بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
إنّ الهدف الأسمى لجميع الرسل هو مكافحة الشرك وتحطيم قلاعه ، قال سبحانه : (وَلَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ أُمّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوت)[1] ، وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
وقد أضحت مسألة التوحيد والشرك من المسائل الهامّة في عصرنا هذا ، لا سيما وأنّها صارت ذريعة لتشتيت الصفوف وتمزيق الوحدة الإسلامية ، ويرمي بعضهم بعضاً بالشرك فمن يزور القبور مشرك ومن يتوسل بالنبي وآله مشرك مع أنّ الواجب على كلّ مسلم الحفاظ على توحيد الكلمة وتعزيز أواصر الأخوَّة .
ولكن لو نرجع لأئمة أهل البيت سلام الله عليهم قادة الناس إلى بر التوحيد ولاسيما إمام الموحدين فمن الرائع في هذا المجال ما جاء في كتاب التوحيد للصدوق :
(( أنّ أعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال : يا أمير المؤمنين ، أتقول : إن الله واحد؟ فحمل النّاس عليه وقالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب ( أي تشتت الخاطر ) ؟ فقال : أمير المؤمنين (عليه السلام) : « دعوه فإنّ الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم. ثمّ قال : يا أعرابي، إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام. فوجهان منها لا يجوزان على اللّه عزّوجلّ ، ووجهان يثبتان فيه. فأمّا اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: واحد يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز ، لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد . أمّا ترى أنّه كفر من قال إنّه ثالث ثلاثة ؟ وقول القائل : هو واحد من النّاس يريد به النوع من الجنس ، فهذا ما لا يجوز (قوله على اللّه) لأنّه تشبيه ، وجلّ ربّنا وتعالى عن ذلك .
وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه، فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبه ، كذلك ربّنا . وقول القائل : إنّه عزّوجلّ أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزّوجلّ ))[2] .
والجنس في اللغة يأتي بمعنى التشابه والتماثل ، وقوله عليه السلام : ( يريد به النوع من الجنس ) أي يريد القائل بالواحد هكذا الوحدة النوعية التي تنتزع من الأفراد المتجانسة المتماثلة كأفراد الإنسان مثلا، والفرق بين القسمين اللذين لا يجوز أن عليه تعالى أن الأول يثبت له وقوعا أو إمكاناً فردا آخر مثله في الإلوهية أو صفة غيرها وان لم يكن مجانسا له في حقيقته والثاني يثبت له فرداً آخر من حقيقته ، فالمنفى أولاً الوحدة العددية وثانيا النوعية[3] .
وباختصار: اللّه أحد وواحد لا بمعنى الواحد العددي أو النوعي أو الجنسي بل بمعنى الوحدة الذاتية. بعبارة أوضح: وحدانيته تعني عدم وجود المثل والشبيه والنظير .
الدليل على ذلك واضح: فهو ذات غير متناهية من كلّ جهة، ومن المسلم أنّه لا يمكن تصور ذاتين غير متناهيتين من كلّ جهة. إذ لو كان ثمّة ذاتان ، لكانت كلتاهما محدودتين، ولما كان لكل واحدة منهما كمالات الأخرى[4].
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
[1] . سورة النحل : آية : 36 .
[2] . بحار الأنوار ، المجلسي ، ج 3 ، ص 207 .
[3] . توحيد الصدوق ، ج 2 ، ص 13 .
[4] . تفسير الأمثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج 20 ، ص 549 .
تعليق