بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
نرى اليوم من المسائل الخلافية بين المسلمين هي مسألة رؤية الله سبحانه وتعالى . فالإمامية ذهبت إلى استحالة رؤيته تعالى على الإطلاق لتنزهه تعالى عن الجسمية .
وذهبت المجسمة إلى جواز رؤيته تعالى في الدنيا فضلاً عن الآخرة كما ذهب عامة أهل الحديث والأشاعرة إلى جواز رؤيته تعالى يوم القيامة ، وإنه ينكشف للمؤمنين انكشاف القمر ليلة البدر ، تبعاً لبعض الأحاديث ، واستظهاراً من بعض الآيات .
ولكن لو قرأنا دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة المعروف (بدعاء عرفة ) لوجدنا ما يدل على الرؤية وبالتالي يكون دالاً على الجسمية !!
( كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ في وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ ، أَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ ، حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ ، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ إلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ، وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الآثار هِيَ الَّتي تُوصِلُ إِلَيْكَ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً ، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً ) .
فلابد لنا من التدبر في كلام الإمام الحسين عليه السلام لنرى بعين الحقيقة للمعبود الحقيقي .
فنبحث في ذلك استمداداً من نور الكتاب والسنّة والعقل ، واهتداءً إلى معرفته القلبية التي هي أسمى المعارف الحقيقيّة ، ووصولا إلى رؤية القلوب بحقائق الإيمان كما في حديث ذِعْلب المروي عن سيّد الوصيّين وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) :« لم تَرَهُ العيونُ بمشاهَدة الأبصار ولكن رأتْهُ القلوبُ بحقائق الإيمان » .
فقوله عليه السلام عميت عين لا تراك إشارة لطيفة إلى بصيرة النفس لا إلى بصر العين لاستحالة رؤية المولى سبحانه وتعالى بالعين الباصرة .أجل ، انّه معرّف ذاته ( شروق الشمس دليل على الشمس ) وذاته المقدّسة دليل ذاته دون الحاجة إلى معرّف ، وخفاؤه على البعض بسبب شدّة ظهوره ، كالنور الذي لا يقدر الإنسان على النظر إليه لو تجاوز حدّه .
وكما قيل :نور وجهك الحاجب عن ظهورك .إذن فقد صدق ولي اللّه المطلق صلوات اللّه عليه فالعارف الحقيقي والمؤمن المنزه من جميع مراتب الشرك من الأشراك العامية والخاصية من لم ير غيباً ولاشهوداً ولاظهوراً ولابطوناً إلاّ منه وله وليس ما ورائه شيء حتى يختفي به ولاغيره أحد حتى يكون حجاب وجهه ولا يكون الشيء حجاب نفسه .وقد ورد في حديث أنّ أحد أصحاب الإمام الصادق ( (عليه السلام) ) واسمه منصور بن حازم قال له : إنّي دخلت في مناظرة ـ مع جماعة وقلت لهم : ( إنّ الله أجل وأكرم من أن يُعرف بخلقه بل العباد يعرفون بالله ) ، فقال له الإمام الصادق ((عليه السلام)) مصدّقاً إيّاه : ( رحمك الله ) .
فلا إشكال في الدعاء بل الدعاء في قمة التوحيد . فأدعوكم أخوتي أخواتي للتأمل في تراث أهل البيت سلام الله عليهم وخصوصاً الأدعية العقائدية كهذا الدعاء المعرفي دعاء عرفة رحمكم الله .
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتديَ لولا أن هدانا الله ....
تعليق