت عملياً أنه ليس بالحيوان الأسير بين المعلف والمضجع، وأنه يستطيع أن يسيطر على نفسه الجامحة وعلى أهوائه وشهواته.
الأثر الروحي والمعنوي للصوم يشكل أعظم جانب من فلسفة هذه العبادة.
مثل الإنسان الذي يعيش إلى جوار أنواع الأطعمة والأشربة، لا يكاد يحس بجوع أو عطش حتى يمدّ يده إلى ما لذّ وطاب كمثل شجرة تعيش إلى جوار وفير المياه، ما إن ينقطع عنها الماء يوماً حتى تذبل وتصفرّ.
أما الأشجار التي تنبت بين الصخور وفي الصحاري المقفرة، وتتعرض منذ أوائل إنباتها إلى الرياح العاتية، وحرارة الشمس المحرقة حيناً، وبرودة الجوّ القارصة حيناً آخر، وتواجه دائماً أنواع التحديات، فإنها أشجار قوية صلبة مقاومة.
والصوم له مثل هذا الأثر في نفس الإِنسان، فبهذه القيود المؤقتة يمنحه القدرة وقوة الإِرادة وعزيمة الكفاح، كما يبعث في نفسه النور والصفاء بعد أن يسيطر على غرائزه الجامحة.
بعبارة موجزة: الصوم يرفع الإنسان من عالم البهيمية إلى عالم الملائكة وعبارة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) تشير إلى هذه الحقائق.
وهكذا الحديث المعروف: «الصَّوْمُ جَنَّةٌ مِنَ النَّارِ» يشير إلى هذه الحقائق.
وعن علي(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سئل عن طريق مجابهة الشيطان، قال: «الصَّوْمُ يُسَوِّدُ وَجْهَهُ، وَالصَّدَقَةُ تُكْسِرُ ظَهْرَهُ، وَالحُبُّ فِي اللهِ وَالْمُواظبَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصّالِحِ يَقْطَعُ دابِرَهُ، وَالإِسْتغْفَارُ يَقْطَعُ وَتِينَهُ».
وفي نهج البلاغة عرض لفلسفة العبادات، وفيه يقول أمير المؤمنين علي(عليه السلام): «وَالصِّيَامَ ابْتِلاَءً لإِخْلاَصِ الْخَلْقِ».
وروي عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُدَّعَى الرَّيَّانْ، لاَ يَدْخُلُ فِيهَا إِلاَّ الصَّائُمُونَ».
يقول المرحوم الصدوق في «معاني الأخبار» معلقاً على هذا الحديث: إنما سمي هذا الباب بالريّان لأن مشقة الصائم إنما تكون في الأغلب من العطش، وعند ما يدخل الصائمون من هذا الباب يرتوون حتى لا يظمأوا بعده أبداً.
الأثر الإِجتماعي للصوم لا يخفى على أحد. فالصوم درس المساواة بين أفراد المجتمع. الموسرون يحسّون بما يعانيه الفقراء المعسرون، وعن طريق الاقتصاد في استهلاك المواد الغذائية يستطيعون أن يهبوا لمساعدتهم.
قد يمكن تحسيس الأغنياء بما يعانيه الفقراء عن طريق الكلام والخطابة، لكن المسألة حين تتخذ طابعاً حسّيّاً عينيّاً لها التأثير الأقوى والأبلغ، الصوم يمنح هذه المسألة الهامة الإجتماعية لوناً حسياً، لذلك يقول الإمام الصادق(عليه السلام) في جواب عن سؤال بشأن علّة الصوم: «إِنَّما فَرَضَ اللهُ الصِّيَامَ لِيَسْتَويَ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَذَلِكَ إِنَّ الْغَنِيَّ لَمْ يَكُنْ لِيَجِدَ مَسَّ الْجُوعِ فَيَرْحَمَ الْفَقِيرَ، وَإِنَّ الغَنِيَّ كُلَّمَا أَرَادَ شَيْئاً قَدَرَ عَلَيْهِ فَأَرَادَ اللهُ تَعَالى أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ خَلْقِهِ، وَأَنْ يُذِيقَ الْغَنِيَّ مَسَّ الْجُوعِ وَالاَْلَمِ، لِيَرُقَّ عَلَى الضَّعِيفِ وَيَرْحَمَ الْجَائِعَ».
ترى، لو أن الدول الغنية في العالم صامت عدّة أيّام في السنة وذاقت مرارة الجوع، فهل يبقى في العالم كل هذه الشعوب الجائعة؟!
الآثار الصحية للصوم
أهمية «الإِمساك» في علاج أنواع الأمراض ثابتة في الطبّ القديم والحديث. البحوث الطبّية لا تخلو عادة من الحديث عن هذه المسألة، لأن العامل في كثير من الأمراض الإِسراف في تناول الأطعمة المختلفة. المواد الغذائية الزائدة تتراكم في الجسم على شكل مواد دهنية، وتدخل هي والمواد السكرية في الدم، وهذه المواد الزائدة وسط صالح لتكاثر أنواع الميكروبات والأمراض، وفي هذه الحالة يكون الإِمساك أفضل طريق لمكافحة هذه الأمراض، وللقضاء على هذه المزابل المتراكمة في الجسم.
الصوم يحرق الفضلات والقمامات المتراكمة في الجسم، وهو في الواقع عملية تطهير شاملة للبدن، إضافة إلى أنه استراحة مناسبة لجهاز الهضم وتنظيف له، وهذه الاستراحة ضرورية لهذا الجهاز الحساس للغاية، والمنهمك في العمل طوال أيام السنة.
بديهي أن الصائم ينبغي أن لا يكثر من الطعام عند «الإِفْطار» و«السُّحُور» حسب تعاليم الإِسلام، كي تتحقق الآثار الصحية لهذه العبادة، وإلاّ فقد تكون النتيجة معكوسة.
العالم الروسي «الكسي سوفورين» يقول في كتابه:
«الصوم سبيل ناجح في علاج أمراض فقر الدم، وضعف الأمعاء، والإِلتهابات البسيطة والمزمنة، والدمامل الداخلية والخارجية، والسل، والاسكليروز، والروماتيزم، والنقرس والإِستسقاء، وعرق النساء، والخراز (تناثر الجلد)، وأمراض العين، ومرض السكر، وأمراض الكلية، والكبد والأمراض الاُخرى.
العلاج عن طريق الإِمساك لا يقتصر على الأمراض المذكورة، بل يشمل الأمراض المرتبطة باُصول جسم الإِنسان وخلاياه مثل السرطان والسفليس، والسل والطاعون أيضاً».
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «صُومُوا تَصُحُّوا».
وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «الْمِعْدَةُ بَيْتُ كُلِّ دَاء وَالْحَمِيَّةُ رَأْسُ كُلِّ دَوَاء».
2 ـ الصوم في الأُمم السابقة
يظهر من النصوص الموجودة في التوراة والإِنجيل، أن الصوم كان موجوداً بين اليهود والنصارى، وكانت الأُمم الاُخرى تصوم في أحزانها ومآسيها، فقد ورد في «قاموس الكتاب المقدس»: «الصوم بشكل عام وفي جميع الأوقات كان متداولا في أوقات الأحزان والنوائب بين جميع الطوائف والملل والمذاهب».
ويظهر من التوراة أن موسى(عليه السلام) صام أربعين يوماً، فقد جاء فيها: «أَقَمْتُ فِي الْجَبَلِ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً لاَ آكُلُ خُبُزاً وَلاَ أَشْرَبُ مَاءً».
وكان اليهود يصومون لدى التوبة والتضرع إلى الله: «اليهود كانوا يصومون غالباً حينما تتاح لهم الفرصة للإعراب عن عجزهم وتواضعهم أمام الله، ليعترفوا بذنوبهم عن طريق الصوم والتوبة، وليحصلوا على رضا حضرة القدس الإِلهي».
«الصوم الأعظم مع الكفارة كان على ما يبدو خاصاً بيوم من أيام السنة بين طائفة اليهود، طبعاً كانت هناك أيام اُخرى مؤقتة للصوم بمناسبة ذكرى تخريب أُورشليم وغيرها».
السيد المسيح(عليه السلام) صام أيضاً أربعين يوماً كما يظهر من «الإِنجيل»: «ثم اصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرَّب من إبليس فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً».
ويبدو من نصوص إنجيل «لوقا» أن حواريّي السيد المسيح صاموا أيضاً.
وجاء في قاموس الكتاب المقدس أيضاً: « ... من هنا كانت حياة الحوارييّن والمؤمنين مملوءة بالابتعاد عن اللذات وبالأتعاب وبالصوم».
بهذا نستطيع أن نجد في نصوص الكتب الدينية القديمة (حتى بعد تحريفها) شواهد على ما جاء في القرآن الكريم (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
3 ـ امتياز شهر رمضان
هذا الشهر ـ إنما اختير شهراً للصوم ـ لأنه يمتاز عن بقية الشهور. والقرآن الكريم بيّن مزية هذا الشهر في الآية الكريمة بأنه (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرآن) أي القرآن الذي يفصل الصالح عن الطالح ويضمن سعادة البشرية. وفي الروايات الإِسلامية أن كل الكتب السماوية: «التوراة» و«الإِنجيل» و«الزبور» و«الصحف» و«القرآن» نزلت في هذا الشهر. فهو إذن شهر تربية وتعليم، لأن التربية غير ممكنة دون تعليم صحيح، ومنهج الصوم التربوي يجب أن يكون مرافقاً لوعي عميق منطلق من تعاليم السماء لتطهير الإِنسان من كل أثم.
في آخر جمعة من شهر شعبان، ألقى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خطبة أعدّ فيها المسلمين لاستقبال شهر رمضان المبارك قال فيها:
«أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الاْيّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلى ضِيَافَةِ اللهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللهِ. أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبيحٌ، وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ فَاسْأَلُوا اللهَ ربَّكُمْ بِنِيَّات صَادِقَة، وَقُلُوب طَاهِرَة أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ وَتِلاَوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ، وَاذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَعَطَشِكُمْ فِيهِ جُوعَ يَومِ الْقِيَامَةِ وَعَطَشِهِ، وَتَصَدَّقُوا عَلى فُقَرائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ، وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَغُضُّوا عَمَّا لاَ يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ، وَعَمَّا لاَ يَحلُّ الإِسْتِماعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ، وَتَحَنَّنُوا عَلى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنُ عَلى أَيْتَامِكُمْ ...».
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - (ج 93 / ص 337)
الحسين بن محمد التمار، عن جعفر بن أحمد، عن أحمد بن محمد بن أبي مسلم عن أحمد بن حليس، عن القاسم بن الحكم، عن هشام بن الوليد، عن حماد بن سليمان، عن علي بن محمد السيرافي، عن الضحاك بن مزاحم، عن عبد الله بن
العباس بن عبد المطلب أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول: إن الجنة لتنجد وتزين(التنجيد هو التزيين). من الحول إلى الحول، لدخول شهر رمضان. فإذا كان أول ليلة منه هبت ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة تصفق ورق أشجار الجنان، وحلق المصاريع (المصاريع: جمع مصراع، والمراد مصراع الباب) فيسمع لذلك طنينلم يسمع السامعون أحسن منه ويبرزن الحور العين حتى يقفن بين شرف الجنة، فينادين هل من خاطب إلى الله فيزوجه ؟ ثم يقلن يا رضوان ما هذه الليلة فيجيبهن بالتلبية ثم يقول: يا خيرات حسان هذه أول ليلة من شهر رمضان قد فتحت أبواب الجنان للصائمين منامة محمد صلى الله عليه وآله ويقول له عزوجل: يا رضوان افتح أبواب الجنان، يا مالك أغلق أبواب جهنم عن الصائمين من امة محمد صلى الله عليه وآله يا جبرئيل اهبط إلى الارض فصفد مردة الشياطين وغلهم بالاغلال، ثم اقذف بهم في لجج البحار حتى لا -يفسدوا على امة حبيبي صيامهم ؟ قال: ويقول الله تبارك وتعالى في كل ليلة من شهررمضان ثلاث مرات: هل من سائل فاعطيه سؤله ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفرفأغفرله ؟ من يقرض الملئ غير المعدم الوفي غير الظالم. قال: وإن الله تعالى في آخركل يوم من شهر رمضان عند الافطار ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة أعتق في كل ساعة منها ألف ألف عتيق من النار، وكلهم قد استوجب العذاب،فإذا كان في آخر شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بعدد ما أعتق من أول الشهر إلى آخره. فإذا كانت ليلة القدر أمر الله عزوجل جبرئيل فهبط في كتيبة من الملائكة إلى الارض ومعه لواء أخضر، فيركز اللواء على ظهر الكعبة، وله ستمائة جناح منها جناحانلا ينشرهما إلا في ليلة القدر، فينشرهما تلك الليلة فيجاوزان المشرق والمغرب، ويبثجبرئيل الملائكة في هذه الليلة فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصل وذاكر، ويصافحونهم، ويؤمنون على دعائهم، حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر نادى جبرئيل: يا معشر الملائكة الرحيل الرحيل فيقولون يا جبرئيل فما صنع الله تعالى في حوائج المؤمنين من امة محمد صلى الله عليه وآله ؟ فيقول إن الله تعالى نظر إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم وغفر لهم إلا أربعة قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وهؤلاء الاربعة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والقاطع الرحم والمشاحن ( المشاحن: المباغض الممتلئ عداوة). فإذا كانت ليلة الفطر وهي تسمى ليلة الجوائز أعطى الله تعالى العاملين أجرهم بغير حساب،فإذا كانت غداة يوم الفطر بعث الله الملائكة في كل البلاد فيهبطون إلى الارض،ويقفون على أفواه السكك، فيقولون: يا امة محمد صلى الله عليه وآله اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويغفر العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم قال الله عزوجل للملائكة:ملائكتي ما جزاء الاجير إذا عمل عمله ؟ قال: فيقول الملائكة إلهنا وسيدنا جزاه أن توفي أجره قال: فيقول الله عزوجل: فاني اشهدكم ملائكتي أني قد جعلت ثوابهم من صيام شهر رمضان وقيامهم فيه رضاي ومغفرتي. ويقول: يا عبادي سلوني فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم في جمعكم لا خرتكم ودنياكم إلا أعطيتكم، وعزتي لاسترن عليكم عوراتكم ما راقبتموني وعزتي لاجيرنكم ولا أفضحكم بين يدي أصحاب الحدود، انصرفوا مغفورا لكم قد أرضيتموني ورضيت عنكم. قال: فتفرح الملائكة وتستبشر ويهنئ بعضها بعضا بما يعطى هذه الامة إذا أفطروا
تفسير الأمثل - مكارم الشيرازي - (ج 1 / ص 517)
الصوم مدرسة التّقوى
في سياق طرح مجموعة من الأحكام الإِسلامية، تناولت هذه الآية وما بعدها أحكام واحدة من أهم العبادات، وهي عبادة الصوم، وبلهجة مفعمة بالتأكيد قالت الآية:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
ثم تذكر الآية مباشرة فلسفة هذه العبادة التربوية، في عبارة قليلة الألفاظ، عميقة المحتوى، وتقول: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
نعم، الصوم ـ كما سيأتي شرح ذلك ـ عامل فعّال لتربية روح التقوى في جميع المجالات والأبعاد.
لما كانت هذه العبادة مقرونة بمعاناة وصبر على ترك اللذائد المادية، وخاصة في فصل الصيف، فانّ الآية طرحت موضوع الصوم بأساليب متنوعة لتهيّء روح الإِنسان لقبول هذا الحكم.
تبتدىء الآية أولا بأُسلوب خطابي وتقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وهو نداء يفتح شغاف القلب، ويرفع معنويات الإِنسان، ويشحذ همته، وفيه لذة قال عنها الإِمام الصادق(عليه السلام): «لَذَّةُ مَا فِي النَّدَاءِ ـ أي يا أيّها الَّذينَ آمَنُوا ـ أَزَالَ تَعْبَ الْعِبَادَةِ وَالعَنَاءِ» , ثمّ تبيّن الآية أن الصوم فريضة كتبت أيضاً على الأُمم السابقة.
ثم تبيّن الآية فلسفة الصوم وما يعود به على الإِنسان من منافع، لتكون هذه العبادة محبوبة ملتصقة بالنفس.
ـ الآثار التّربوية والإِجتماعية والصحّيّة للصوم
للصوم أبعاد متعددة وآثار غزيرة مادية ومعنوية في وجود الإِنسان، وأهمها البعد الأخلاقي، التّربوي.
من فوائد الصوم الهامة «تلطيف» روح الإِنسان، و«تقوية» إرادته، و«تعديل» غرائزه.
على الصائم أن يكف عن الطعام والشراب على الرغم من جوعه وعطشه، وهكذا عليه أن يكف عن ممارسة العمل الجنسي، ليثبت عملياً أنه ليس بالحيوان الأسير بين المعلف والمضجع، وأنه يستطيع أن يسيطر على نفسه الجامحة وعلى أهوائه وشهواته.
الأثر الروحي والمعنوي للصوم يشكل أعظم جانب من فلسفة هذه العبادة.
مثل الإنسان الذي يعيش إلى جوار أنواع الأطعمة والأشربة، لا يكاد يحس بجوع أو عطش حتى يمدّ يده إلى ما لذّ وطاب كمثل شجرة تعيش إلى جوار وفير المياه، ما إن ينقطع عنها الماء يوماً حتى تذبل وتصفرّ.
أما الأشجار التي تنبت بين الصخور وفي الصحاري المقفرة، وتتعرض منذ أوائل إنباتها إلى الرياح العاتية، وحرارة الشمس المحرقة حيناً، وبرودة الجوّ القارصة حيناً آخر، وتواجه دائماً أنواع التحديات، فإنها أشجار قوية صلبة مقاومة.
والصوم له مثل هذا الأثر في نفس الإِنسان، فبهذه القيود المؤقتة يمنحه القدرة وقوة الإِرادة وعزيمة الكفاح، كما يبعث في نفسه النور والصفاء بعد أن يسيطر على غرائزه الجامحة.
بعبارة موجزة: الصوم يرفع الإنسان من عالم البهيمية إلى عالم الملائكة وعبارة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) تشير إلى هذه الحقائق.
وهكذا الحديث المعروف: «الصَّوْمُ جَنَّةٌ مِنَ النَّارِ» يشير إلى هذه الحقائق.
وعن علي(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سئل عن طريق مجابهة الشيطان، قال: «الصَّوْمُ يُسَوِّدُ وَجْهَهُ، وَالصَّدَقَةُ تُكْسِرُ ظَهْرَهُ، وَالحُبُّ فِي اللهِ وَالْمُواظبَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصّالِحِ يَقْطَعُ دابِرَهُ، وَالإِسْتغْفَارُ يَقْطَعُ وَتِينَهُ».
وفي نهج البلاغة عرض لفلسفة العبادات، وفيه يقول أمير المؤمنين علي(عليه السلام): «وَالصِّيَامَ ابْتِلاَءً لإِخْلاَصِ الْخَلْقِ».
وروي عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُدَّعَى الرَّيَّانْ، لاَ يَدْخُلُ فِيهَا إِلاَّ الصَّائُمُونَ».
يقول المرحوم الصدوق في «معاني الأخبار» معلقاً على هذا الحديث: إنما سمي هذا الباب بالريّان لأن مشقة الصائم إنما تكون في الأغلب من العطش، وعند ما يدخل الصائمون من هذا الباب يرتوون حتى لا يظمأوا بعده أبداً.
الأثر الإِجتماعي للصوم لا يخفى على أحد. فالصوم درس المساواة بين أفراد المجتمع. الموسرون يحسّون بما يعانيه الفقراء المعسرون، وعن طريق الاقتصاد في استهلاك المواد الغذائية يستطيعون أن يهبوا لمساعدتهم.
قد يمكن تحسيس الأغنياء بما يعانيه الفقراء عن طريق الكلام والخطابة، لكن المسألة حين تتخذ طابعاً حسّيّاً عينيّاً لها التأثير الأقوى والأبلغ، الصوم يمنح هذه المسألة الهامة الإجتماعية لوناً حسياً، لذلك يقول الإمام الصادق(عليه السلام) في جواب عن سؤال بشأن علّة الصوم: «إِنَّما فَرَضَ اللهُ الصِّيَامَ لِيَسْتَويَ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَذَلِكَ إِنَّ الْغَنِيَّ لَمْ يَكُنْ لِيَجِدَ مَسَّ الْجُوعِ فَيَرْحَمَ الْفَقِيرَ، وَإِنَّ الغَنِيَّ كُلَّمَا أَرَادَ شَيْئاً قَدَرَ عَلَيْهِ فَأَرَادَ اللهُ تَعَالى أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ خَلْقِهِ، وَأَنْ يُذِيقَ الْغَنِيَّ مَسَّ الْجُوعِ وَالاَْلَمِ، لِيَرُقَّ عَلَى الضَّعِيفِ وَيَرْحَمَ الْجَائِعَ».
ترى، لو أن الدول الغنية في العالم صامت عدّة أيّام في السنة وذاقت مرارة الجوع، فهل يبقى في العالم كل هذه الشعوب الجائعة؟!
الآثار الصحية للصوم
أهمية «الإِمساك» في علاج أنواع الأمراض ثابتة في الطبّ القديم والحديث. البحوث الطبّية لا تخلو عادة من الحديث عن هذه المسألة، لأن العامل في كثير من الأمراض الإِسراف في تناول الأطعمة المختلفة. المواد الغذائية الزائدة تتراكم في الجسم على شكل مواد دهنية، وتدخل هي والمواد السكرية في الدم، وهذه المواد الزائدة وسط صالح لتكاثر أنواع الميكروبات والأمراض، وفي هذه الحالة يكون الإِمساك أفضل طريق لمكافحة هذه الأمراض، وللقضاء على هذه المزابل المتراكمة في الجسم.
الصوم يحرق الفضلات والقمامات المتراكمة في الجسم، وهو في الواقع عملية تطهير شاملة للبدن، إضافة إلى أنه استراحة مناسبة لجهاز الهضم وتنظيف له، وهذه الاستراحة ضرورية لهذا الجهاز الحساس للغاية، والمنهمك في العمل طوال أيام السنة.
بديهي أن الصائم ينبغي أن لا يكثر من الطعام عند «الإِفْطار» و«السُّحُور» حسب تعاليم الإِسلام، كي تتحقق الآثار الصحية لهذه العبادة، وإلاّ فقد تكون النتيجة معكوسة.
العالم الروسي «الكسي سوفورين» يقول في كتابه:
«الصوم سبيل ناجح في علاج أمراض فقر الدم، وضعف الأمعاء، والإِلتهابات البسيطة والمزمنة، والدمامل الداخلية والخارجية، والسل، والاسكليروز، والروماتيزم، والنقرس والإِستسقاء، وعرق النساء، والخراز (تناثر الجلد)، وأمراض العين، ومرض السكر، وأمراض الكلية، والكبد والأمراض الاُخرى.
العلاج عن طريق الإِمساك لا يقتصر على الأمراض المذكورة، بل يشمل الأمراض المرتبطة باُصول جسم الإِنسان وخلاياه مثل السرطان والسفليس، والسل والطاعون أيضاً».
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «صُومُوا تَصُحُّوا».
وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «الْمِعْدَةُ بَيْتُ كُلِّ دَاء وَالْحَمِيَّةُ رَأْسُ كُلِّ دَوَاء».
2 ـ الصوم في الأُمم السابقة
يظهر من النصوص الموجودة في التوراة والإِنجيل، أن الصوم كان موجوداً بين اليهود والنصارى، وكانت الأُمم الاُخرى تصوم في أحزانها ومآسيها، فقد ورد في «قاموس الكتاب المقدس»: «الصوم بشكل عام وفي جميع الأوقات كان متداولا في أوقات الأحزان والنوائب بين جميع الطوائف والملل والمذاهب».
ويظهر من التوراة أن موسى(عليه السلام) صام أربعين يوماً، فقد جاء فيها: «أَقَمْتُ فِي الْجَبَلِ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً لاَ آكُلُ خُبُزاً وَلاَ أَشْرَبُ مَاءً».
وكان اليهود يصومون لدى التوبة والتضرع إلى الله: «اليهود كانوا يصومون غالباً حينما تتاح لهم الفرصة للإعراب عن عجزهم وتواضعهم أمام الله، ليعترفوا بذنوبهم عن طريق الصوم والتوبة، وليحصلوا على رضا حضرة القدس الإِلهي».
«الصوم الأعظم مع الكفارة كان على ما يبدو خاصاً بيوم من أيام السنة بين طائفة اليهود، طبعاً كانت هناك أيام اُخرى مؤقتة للصوم بمناسبة ذكرى تخريب أُورشليم وغيرها».
السيد المسيح(عليه السلام) صام أيضاً أربعين يوماً كما يظهر من «الإِنجيل»: «ثم اصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرَّب من إبليس فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً».
ويبدو من نصوص إنجيل «لوقا» أن حواريّي السيد المسيح صاموا أيضاً.
وجاء في قاموس الكتاب المقدس أيضاً: « ... من هنا كانت حياة الحوارييّن والمؤمنين مملوءة بالابتعاد عن اللذات وبالأتعاب وبالصوم».
بهذا نستطيع أن نجد في نصوص الكتب الدينية القديمة (حتى بعد تحريفها) شواهد على ما جاء في القرآن الكريم (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
3 ـ امتياز شهر رمضان
هذا الشهر ـ إنما اختير شهراً للصوم ـ لأنه يمتاز عن بقية الشهور. والقرآن الكريم بيّن مزية هذا الشهر في الآية الكريمة بأنه (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرآن) أي القرآن الذي يفصل الصالح عن الطالح ويضمن سعادة البشرية. وفي الروايات الإِسلامية أن كل الكتب السماوية: «التوراة» و«الإِنجيل» و«الزبور» و«الصحف» و«القرآن» نزلت في هذا الشهر. فهو إذن شهر تربية وتعليم، لأن التربية غير ممكنة دون تعليم صحيح، ومنهج الصوم التربوي يجب أن يكون مرافقاً لوعي عميق منطلق من تعاليم السماء لتطهير الإِنسان من كل أثم.
في آخر جمعة من شهر شعبان، ألقى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خطبة أعدّ فيها المسلمين لاستقبال شهر رمضان المبارك قال فيها:
«أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الاْيّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلى ضِيَافَةِ اللهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللهِ. أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبيحٌ، وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ فَاسْأَلُوا اللهَ ربَّكُمْ بِنِيَّات صَادِقَة، وَقُلُوب طَاهِرَة أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ وَتِلاَوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ، وَاذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَعَطَشِكُمْ فِيهِ جُوعَ يَومِ الْقِيَامَةِ وَعَطَشِهِ، وَتَصَدَّقُوا عَلى فُقَرائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ، وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَغُضُّوا عَمَّا لاَ يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ، وَعَمَّا لاَ يَحلُّ الإِسْتِماعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ، وَتَحَنَّنُوا عَلى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنُ عَلى أَيْتَامِكُمْ ...».
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - (ج 93 / ص 337)
الحسين بن محمد التمار، عن جعفر بن أحمد، عن أحمد بن محمد بن أبي مسلم عن أحمد بن حليس، عن القاسم بن الحكم، عن هشام بن الوليد، عن حماد بن سليمان، عن علي بن محمد السيرافي، عن الضحاك بن مزاحم، عن عبد الله بن
العباس بن عبد المطلب أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول: إن الجنة لتنجد وتزين(التنجيد هو التزيين). من الحول إلى الحول، لدخول شهر رمضان. فإذا كان أول ليلة منه هبت ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة تصفق ورق أشجار الجنان، وحلق المصاريع (المصاريع: جمع مصراع، والمراد مصراع الباب) فيسمع لذلك طنينلم يسمع السامعون أحسن منه ويبرزن الحور العين حتى يقفن بين شرف الجنة، فينادين هل من خاطب إلى الله فيزوجه ؟ ثم يقلن يا رضوان ما هذه الليلة فيجيبهن بالتلبية ثم يقول: يا خيرات حسان هذه أول ليلة من شهر رمضان قد فتحت أبواب الجنان للصائمين منامة محمد صلى الله عليه وآله ويقول له عزوجل: يا رضوان افتح أبواب الجنان، يا مالك أغلق أبواب جهنم عن الصائمين من امة محمد صلى الله عليه وآله يا جبرئيل اهبط إلى الارض فصفد مردة الشياطين وغلهم بالاغلال، ثم اقذف بهم في لجج البحار حتى لا -يفسدوا على امة حبيبي صيامهم ؟ قال: ويقول الله تبارك وتعالى في كل ليلة من شهررمضان ثلاث مرات: هل من سائل فاعطيه سؤله ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفرفأغفرله ؟ من يقرض الملئ غير المعدم الوفي غير الظالم. قال: وإن الله تعالى في آخركل يوم من شهر رمضان عند الافطار ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة أعتق في كل ساعة منها ألف ألف عتيق من النار، وكلهم قد استوجب العذاب،فإذا كان في آخر شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بعدد ما أعتق من أول الشهر إلى آخره. فإذا كانت ليلة القدر أمر الله عزوجل جبرئيل فهبط في كتيبة من الملائكة إلى الارض ومعه لواء أخضر، فيركز اللواء على ظهر الكعبة، وله ستمائة جناح منها جناحانلا ينشرهما إلا في ليلة القدر، فينشرهما تلك الليلة فيجاوزان المشرق والمغرب، ويبثجبرئيل الملائكة في هذه الليلة فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصل وذاكر، ويصافحونهم، ويؤمنون على دعائهم، حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر نادى جبرئيل: يا معشر الملائكة الرحيل الرحيل فيقولون يا جبرئيل فما صنع الله تعالى في حوائج المؤمنين من امة محمد صلى الله عليه وآله ؟ فيقول إن الله تعالى نظر إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم وغفر لهم إلا أربعة قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وهؤلاء الاربعة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والقاطع الرحم والمشاحن ( المشاحن: المباغض الممتلئ عداوة). فإذا كانت ليلة الفطر وهي تسمى ليلة الجوائز أعطى الله تعالى العاملين أجرهم بغير حساب،فإذا كانت غداة يوم الفطر بعث الله الملائكة في كل البلاد فيهبطون إلى الارض،ويقفون على أفواه السكك، فيقولون: يا امة محمد صلى الله عليه وآله اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويغفر العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم قال الله عزوجل للملائكة:ملائكتي ما جزاء الاجير إذا عمل عمله ؟ قال: فيقول الملائكة إلهنا وسيدنا جزاه أن توفي أجره قال: فيقول الله عزوجل: فاني اشهدكم ملائكتي أني قد جعلت ثوابهم من صيام شهر رمضان وقيامهم فيه رضاي ومغفرتي. ويقول: يا عبادي سلوني فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم في جمعكم لا خرتكم ودنياكم إلا أعطيتكم، وعزتي لاسترن عليكم عوراتكم ما راقبتموني وعزتي لاجيرنكم ولا أفضحكم بين يدي أصحاب الحدود، انصرفوا مغفورا لكم قد أرضيتموني ورضيت عنكم. قال: فتفرح الملائكة وتستبشر ويهنئ بعضها بعضا بما يعطى هذه الامة إذا أفطروا
تعليق