بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
[حرمة الغيبة في القرآن]
النص القرآني
قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
[حرمة الغيبة في القرآن]
النص القرآني
قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾.
في تحقيق معنى الغيبة و الأدلة الواردة في حرمتها و ما يترتب عليها من العقوبات و دواعيها و مستثنياتها و علاجها و كفارتها و قد حقق الكلام فيها علمائنا البارعون قدّس اللّه أرواحهم في كتب الأخلاق و الفقه في مقدمات أبواب المعايش بما لا مزيد عليه، بل قد أفرد بعضهم لتحقيقها رسالة مستقلة فأحببنا أن نورد بعض ما فيها حسب ما اقتضته الحال و المجال لكونها من أعظم عثرات الانسان و أوبق آفات اللسان وفي تحقيق معناها فأقول: قال الفيومى اغتابه اغتيابا إذا ذكره بما يكره من العيوب و هو حقّ و الاسم الغيبة فان كان باطلا فهو الغيبة في بهت و في القاموس غابه عابه و ذكره بما فيه من السوء كاغتابه و الغيبة بالكسر فعلة منه و عن الصحاح الغيبة أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمّه لو سمعه فان كان صدقا سمى غيبة فان كان كذبا سمى بهتانا و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد سأله أبو ذر عن الغيبة: أنّها ذكرك أخاك بما يكرهه و في رواية اخرى عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: أ تدرون ما الغيبة؟
فقالوا: اللّه و رسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته و إن لم يكن فيه فقد بهته، و الظاهر أن يكون المراد بالذكر في كلامه و كلام غيره كما فهمه الأصحاب الأعمّ من الذكر القولي و إن كان عبارة الصّحاح تفيد الاختصاص، فكلّ ما يوجب التذكر للشّخص من القول و الفعل و الاشارة و غيرها فهو ذكر له، و ممّن صرّح بالعموم ثاني الشهيدين و صاحب الجواهر و شيخنا العلّامة الأنصاري في المكاسب.
قال الغزالي: إنّ الذكر باللّسان إنّما حرم لأنّ فيه تفهيم الغير نقصان أخيك و تعريفه بما يكرهه، فالتّعريض به كالتّصريح، و الفعل فيه كالقول، و الاشارة و الايماء و الغمز و الهمز و الكتابة و الحركة و كلّ ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة، فمن ذلك قول عايشة دخلت علينا امرأة فلمّا ولّت أومأت بيدي أنّها قصيرة فقال عليه السّلام اغتبتها، و من ذلك المحاكاة كأن يمشي متعارجا أو كما يمشي لأنّه أعظم في التّصوير و التفهيم و لما رأى صلّى الله عليه و آله عايشة حاكت امرأة قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما يسرني انّى حاكيت انسانا ولي كذا و كذا، و كذلك الغيبة بالكتابة فانّ القلم أحد اللّسانين.
قال شيخنا العلّامة الانصاري: و من ذلك تهجين المطلب الذى ذكره بعض المصنّفين بحيث يفهم منه الازراء بحال ذلك المصنّف فانّ قولك: إنّ هذا المطلب بديهى البطلان تعريض لصاحبه بأنّه لا يعرف البديهيات، بخلاف ما إذا قيل إنّه مستلزم لما هو بديهى البطلان، لأنّ فيه تعريضا بأنّ صاحبه لم ينتقل إلى الملازمة بين المطلب و بين ما هو بديهيّ البطلان، و لعلّ الملازمة نظريّة هذا و المراد من الأخ في النبويّين كما صرّح به غير واحد من الأعلام هو المسلم فانّ غيبة الكافر و إن تسمّى غيبة في اللّغة إلّا أنّها لا يترتّب عليها حكم الحرمة إذ لا اخوّة بينه و بين المسلم، بل لا خلاف في جواز غيبتهم و هجوهم و سبّهم و لعنهم و شتمهم ما لم يكن قذفا و قد أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حسّانا بهجوهم، و قال: انّه أشدّ عليهم من رشق النّبال و بذلك يظهر اشتراك المخالفين للمشركين في جواز غيبتهم كما يجوز لعهنم لانتفاء الاخوّة بينهم و بين المؤمنين، و لذلك قال ثاني الشّهيدين في حدّها: و هو القول و ما في حكمه في المؤمن بما يسوءه لو سمعه مع اتّصافه به، و في جامع المقاصد و حدّها على ما في الأخبار أن يقول المرء في أخيه ما يكرهه لو سمعه ممّا فيه، و من المعلوم أنّ اللّه تعالى عقد الاخوّة بين المؤمنين بقوله: إنّما المؤمنون اخوة، دون غيرهم و كيف يتصوّر الاخوّة بين المؤمن و المخالف بعد تواتر الرّوايات و تظافر الآيات في وجوب معاداتهم و البراءة منهم.
فانقدح بذلك فساد ما عن الأردبيلي و الخراساني (ره) من المنع عن غيبة المخالف نظرا إلى عموم أدلّة تحريمها من الكتاب والسنّة لأنّ قوله تعالى: و لا يغتب، خطاب للمكلّفين أو لخصوص المسلمين، و على التّقديرين فيعمّ المخالف و السّنة أكثرها بلفظ النّاس و المسلم و هما معا شاملان للجميع و لا استبعاد في ذلك اذ كما لا يجوز أخذ مال المخالف و قتله لا يجوز تناول عرضه.
و وجه ظهور الفساد أنّ ذيل الآية مفيد لاختصاص الخطاب بالمؤمنين، لأنّ تعليل النّهى عنها بأنّها بمنزلة أكل لحم الأخ يدلّ على اختصاص الحرمة بمن كان بينه و بين المغتاب اخوّة كما أشرنا.
قال شيخنا العلامة(الحلي): و توهم عموم الآية كبعض الرّوايات لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم و عدم جريان أحكام الاسلام عليهم إلّا قليلا مما يتوقّف استقامة نظام معاش المؤمنين عليه، مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرّطوبة، و حلّ ذبايحهم و مناكحهم و حرمة دمائهم، لحكمة دفع الفتنة و فسادهم لأنّ لكلّ قوم نكاح أو نحو ذلك.
و قال صاحب الجواهر: بعد نقل كلام الأردبيلي: و لعلّ صدور ذلك منه لشدّة تقدّسه و ورعه، لكن لا يخفى على الخبير الماهر الواقف على ما تظافرت به النّصوص بل تواترت من لعنهم و سبّهم و شتمهم و كفرهم و أنّهم مجوس هذه الامّة و أشرّ من النّصارى و أنجس من الكلاب أنّ مقتضى التّقدّس و الورع خلاف ذلك، و صدر الآية: الّذين آمنوا، و آخرها التشبيه بأكل لحم الأخ «إلى أن قال» و على كلّ حال فقد ظهر اختصاص الحرمة بالمؤمنين القائلين بامامة الأئمة الاثنى عشر دون غيرهم من الكافرين و المخالفين و لو بانكار واحد منهم.
ثمّ الظّاهر من المؤمن المغتاب بالفتح أعمّ من أن يكون حيّا أو ميّتا ذكرا أو انثى بالغا أو غير بالغ مميّزا أو غير مميّز، و قد صرّح بالعموم شيخنا السيّد العلّامة طاب رمسه في مجلس الدّرس، و مثله كاشف الرّيبة حيث صرّح بعدم الفرق بين الصّغير و الكبير و ظاهره الشّمول لغير المميّز أيضا.
و قال شيخنا العلّامة الأنصاري(قد): الظاهر دخول الصّبي المميّز المتأثر بالغيبة لو سمعها، لعموم بعض الرّوايات المتقدّمة و غيرها الدّالة على حرمة اغتياب النّاس و أكل لحومهم مع صدق الأخ عليه كما يشهد به قوله تعالى: (و إن تخالطوهم فاخوانكم في الدّين) مضافا إلى إمكان الاستدلال بالآية و إن كان الخطاب للمكلّفين بناء على عدّ أطفالهم منهم تغليبا و امكان دعوى صدق المؤمن عليه مطلقا أو في الجملة.
و على ما ذكرناه من التّعميم فلا بدّ أن يراد من السّماع في تعريفهم لها بأنّها ذكر المؤمن بما يسوءه لو سمعه الأعمّ من السّماع الفعلي، و المراد بالموصول فيما يسوءه ما يكره ظهوره سواء كره وجوده كالجذام و البرص و نحوهما أم لا كالميل إلى القبائح و المستفاد من بعض الرّوايات كغير واحد من الأصحاب عدم الفرق في ما يكره بين أن يكون نقصا في الدّين أو الدّنيا أو البدن أو النّسب أو الخلق أو الفعل أو القول أو ما يتعلّق به من ثوبه أو داره أو دابّته أو غير ذلك.
أمّا في الدّين فكقولك هو سارق أو كذّاب أو شارب الخمر أو خائن أو ظالم أو متهاون بالصّلاة أو الزّكاة أو لا يحسن الرّكوع أو السّجود أو لا يحترز من النّجاسات أو ليس بارّا بوالديه.
و أمّا في الدّنيا فكقوله إنّه قليل الأدب متهاون بالنّاس أو لا يرى لأحد على نفسه حقا أو يرى لنفسه الحقّ على النّاس أو أنّه كثير الكلام أو كثير الأكل أو كثير النّوم ينام في غير وقته.
و أما البدن فكما تقول إنّه طويل أو قصير أو أعمش أو أحول أو أقرع أو لونه أصفر أو أسود و نحو ذلك ممّا يسوئه و أمّا النسب فكقولك: أبوه فاسق أو خسيس أو حجام أو زبّال أو ليس بنجيب.
و أما الخلق فبأن تقول إنّه سيّء الخلق بخيل متكبّر مختال مراء شديد الغضب جبان عاجز ضعيف القلب متهوّر و ما يجرى مجرى ذلك.
و أما الفعل فامّا أن يكون متعلّقا بالدّين أو الدّنيا و قد مرّ مثالهما و أمّا القول فكقولك إنّه كذّاب أو سبّاب أو أنّه تمتام أو أعجم أو ألكن أو ألثغ أو أليغ و نحو ذلك و أمّا في ثوبه فكقولك إنّه واسع الكم طويل الذّيل و سخ الثّياب و نحوها.
و أمّا في داره فكما تقول أنّه مفحص قطاة أى في الصّغر أو كدير النّصارى أو نحوهما و أمّا في دابّته فكقولك لحصانه إنّه برذون أو لبغلته إنّها بغلة أبي دلامة أى كثيرة العيوب و لأبى دلامة ذلك قصيدة في ذكر معايبها منها قوله:
أرى الشّهباء تعجن اذ غدونا يتبع... |
برجليها و تخبزنا بيدين |
|
تعليق