إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الغيبة في القرآن:

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الغيبة في القرآن:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

    [حرمة الغيبة في‏ القرآن‏]


    النص القرآني
    قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾.

    في تحقيق معنى الغيبة و الأدلة الواردة في حرمتها و ما يترتب عليها من العقوبات و دواعيها و مستثنياتها و علاجها و كفارتها و قد حقق الكلام فيها علمائنا البارعون قدّس اللّه أرواحهم في كتب الأخلاق و الفقه في مقدمات أبواب المعايش بما لا مزيد عليه، بل قد أفرد بعضهم لتحقيقها رسالة مستقلة فأحببنا أن نورد بعض ما فيها حسب ما اقتضته الحال و المجال لكونها من أعظم عثرات الانسان و أوبق آفات اللسان وفي تحقيق معناها فأقول: قال الفيومى اغتابه اغتيابا إذا ذكره بما يكره من العيوب و هو حقّ و الاسم الغيبة فان كان باطلا فهو الغيبة في بهت و في القاموس غابه عابه و ذكره بما فيه من السوء كاغتابه و الغيبة بالكسر فعلة منه و عن الصحاح الغيبة أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمّه لو سمعه فان كان صدقا سمى غيبة فان كان كذبا سمى بهتانا و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد سأله أبو ذر عن الغيبة: أنّها ذكرك أخاك بما يكرهه و في رواية اخرى عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: أ تدرون ما الغيبة؟
    فقالوا: اللّه و رسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته و إن لم يكن فيه فقد بهته،
    و الظاهر أن يكون المراد بالذكر في كلامه و كلام غيره كما فهمه الأصحاب الأعمّ من الذكر القولي و إن كان عبارة الصّحاح تفيد الاختصاص، فكلّ ما يوجب التذكر للشّخص من القول و الفعل و الاشارة و غيرها فهو ذكر له، و ممّن صرّح بالعموم ثاني الشهيدين و صاحب الجواهر و شيخنا العلّامة الأنصاري في المكاسب.

    قال الغزالي: إنّ الذكر باللّسان إنّما حرم لأنّ فيه تفهيم الغير نقصان أخيك و تعريفه بما يكرهه، فالتّعريض به كالتّصريح، و الفعل فيه كالقول، و الاشارة و الايماء و الغمز و الهمز و الكتابة و الحركة و كلّ ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة، فمن ذلك قول عايشة دخلت علينا امرأة فلمّا ولّت أومأت بيدي أنّها قصيرة فقال عليه السّلام اغتبتها، و من ذلك المحاكاة كأن يمشي متعارجا أو كما يمشي لأنّه أعظم في التّصوير و التفهيم و لما رأى صلّى الله عليه و آله عايشة حاكت امرأة قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما يسرني انّى حاكيت انسانا ولي كذا و كذا، و كذلك الغيبة بالكتابة فانّ القلم أحد اللّسانين.

    قال شيخنا العلّامة الانصاري:
    و من ذلك تهجين المطلب الذى ذكره بعض المصنّفين بحيث يفهم منه الازراء بحال ذلك المصنّف فانّ قولك: إنّ هذا المطلب بديهى البطلان تعريض لصاحبه بأنّه لا يعرف البديهيات، بخلاف ما إذا قيل إنّه مستلزم لما هو بديهى البطلان، لأنّ فيه تعريضا بأنّ صاحبه لم ينتقل إلى الملازمة بين المطلب و بين ما هو بديهيّ البطلان، و لعلّ الملازمة نظريّة هذا و المراد من الأخ في النبويّين كما صرّح به غير واحد من الأعلام هو المسلم فانّ غيبة الكافر و إن تسمّى غيبة في اللّغة إلّا أنّها لا يترتّب عليها حكم الحرمة إذ لا اخوّة بينه و بين المسلم، بل لا خلاف في جواز غيبتهم و هجوهم و سبّهم و لعنهم و شتمهم ما لم يكن قذفا و قد أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حسّانا بهجوهم، و قال: انّه أشدّ عليهم من رشق النّبال و بذلك يظهر اشتراك المخالفين للمشركين في جواز غيبتهم كما يجوز لعهنم لانتفاء الاخوّة بينهم و بين المؤمنين، و لذلك قال ثاني الشّهيدين في حدّها: و هو القول و ما في حكمه في المؤمن بما يسوءه لو سمعه مع اتّصافه به، و في جامع المقاصد و حدّها على ما في الأخبار أن يقول المرء في أخيه ما يكرهه لو سمعه ممّا فيه، و من المعلوم أنّ اللّه تعالى عقد الاخوّة بين المؤمنين بقوله: إنّما المؤمنون اخوة، دون غيرهم و كيف يتصوّر الاخوّة بين المؤمن و المخالف بعد تواتر الرّوايات و تظافر الآيات في وجوب معاداتهم و البراءة منهم.

    فانقدح بذلك فساد ما عن الأردبيلي و الخراساني (ره) من المنع عن غيبة المخالف نظرا إلى عموم أدلّة تحريمها من الكتاب والسنّة لأنّ قوله تعالى: و لا يغتب، خطاب للمكلّفين أو لخصوص المسلمين، و على التّقديرين فيعمّ المخالف و السّنة أكثرها بلفظ النّاس و المسلم و هما معا شاملان للجميع و لا استبعاد في ذلك اذ كما لا يجوز أخذ مال المخالف و قتله لا يجوز تناول عرضه.
    و وجه ظهور الفساد أنّ ذيل الآية مفيد لاختصاص الخطاب بالمؤمنين، لأنّ تعليل النّهى عنها بأنّها بمنزلة أكل لحم الأخ يدلّ على اختصاص الحرمة بمن كان بينه و بين المغتاب اخوّة كما أشرنا.

    قال شيخنا العلامة(الحلي):
    و توهم عموم الآية كبعض الرّوايات لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم و عدم جريان أحكام الاسلام عليهم إلّا قليلا مما يتوقّف استقامة نظام معاش المؤمنين عليه، مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرّطوبة، و حلّ ذبايحهم و مناكحهم و حرمة دمائهم، لحكمة دفع الفتنة و فسادهم لأنّ لكلّ قوم نكاح أو نحو ذلك.

    و قال صاحب الجواهر: بعد نقل كلام الأردبيلي: و لعلّ صدور ذلك منه لشدّة تقدّسه و ورعه، لكن لا يخفى على الخبير الماهر الواقف على ما تظافرت به النّصوص بل تواترت من لعنهم و سبّهم و شتمهم و كفرهم و أنّهم مجوس هذه الامّة و أشرّ من النّصارى و أنجس من الكلاب أنّ مقتضى التّقدّس و الورع خلاف ذلك، و صدر الآية: الّذين آمنوا، و آخرها التشبيه بأكل لحم الأخ «إلى أن قال» و على كلّ‏ حال فقد ظهر اختصاص الحرمة بالمؤمنين القائلين بامامة الأئمة الاثنى عشر دون غيرهم من الكافرين و المخالفين و لو بانكار واحد منهم.
    ثمّ الظّاهر من المؤمن المغتاب بالفتح أعمّ من أن يكون حيّا أو ميّتا ذكرا أو انثى بالغا أو غير بالغ مميّزا أو غير مميّز، و قد صرّح بالعموم شيخنا السيّد العلّامة طاب رمسه في مجلس الدّرس، و مثله كاشف الرّيبة حيث صرّح بعدم الفرق بين الصّغير و الكبير و ظاهره الشّمول لغير المميّز أيضا.

    و قال شيخنا العلّامة الأنصاري(قد): الظاهر دخول الصّبي المميّز المتأثر بالغيبة لو سمعها، لعموم بعض الرّوايات المتقدّمة و غيرها الدّالة على حرمة اغتياب النّاس و أكل لحومهم مع صدق الأخ عليه كما يشهد به قوله تعالى: (و إن تخالطوهم فاخوانكم في الدّين) مضافا إلى إمكان الاستدلال بالآية و إن كان الخطاب للمكلّفين بناء على عدّ أطفالهم منهم تغليبا و امكان دعوى صدق المؤمن عليه مطلقا أو في الجملة.
    و على ما ذكرناه من التّعميم فلا بدّ أن يراد من السّماع في تعريفهم لها بأنّها ذكر المؤمن بما يسوءه لو سمعه الأعمّ من السّماع الفعلي، و المراد بالموصول فيما يسوءه ما يكره ظهوره سواء كره وجوده كالجذام و البرص و نحوهما أم لا كالميل إلى القبائح و المستفاد من بعض الرّوايات كغير واحد من الأصحاب عدم الفرق في ما يكره بين أن يكون نقصا في الدّين أو الدّنيا أو البدن أو النّسب أو الخلق أو الفعل أو القول أو ما يتعلّق به من ثوبه أو داره أو دابّته أو غير ذلك.

    أمّا في الدّين فكقولك هو سارق أو كذّاب أو شارب الخمر أو خائن أو ظالم أو متهاون بالصّلاة أو الزّكاة أو لا يحسن الرّكوع أو السّجود أو لا يحترز من النّجاسات أو ليس بارّا بوالديه.
    و أمّا في الدّنيا فكقوله إنّه قليل الأدب متهاون بالنّاس أو لا يرى لأحد على نفسه حقا أو يرى لنفسه الحقّ على النّاس أو أنّه كثير الكلام أو كثير الأكل أو كثير النّوم ينام في غير وقته.

    و أما البدن فكما تقول إنّه طويل أو قصير أو أعمش أو أحول أو أقرع أو لونه أصفر أو أسود و نحو ذلك ممّا يسوئه و أمّا النسب فكقولك: أبوه فاسق أو خسيس أو حجام أو زبّال أو ليس بنجيب.

    و أما الخلق فبأن تقول إنّه سيّ‏ء الخلق بخيل متكبّر مختال مراء شديد الغضب جبان عاجز ضعيف القلب متهوّر و ما يجرى مجرى ذلك.
    و أما الفعل فامّا أن يكون متعلّقا بالدّين أو الدّنيا و قد مرّ مثالهما و أمّا القول فكقولك إنّه كذّاب أو سبّاب أو أنّه تمتام أو أعجم أو ألكن أو ألثغ أو أليغ و نحو ذلك و أمّا في ثوبه فكقولك إنّه واسع الكم طويل الذّيل و سخ الثّياب و نحوها.

    و أمّا في داره فكما تقول أنّه مفحص قطاة أى في الصّغر أو كدير النّصارى أو نحوهما و أمّا في دابّته فكقولك لحصانه إنّه برذون أو لبغلته إنّها بغلة أبي دلامة أى كثيرة العيوب و لأبى دلامة ذلك قصيدة في ذكر معايبها منها قوله:


    أرى الشّهباء تعجن اذ غدونا

    يتبع...

    برجليها و تخبزنا بيدين‏





  • #2
    . ان الغيبة هي الداء الوبيل المبتلى به الناس على اختلاف مستوياتهم ،دون ان يدركوا خطورة هذا الامر ،فهي فاكهة المجالس،وقلما يخلو مجلس منها الا ما رحم ربي ،وقد حذر منها اهل البيت الاطهار صلوات الله عليهم

    عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن شعيب بن واقد ، عن الحسين بن زيد ، عن الصادق ، عن آبائه ( عليهم السلام ) ـ في حديث المناهي ـ أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نهى عن الغيبة والاستماع إليها ،

    ونهى عن النميمة والاستماع إليها ، وقال :
    لا يدخل الجنة قتات ، ـ يعني : نماما ـ ، ونهى عن المحادثة التي تدعو إلى غير الله ، ونهى عن الغيبة ، وقال : من اغتاب امرءاً مسلما بطل صومه ، ونقض وضوءه ، وجاء يوم

    القيامة يفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة يتأذى به أهل الموقف ، وإن مات قبل أن يتوب مات مستحلا
    لما حرم الله عزّ وجّل ، ألا ومن تطوّل على أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردها عنه رد الله عنه ألف باب من

    الشر في الدنيا والآخرة ، فإن هو لم يردها وهو قادر على ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة .

    ـ وفي ( المجالس ) عن محمد بن موسى بن المتوكل ، عن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الرحمن بن سيابة ، عن الامام الصادق

    جعفر بن محمد ( عليه

    السلام ) قال : إن من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه ، وإن من البهتان ان تقول في اخيك ما ليس فيه
    بوركتم اخي الكريم

    عقاب الاعمال للشيخ الصدوق
    وسائل الشيعة ج12

    تعليق


    • #3

      بسم الله الرحمن الرحيم

      أحسنتم الأخ الفاضل - السيد العرداوي -على هذه المشاركة القيمة
      جعل الله جهدكم في ميزان حسنتكم .

      الغيبة من آفات اللسان وهي من بواعث الحسد واقوى دواعي الاغتياب والمعادي هو التشهير فتجعل حلاوة في القلب الحاسد والداء الذي دوائه الصمت..

      للغيبة بواعث ودواعٍ كثيرة، أجملها الإمام الصادق (عليه السلام) بعشرة، حيث قال (عليه السلام): «أصل الغيبة تتنوع بعشرة أنواع؛ شِفاء غيظ، ومساعدةِ قوم، وتصديق خبرٍ بلا كشف، وتهمةٍ ، وسوء ظنٍ، وحسدٍ، وسخريةٍ، وتعجيبِ، وتبرمٍ، وتزينٍ»المكاسب، ج3، ص: 51. (ايصال الطالب).


      تعليق


      • #4
        بسم الله الرحمن الرحيم
        الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

        كل الشكر والتقدير للاخوات الفاضلات ام احمد وهدى الاسلام على حسن الاطلاع على هذه الردود القيمة الجميلة وكذلك لهم الشكر الجزيل والثناء الجميل على الردود التي احتوت على الروايات الوارده عن أئمة اهل البيت الكرام وكذلك متابعتهم لكل جديد فحياكم الله ووفقنا الله وأياكم لكل ما يحبه ويرضاه
        اللهم آمين رب العالمين.

        تعليق


        • #5
          بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
          اكمل معكم البحث واقدم الحلقة الثانية:


          الثاني في الأدلة الدالّة على حرمة الغيبة
          و ما ترتّب عليها من الذّم و العقوبة فأقول: إنّها محرّمة بالأدلّة الأربعة أعنى الكتاب و السنّة و الاجماع و العقل، فأمّا الاجماع فواضح، و أمّا العقل فلأنّها موجبة لفساد النظام و انفصام عروة الانتظام، و عليها تبنى القبائح و منها يظهر العدوّ المكاشح على ما مرّ توضيحه في شرح كلام الامام عليه السّلام‏.

          و أما الكتاب‏
          فمنه قوله تعالى: (و لا يغتب بعضكم بعضا أيحبّ أحدكم أن‏ يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه و اتّقوا اللّه إنّ اللّه توّاب رحيم)، فجعل سبحانه المؤمن أخا و عرضه كلحمه و التفكّه به أكلا و عذم شعوره بذلك بمنزلة حالة موته.

          قال الفخر الرّازي في: الحكمة في هذا التشبيه الاشارة إلى أنّ عرض الانسان كدمه و لحمه و هذا من باب القياس الظّاهر، و ذلك لأنّ عرض المرء أشرف من لحمه، فاذا لم يحسن من العاقل أكل لحوم النّاس لم يحسن منه قرض عرضهم بالطريق الأولى، لأنّ ذلك ألم.
          و قوله: لحم أخيه آكدا في المنع لأنّ العدوّ يحمله الغضب على مضغ لحم العدوّ فقال تعالى أصدق الأصدقاء من ولدته امّك فأكل لحمه أقبح ما يكون و قوله تعالى: ميتا، إشارة إلى دفع و هم و هو أن يقال: القول في الوجه يولم فيحرم و أما الاغتياب فلا اطلاع عليه للمغتاب فلا يؤلم، فقال: أكل لحم الأخ و هو ميّت أيضا لا يؤلم، و مع هذا هو في غاية القبح لما أنّه لو اطلع عليه لتألّم كما أنّ الميّت لو أحسّ بأكل لحمه لآلمه ذلك هذا.
          و الضّمير في قوله: فكرهتموه، إمّا راجع إلى الأكل المستفاد من أن يأكل، أو إلى اللّحم، أى فكما كرهتم لحمه ميتا فاكرهوا غيبته حيّا، أو الميت في قوله ميّتا، و التّقدير أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميّتا متغيّرا فكرهتموه فكأنّه صفة لقوله ميتا و يكون فيه زيادة مبالغة في التّحذير يعني الميتة إن اكلت لسبب كان نادرا و لكن إذا أنتن و أروح و تغيّر لا يؤكل أصلا فكذلك ينبغي أن تكون الغيبة.
          و الفاء فيه يفيد التعلّق و ترتّب ما بعدها على ما قبلها، و هو من تعلّق المسبّب بالسّبب و ترتّبه عليه كما تقول جاء فلان ماشيا فتعب، لأنّ المشى يورث التّعب فكذا الموت يورث النفرة و الكراهة إلى حدّ لا يشتهى الانسان أن يبيت في بيت فيه ميّت فكيف يقربه بحيث يأكل منه، ففيه إذا كراهة شديدة فكذلك ينبغي أن تكون حال الغيبة.
          و من الكتاب أيضا قوله سبحانه: ويل لكلّ همزة لمزة، قال اللّيث: الهمزة هو الّذي يعيبك بوجهك، و اللّمزة الّذي يعيبك بالغيب، و قيل: الهمز ما يكون‏ باللّسان و العين و الاشارة، و اللّمز لا يكون إلّا باللّسان، و قيل: هما بمعنى واحد.
          و منه أيضا قوله: لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلّا من ظلم، و قوله: إنّ الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الّذين آمنوا لهم عذاب أليم روى في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه فهو من الّذين قال اللّه عزّ و جلّ إنّ الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة.



          و أما السنة
          فيدلّ عليها منها أخبار لا تحصى.
          مثل ما رواه في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن النّوفلي عن السّكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الغيبة أسرع في دين الرّجل المسلم من الاكلة في جوفه.
          قال: و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الجلوس في المسجد انتظار الصّلاة عبادة ما لم يحدث، قيل يا رسول اللّه و ما يحدث؟ قال: الاغتياب.
          و فيه مسندا عن مفضّل بن عمر قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه و هدم مروّته ليسقط من أعين النّاس أخرجه اللّه من ولايته إلى ولاية الشّيطان فلا يقبله الشيطان.
          و في الوسائل من المجالس باسناده عن أبي بصير عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله في وصيّة له قال: يا أبا ذر إيّاك و الغيبة فانّ الغيبة أشدّ من الزّنا، قلت: و لم ذاك يا رسول اللّه؟ قال لأنّ الرّجل يزني فيتوب إلى اللّه فيتوب اللّه عليه، و الغيبة لا تغفر حتّى يغفرها صاحبها يا أبا ذر سباب المسلم فسوق و قتاله كفر و أكل لحمه من معاصى اللّه و حرمة ماله كحرمة دمه، قلت: يا رسول اللّه و ما الغيبة؟
          قال: ذكرك أخاك بما يكرهه، قلت يا رسول اللّه فان كان فيه الذي يذكر به؟ قال: اعلم أنّك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته، و إذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهتّه.
          و في الوسائل عن الحسين بن سعيد في كتاب الزهد مسندا عن زيد بن عليّ عن آبائه عليهم السّلام عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: تحرم الجنّة على ثلاثة: على المنّان، و على‏ المغتاب، و على مدمن الخمر.
          و فيه أيضا عن أبي عبد اللّه الشّامي عن نوف البكالي أنه قال: أتيت أمير المؤمنين و هو في رحبة مسجد الكوفة فقلت: السّلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته فقال: و عليك السّلام و رحمة اللّه و بركاته، فقلت: يا أمير المؤمنين عظني، فقال: يا نوف أحسن يحسن إليك «إلى أن قال» قلت زدني قال: اجتنب الغيبة فانّها ادام كلاب النّار، ثمّ قال: يا نوف كذب من زعم أنّه ولد من حلال و هو يأكل لحوم النّاس بالغيبة.
          و في المكاسب لشيخنا العلّامة الأنصاري طاب رمسه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنه خطب يوما فذكر الرّبا و عظّم شأنه فقال: إنّ الدّرهم يصيبه الرّجل أعظم من ستّة و ثلاثين زنية، و إنّ أربى الرّبا عرض الرّجل المسلم.
          و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل اللّه صلاته و لا صيامه أربعين صباحا إلّا أن يغفر له صاحبه.
          و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع اللّه بينهما في الجنّة، و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما، و كان المغتاب خالدا في النّار و بئس المصير.
          و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كذب من زعم أنّه ولد من حلال و هو يأكل لحوم النّاس بالغيبة، فاجتنب الغيبة فانها ادام كلاب النّار.
          و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من مشى في غيبة أخيه و كشف عورته كانت أوّل خطوة خطاها وضعها في جهنّم.
          و روى أنّ المغتاب إذا تاب فهو آخر من يدخل الجنّة و إن لم يتب فهو أوّل من يدخل النّار.
          و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إنّ الغيبة حرام على كلّ مسلم و إنّ الغيبة ليأكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب.
          قال شيخنا (قد): و أكل الحسنات إمّا أن يكون على وجه الاحباط لاضمحلال ثوابها في جنب عقابه، أو لأنها تنقل الحسنات إلى المغتاب كما في غير واحد من الأخبار و من جملتها النبوى يؤتى بأحد يوم القيامة فيوقف بين يدي الرّب عزّ و جلّ و يدفع إليه كتابه فلا يرى حسناته فيه، فيقول إلهي ليس هذا كتابي لا أرى فيه حسناتي، فيقال له: إنّ ربّك لا يضلّ و لا ينسى ذهب عملك باغتياب النّاس، ثمّ يؤتى بآخر و يدفع إليه كتابه فيرى فيه طاعات كثيرة فيقول إلهى ما هذا كتابي فانّى ما عملت هذه الطاعات، فيقال له: إنّ فلانا اغتابك فدفع حسناته إليك.
          و في عقاب الأعمال باسناده عن أبي بردة قال: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ انصرف مسرعا حتّى وضع يده على باب المسجد ثمّ نادى بأعلى صوته: يا معشر النّاس لا يدخل الجنّة من آمن بلسانه و لم يخلص الايمان إلى قلبه، لا تتّبعوا عورات المؤمنين فانّه من تتبّع عورات المؤمنين تتبّع اللّه عورته و من تتبّع اللّه عورته فيفضحه و لو في جوف بيته.
          و فيه أيضا باسناده عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أربعة تؤذون أهل النّار على ما بهم من الأذى يسقون من الحميم و الجحيم ينادون بالويل و الثبور فيقول أهل النّار بعضهم لبعض: ما لهؤلاء الأربعة قد آذونا على ما بنا من الأذى: فرجل معلّق عليه تابوت من جمر، و رجل تجرى أمعاؤه صديدا و دما أسودنتنا، و رجل يسيل فوه قيحا و دما، و رجل يأكل لحمه، فيقال لصاحب التابوت: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الاذى؟ فيقول: إنّ الأبعد مات و في عنقه أموال النّاس لم يجد لها في نفسه أداء و لا وفاء، ثمّ يقال للّذي يجرى امعاؤه: ما بال الأبعد قد آذانا على مابنا من الأذى؟
          فيقول: إنّ الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول من جسده، ثمّ يقال للّذي يسيل فوه قيحا و دما: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إنّ الأبعد كان يحاكي فينظر إلى كلّ كلمة خبيثة و يحاكي بها ثمّ يغتاب النّاس، ثمّ يقال للّذي يأكل لحمه:
          ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الاذي؟ فيقول: إنّ الأبعد كان يأكل لحوم النّاس بالغيبة و يمشي بالنّميمة.
          و في الأنوار النّعمانية للمحدّث الجزائري عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: مررت ليلة اسرى بي إلى السّماء على قوم يخمشون وجوههم بأظافيرهم، فقلت: يا جبرائيل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يغتابون النّاس و يقعون في أعراضهم.
          و فيه أيضا و روى أنّه أمر بصوم يوم و قال: لا يفطرنّ أحد حتّى آذن له، فصام النّاس حتى إذا أمسوا جعل الرّجل يجي‏ء فيقول: يا رسول اللّه ظللت صائما فأذن لي لأفطر فيأذن له، و الرّجل و الرّجل حتّى جاء رجل فقال: يا رسول اللّه فتاتان من أهلي ظللتا صائمتين فانّهما تستحيان أن يأتيانك فأذن لهما أن تفطرا فأعرض عنه، ثمّ عادوه فأعرض عنه، ثمّ عادوه فقال صلّى اللّه عليه و آله إنّهما لم تصوما و كيف صام من ظلّ هذا اليوم يأكل لحوم النّاس اذهب فمرهما إن كانتا صائمتين أن تستقيا فرجع إليهما فأخبرهما فاستقائتا فقاءت كلّ واحدة منهما علقة من دم، فرجع إلى النّبيّ فأخبره، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و الّذي نفس محمّد بيده لو بقيتا في بطونهما لأكلتهما النّار.
          و في رواية أنّه لما أعرض عنه جاءه بعد ذلك و قال: يا رسول اللّه إنّهما و اللّه لقد قائتا و كادتا أن تموتا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ائتوني بهما فجاءتا فدعى بقدح فقال لإحداهما قيئي فقاءت من قيح و دم صديد حتّى ملأت القدح، و قال للاخرى قيئي، فقاءت كذلك، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ هاتين صامتا عمّا أحل اللّه و أفطرتا على ما حرّم اللّه عليهما، جلست إحداهما على الاخرى فجعلتا تأكلان لحوم النّاس، و رواهما الغزالي في إحياء العلوم عن أنس مثلهما.
          قال شيخنا العلّامة طاب رمسه: ثمّ إنّه قد يتضاعف عقاب المغتاب إذا كان ممّن يمدح المغتاب في حضوره، و هذا و إن كان في نفسه مباحا إلّا أنّه إذا انضمّ مع ذمه في غيبته سمّى صاحبه ذا اللسّانين يوم القيامة و تأكّد حرمته و لذا ورد في المستفيضة أنّه يجي‏ء ذو اللّسانين يوم القيامة و له لسانان من نار، فانّ لسان المدح في الحضور و إن لم يكن لسانا من نار إلّا أنّه إذا انضمّ إلى لسان الذّم في الغياب صار كذلك.
          و عن المجالس بسنده عن حفص بن غياث عن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام عن عليّ عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من مدح أخاه المؤمن في وجهه و اغتابه من ورائه فقد انقطعت العصمة بينهما.
          و عن الباقر عليه السّلام بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين يطرى أخاه شاهدا و يأكله غائبا إن اعطى حسده و إن ابتلى غضبه.

          تعليق


          • #6
            بسم الله الرحمن الرحيم
            اللهم صل على محمد وآل محمد


            بحث لطيف وجهد متميز

            استفدت الشيء الكثير من هذا البحث الرائع والمفيد جداً


            وفقكم الله سيدنا الكريم الفاضل وبارك الله فيكم

            ورزقكم الله العلم والفهم والتدبر .. ومتعكم الله بالصحة والسلامة

            بسم الله الرحمن الرحيم
            اللهم صل على محمد وآل محمد
            وارحمنا بهم واجعل عواقب امورنا الى خير

            تعليق

            يعمل...
            X