
اعلم كما قدّمنا أنّ مدار ترقّي المؤمن على تأسيّه بالنبي (صلى الله عليه وآله)
وأهل بيته (عليهم السلام)..
وقد روي في الكافي عن ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام) قال:
"لم يكن رسول الله يقول لشيء قد مضى..لو كان غيره"
انظر إلى تحرّجه إلى تمنّي خلاف الواقع، حذراً من الوقوع فيما ينافي الرضا.
فالمطلوب من المؤمن توطين نفسه على الرضا بالواقع كيف كان.
واعلم أنّ منشأ عدم الرضا، وتمنّي خلاف الواقع، إنما هو الجهل بحِكم الأشياء ومصالحها،
فلو ظهرت له حكمة الأشياء لما تمنّى الإنسان غير الواقع..
فإذا عوّد المؤمن نفسه على التأمّل في حِكم الأشياء ومصالحها، يظهر له كلّ كثيرٍ منها،
ويسهل عليه الرضا، وما لم يظهر له وجهه يمكن أن يجعله من باب إلحاق المجهول
بالأعمّ الأغلب.
ولكل شيءٍ مصالحٌ عديدةٌ، وحِكم كثيرةٌ، فمهما توجّه الإنسان إلى ربه،
وطلب منه إظهار بعض وجوه الشيء، أظهر له على حسب استعداده وقابليته،
وطلبته وإرادته.
وهذا أقرب الطرق في تحصيل الرضا بالقضاء.
وأما توطين النفس على الرضا بالشيءــ ولو مع إخفاء حكمته والجهل بهاــ ففيه صعوبةٌ بالنسبة إلى ماذكرناه.
وقد نقل أن مولانا الحسن بن علي (عليه السلام) علّم بعض الشيعة في عالم الطيف،
أنه ينال ما يريده من نهاية القرب منهم، والتمكّن من رؤيتهم مهما أراد،
بالاتصاف بما في هذه الأبيات وهي قوله:
كن عن همومك معرضاً وكل الأمور إلى القضا
فلربمــا اتّســـع المضيق ولربمـا ضـاق الفضــا
ولـــرب أمــر مســخط لــك في عواقبه رضا
الله يــفعل ما يشــــــــاء فــلا تكــــن معترضا
الله عــودك الجميــــــل فقس على ما قد مضى

فلعمري إنّ هذه الأبيات فيها الشفاء من كلّ داءٍ لمن عمل بها،
وعمدتها تحصيل درجة الرضا بالقضاء..
كما في قوله تعالى:
{وَمَا يُلَقَّاها إلا الذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاها إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
{سورة فصلت:35}
وقد اشتملت هذه الأبيات الشريفة الصادرة من ينبوع الحكمة، ومعدن العصمة،
على طُرفٍ من الإرشاد إلى تحصيل هذه الرتبة السنيّة.
ثم بعد اليأس والعجز عن التدبير، وانقطاع الحيل والآمال، ترى الإنسان يقول:
"على الله"
كأن الله وكله إلى تدابيره التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
والذي أرشد إليه أهل البيت (عليهم السلام) أنّ الواجب على المؤمن أن يُعوّدَ نفسه
على الإعراض عن الهموم، حتى يتفرّغ قلبه للتوجه إلى ربه،
قال الله عز وجل:
{الذَِّينَ ءَامَنوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله ألا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ}.
{سورة الرعد:28}
فالقلب إذا توجه إلى ذكر الله، وعطفه ولطفه، ورأفته ورحمته، فرّت عنه الهموم
والأحزان والغموم...
فإمنا تنشأ من الالتفات إلى جانب النفس وإجراء الأمرعلى ما يقضيه حالها من العجز،
والضيق والتحيّر بكلّ شيءٍ، والحرص على ما في يدها.
فيا أخي!.. لا راحة للقلب حقيقة إلا عند ذكر الله، ولا اضطراب له إلا عند التفات النفس إلى عالم الضيق، والحرص والبخل، واليأس من الروح والراحة.
:::::~:::::~:::::
اتمنى أن ينال رضاكم
تعليق