اللهم صل على محمد وآل محمد
العبّاس (عليه السّلام) الشهيد المظلوم
وكذلك كان أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) ؛ فإنّ مواقفه المشرّفة في كربلاء ، وفي يوم عاشوراء وغيرها لهي خير دليل على ما قاله الإمام زين العابدين (عليه السّلام) في حقّ عمّه أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) ، وأجلى برهان على جدارة أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) بنيل هذا الوسام المنيف ، وسام ( الشهيد المحتسب ) .
كما وقد وسمه الإمام الصادق (عليه السّلام) بهذا الوسام العظيم أيضاً ، وذلك حين خاطبه بزيارته المعروفة بقوله : (( أشهد أنّك قُتِلْتَ مظلوماً )) .
وقد مرّ تفسير الشهيد : بأنّه المقتول في سبيل الله ، والإمام الصادق (عليه السّلام) يشهد لعمّه أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) بأنّه المقتول في سبيل الله ، فأبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) إذن بشهادة الإمام الصادق (عليه السّلام) هو شهيد ، وليس مجرّد شهيد فحسب ، بل هو شهيد مظلوم ؛ لأنّه كما مرّ لم يأذن له أخوه الإمام الحسين (عليه السّلام) في البراز إلى الميدان ومقاتلة الأعداء ، وإنّما أذن له في الاستسقاء ، وطلب الماء للأطفال فقط .
ومعلوم إنّ الذي مهمّته طلب الماء والاستسقاء ليس كالذي يهمّه القتال ومنازلة الأبطال ؛ فإنّ مَنْ يهمّه القتال يتفرّغ له ، بينما مَنْ يهمّه الاستسقاء وطلب الماء يتفرّغ للاستسقاء دون القتال ، فلم يكن أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) في كربلاء مقاتلاً حتّى يشف صدره من
الأعداء ، ويذهب غيظ قلبه بالانتقام منهم ، بل كان سقّاءً ، وقُتل من أجل الاستسقاء ، فقتل مظلوماً .
أضف إلى ذلك : أنّ الأعداء من دناءتهم وخستهم لم يبارزوه وجهاً لوجه ، وإنّما اغتالوه في كمين لهم ، فقتلوه غيلة وغدراً ، ومن قساوتهم وغلظتهم لم يكتفوا بقتله بضربة وضربتين ، وإنّما قطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً بعد أن بتروا يديه ، وأبانوا رجليه ، وأصابوا عينيه ، وخسفوا رأسه ، وقتلوه مظلوماً ، فصدق عليه أنّه الشهيد المظلوم ، كما شهد له الإمام الصادق (عليه السّلام) بذلك .
الفارس إذا سقط من فرسه
وجاء في كتاب ( مقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) ) للمقرّم : أنّ العالم الفاضل ، والخطيب البارع الشيخ كاظم السبتي ( رحمه الله ) قال لي ذات مرّة : أتاني بعض العلماء الثقاة وقال : إنّي رسول من قبل العبّاس (عليه السّلام) إليك , فقد رأيته (عليه السّلام) في المنام يعتب عليك ، ويقول : إنّ الشيخ كاظم السبتي لم يذكر مصيبتي ، ولم يتعرّض لها .
فقلت له : يا سيّدي ، ما زلت أسمعه يذكر مصائبك ويندبك بها !
فقال (عليه السّلام) : أعني هذه المصيبة فإنّه لم يذكرها ولم يتعرّض لها ؛ قل له يذكر هذه المصيبة للناس ، ويقول لهم : إنّ الفارس إذا سقط من فرسه يتلقّى الأرض بيديه ، فإذا كانت السهام في صدره ويداه مقطوعتان فبماذا يتلقّى الأرض ؟
وهذا أيضاً ممّا يدلّ على شدّة مظلوميّة أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) ، وكبير مصيبته وعظم رزيّته .
والمظلوم إضافة إلى وجوب نصرته وإعانته على ظالميه ، يستحب البكاء عليه وله ـ على ما في فقه الزهراء (عليه السّلام) ـ ، كما ويستحبّ مشاركة المفجوعين به في بكائهم له ؛ وذلك لتضمّنه تأييداً للمظلوم ونصرة له .
وقد بكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأنّ وحنّ لبكاء عمّته صفية على أخيها حمزة ، وأنينها له وحنينها عليه .
وفي فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السّلام) ورد : أنّ فاطمة (عليها السلام) إذا نظرت إليهم ، ومعها ألف نبي ، وألف صدّيق ، وألف شهيد ، ومن الكرّوبيّين ألف ألف يسعدونها بالبكاء ، وإنّها تشهق شهقة فلا يبقى في السماوات ملك إلاّ بكى رحمة لصوتها . . .
مقام الشهيد وأجر الشهادة
وهنا إشارة إلى بعض ما لأبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) ، وسائر الشهداء عامّة من الفضل عند الله تبارك وتعالى ، قال تعالى : ( إِنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ ) .
وقال سبحانه وتعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِن خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) .
وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( أشرف الموت قتل الشهادة )) .
وعن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : (( فوق كلّ برٍّ برٌّ ، حتّى يُقتل الرجل في سبيل الله (عزّ وجلّ) فليس فوقه برّ )) .
وقال (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّ أوّل مَنْ قاتل في سبيل الله إبراهيم الخليل (عليه السّلام) ، حيث أسرت الروم لوطاً (عليه السّلام) ، فنفر إبراهيم (عليه السّلام) واستنقذه من أيديهم )) .
وعنه (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : (( ما من قطرة أحبّ إلى الله من قطرة دم في سبيل الله ، وقطرة دمع في جوف الليل من خشية الله )) .
وعنه (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : (( وأجود الناس مَنْ جاد بنفسه وماله في سبيل الله )) .
وعن علي (صلوات الله عليه) أنّه قال : (( أوّل مَنْ جاهد في سبيل الله إبراهيم (عليه السّلام) ، أغارت الروم على ناحية فيها لوط (عليه السّلام) فأسروه ، فبلغ ذلك إبراهيم (عليه السّلام) فنفر فاستنقذه من أيديهم ، وهو أوّل مَنْ عمل الرايات عليه أفضل السلام )) .
وفي تذهيب الشيخ الطوسي مسنداً عن علي بن الحسين (عليه السّلام) ، عن آبائه (عليه السّلام) قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( للشهيد سبع خصال من الله :
الأولى : أوّل قطرة من دمه مغفور له كلّ ذنب .
الثانية : يقع رأسه في حجر زوجته من الحور العين ، وتمسحان الغبار عن وجهه وتقولان مرحباً بك ، ويقول هو مثل ذلك لهما .
الثالثة : يُكسى من كسوة الجنّة .
الرابعة : تبتدره خزنة الجنّة بكلّ ريح طيّبة أيّهم يأخذه معه .
الخامسة : أن يرى منزله .
السادسة : يُقال لروحه اسرح في الجنّة حيث شئت .السابعة : أن ينظر إلى وجه الله ، وإنّها راحة لكلّ نبي وشهيد )) .
تعليق