الدرس السادس:منهج تفسير القرآن بالقرآن (1) | ||||||||||||||||||||||||||||
|
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
دراسات في مناهج التفسير 6و7و8و9و10
تقليص
X
-
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
-
الدرس السابع: تطبيقات عملية أهداف الدرس
1- أن يتعرّف الطالب إلى الأنواع المتعدّدة من أنواع تفسير القرآن بالقرآن
2- أن يتعرّف إلى بعض النماذج التطبيقية لهذه الأنواع
تمهيد81
يعتبر "تفسير القرآن بالقرآن" منهجاً كلّياً يتضمّن تحته مصاديق وطرقاً فرعية متعدِّدة يستفيد منها المفسِّرون في التفسير، وإنّ معرفة هذه الطرق تساعد المفسِّر على تقديم تفسير جامع لآيات القرآن الكريم.
ولكي تتوضّح صورة الاستدلال عند المفسِّر للقرآن بالقرآن، سوف نشير إلى أهمّ هذه الأنواع وأكثرها شيوعاً، مع الأمثلة والنماذج التوضيحية لهذا المنهج.
الطرق الفرعية لمنهج تفسير القرآن بالقرآن
1- إرجاع المتشابهات إلى المحكمات
تنقسم آيات القرآن إلى آيات محكمة ومتشابهة1 ، وتعتبر الآيات المُحكَمة هي الأساس والمرجع للآيات القرآنية، ولا بُدّ من إرجاع الآيات المتشابهة إليها لكي يتّضح معناها، أو يتعيّن أحد احتمالاتها.
مثال: توجد بعض الآيات في القرآن يدلّ ظاهرها على التجسيم؛ مثل الآيات الّتي تصف الله سبحانه وتعالى بأنّه: "سميع" و"بصير"2 ، والآية الشريفة ï´؟يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْï´¾3 ، ولا بد من إرجاع مثل هذه الآيات إلى الآيات المحكمة مثل الآية: ï´؟َليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌï´¾4 حيث يتّضح معناها في ضوء هذه الآية وأمثالها، فعندما نقارن الآيات المذكورة مع الآيات المحكمة، فسوف يتبيّن أنّ المقصود باليد هنا ليست هي اليد الجسمانية بل هي كناية عن شيء آخر كالقدرة مثلاً. وعلى هذا يمكن تفسير الآية ï´؟يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْï´¾ بمعنى قدرة الله.83
2- الجمع بين الآيات المطلقة والمقيّدة
جاءت بعض الآيات بصورة مطلقة بدون قيد في حين ذُكرت آيات أُخرى مقيّدة ببعض القيود؛ فتفسير الآيات المطلقة بدون النظر في الآيات المقيّدة غير صحيح ولا يكشف عن المراد الجدّي للمتكلِّم، وبعبارة أخرى إنّ الآيات المقيِّدة مفسِّرة للآيات المطلقة، فمثلاً جاء ذكر الصلاة في بعض الآيات بصورة مطلقة ï´؟وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَï´¾5 ، في حين قُيّد هذا الإطلاق بزمان خاص في آيات أخرى كما في الآية: ï´؟أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرï´¾6.
3- الجمع بين العام والخاص
جاءت ألفاظ بعض الآيات على جهة العموم والشمول لأفراد كثيرين، وذلك باستعمال بعض ألفاظ العموم، مثل كُلّ، في حين خصَّصَت آيات أخرى هذا
العموم. وبما أنّ تفسير القرآن هو تعيين المراد الإلهي وتوضيح الآية بصورة كاملة، فإنّ هذا لا يحصل إلّا بوضع الخاصّ بجانب العامّ. وبعبارة أخرى إنّ الآيات الخاصّة تُفسِّر وتبيِّن العموم في الآيات الأخرى، فمثلاً جاء ذكر الزواج بصورة مطلقة في الآية: ï´؟فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءï´¾7 واستثنيت موارد خاصّة في الآية الكريمة:ï´؟وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ.......ï´¾8 ففي الآيات الأولى وردت الرخصة في الزواج من جميع النساء، أمّا في الآيات الأُخرى فقد استثنيت الأم والأخت وزوجة الأب و...84
4- توضيح الآيات المجملة بواسطة الآيات المبيّنة
وردت بعض الآيات في القرآن الكريم بصورة مختصرة ومجملة، فيما جاء بيان هذا الموضوع بصورة مفصّلة في مكانٍ آخر. فالمجموعة الثانية من الآيات تُفسِّر الآيات الأولى. وقد لا يُفهم المعنى والمراد من الآيات المجملة دون الرجوع إلى الآيات المبيّنة، وحينئذٍ لا يكون التفسير صحيحاً.
المثال الأوّل:أشار القرآن الكريم إلى مسألة أكل لحوم الحيوانات بقوله:ï´؟أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْï´¾9 وقال في آية أخرى: ï´؟حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرï´¾10. ففي الآية الأولى جاء تحليل لحوم بعض الحيوانات بصورة مجملة، وأنّه سوف يأتي تحريم بعض أنواع اللحوم في المستقبل؛ وقد بُيّنت هذه الموارد في الآية الأخرى؛ فهنا تكون الآية الثانية مفسِّرة للآية الأولى.
المثال الثاني: وردت ثلاثة تعابير في شأن ليلة القدر في القرآن الكريم وهي:85
1ـ ï´؟إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍï´¾11.
2ـ ï´؟إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِï´¾12.
3ـ ï´؟شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنï´¾13.
وعند وضع الآيات الثلاث معاً نستنتج أنّ القرآن نزل في ليلة القدر وهي ليلة مباركة من ليالي شهر رمضان. ومثل هذا التفسير الكامل لا يحصل بقراءة الآيات بصورة منفصلة، بل لا بُدّ من ضمّ الآيات بعضها إلى بعضها الآخر.
5- الاستفادة من سياق الآيات
السياق عبارة عن: نوع خاصّ للألفاظ أو العبارات أو الكلام يظهر على أثر اقترانه مع كلمات وجمل أخرى.
ويُعدّ اتصال الكلام وارتباطه واعتماد قرينة السياق على فهم كلام الأفراد من الأصول العقلائية المعتمدة في جميع اللغات. فالمفسِّرون يعتمدون على هذه القرينة أيضاً في فهم آيات القرآن ويعتبرونها قرينة ظنيَّة.
والسياق له عدّة أقسام: فربما يكون السياق سياق كلمات، أو سياق جمل، أو سياق آيات، وسنوضح ذلك بأمثلة:
المثال الأوّل: كلمة "الدِّين" لها معانٍ متعدّدة يتحدّد أحدها من خلال السياق ففي الآية: ï´؟مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِï´¾، جاء الدِّين هنا بمعنى يوم الجزاء حيث يجزي
الله العباد يوم القيامة، واستفدنا هذا المعنى من السياق، في حين جاء لفظ "الدِّين" في آيات أخرى بمعنى الشريعة14 ، لأنّ هذا المعنى هو مقتضى سياق تلك الآيات.86
المثال الثاني: قال تعالى: ï´؟إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِï´¾15 وقد جاء في نهاية هذه الآيات: ï´؟ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُï´¾16.
فإذا أخذنا بظاهر هذه الآية دون الالتفات إلى سياق الآيات المتقدّمة لفُهِم منه أنّ الله سبحانه وتعالى يخاطب شخصاً محترماً وعزيزاً، أمّا إذا أخذنا بنظر الاعتبار الآيات المتقدّمة فسوف يتبيّن أنّ هذا الشخص (الذي اعتُبر عزيزاً كريماً في ظاهر الآية) ما هو إلّا ذليل حقير.
المثال الثالث: قال تعالى: ï´؟وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَï´¾17.
وللمفسِّرين رأيان في معنى اللهو:
اعتبر بعض المفسِّرين أنّ معنى اللهو في هذه الآية هو المرأة والولد وهي إشارة إلى نفي عقائد المسيحيين الّذين يعتقدون أنّ لله زوجةً وولداً.
والمجموعة الأخرى ذهبت إلى أنّ معنى اللهو التسلّي، أو الأهداف غير المعقولة. وعلى هذا يكون معنى الآية أنّ هدف الخالق ليس هو التسلّي.
وقد تمسّك أصحاب الرأي الثاني بالسياق لردّ الرأي الأوّل؛ لأنّ ارتباط الآية أعلاه بالآيات السابقة سينقطع على الرأي الأول، إضافةً إلى أنّ كلمة "اللهو" إذا جاءت بعد كلمة "اللعب" فتعني التسلّي وليس المرأة والولد.87
6- تحديد معاني الاصطلاحات القرآنية بالاستعانة بالآيات الأخرى
توجد في القرآن الكريم اصطلاحات خاصّة خارجة عن معناها اللغوي، فلا يمكن تفسيرها بمراجعة كتب اللغة، بل يجب مراجعة الآيات الأخرى ومعرفة لغة القرآن.
الأمثلة: مصطلح الجن: المعنى اللغوي هو "المستور، المخفي" وفي اصطلاح القرآن هي موجودات عاقلة لا تُرى بالعين.
"الكافر": بمعنى الساتر، أما في اصطلاح القرآن فتطلق على الشخص الّذي ينكر وجود الله، أو يوم القيامة أو.. وقد تأتي بمعنى عدم الشكر.
"الآية": تعني العلامة، أمّا في القرآن فقد تأتي بمعنى الآية القرآنية أو المعجزة وهناك اصطلاحات أُخرى مثل الصلاة، الزكاة، الجهاد.. ويفهم معناها الاصطلاحي بالتدبّر في آيات القرآن.
7- جمع الآيات الناسخة والمنسوخة
لقد جاءت بعض الآيات لتبيّن بعض الأحكام ثمّ أُنزلت آيات أخرى (على أساس المصلحة والشرائط الجديدة) ونسخت الآيات السابقة وشرّعت أحكاماً جديدة. وثمّة اختلاف بين المختصِّين في علوم القرآن في عدد الآيات المنسوخة.
وعلى المفسِّر حين يشرع في تفسير الآية أن يأخذ بنظر الاعتبار الآيات الناسخة والمنسوخة، وإلّا فسوف يكون تفسيره تفسيراً ناقصاً.
مثال: ورد الأمر في سورة المجادلة بأنّ على المؤمنين أن يتصدّقوا في حالة وجود كلام خصوصي لهم مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يعمل بهذا الحكم إلّا الإمام عليّ عليه السلام ، وقد نُسخ هذا الحكم في الآيات الأخرى18 ، وعلى هذا فبيان الحكم الأوّل بدون ذكر الناسخ في الآية الأُخرى يكون تفسيراً ناقصاً.88
8- الالتفات إلى الآيات المشابهة (من حيث اللفظ أو المحتوى)
القرآن الكريم كتاب هداية وتربية، فقد يطرح الموضوع الواحد في عدّة سور وتتناول كلّ سورة من السور جانباً من جوانب هذا الموضوع بصورة قد تتشابه في التفسير، فإذا أراد المفسِّر الشموليّة في فهم الموضوع، عليه أن يضع الآيات بعضها مع بعضها الآخر حتّى يتّضح معناها.
فقد تأخذ هذه الطريقة في الواقع اسم التفسير الموضوعي كما فعل ذلك آية الله مكارم الشيرازي في كتابه التفسيري (نفحات القرآن) وآية الله السبحاني في كتاب (مفاهيم القرآن)، أو قد تأخذ طابع التفسير الترتيبي فيما إذا قام المفسِّر بجمع آيات الموضوع الواحد في موارد مختلفة من التفسير، كما استخدم العلامة الطباطبائي هذه الطريقة في تفسير الميزان.
المثال الأوّل: قام العلامة الطباطبائي في الآية (29) من سورة البقرة بدراسة المباحث المتعلّقة بإعجاز القرآن والآيات الّتي جاءت حوله.
المثال الثاني: طريقة تفسير القرآن بالقرآن لها ثمرات عمليّة كثيرة في تفسير القصص القرآني فقد ذكرت قصّة النبيّ آدم عليه السلام وإبليس في الآيات (20ـ 38) من سورة البقرة، والآيات (11ـ 25) من سورة الأعراف، وكذلك وردت قصّة النبيّ موسى عليه السلام وإبليس في الآيات (103ـ 155) من سورة الأعراف،
والآيات (90ـ 98) من سورة طه، والآية (10) من سورة الشعراء فما بعد، فقد تناولت كلّ من هذه السور أحد المواضيع بصورة مختلفة ومن أبعاد وزوايا متعدّدة، فنضطر حينئذٍ لمراجعة جميع هذه السور للحصول على تفسيرها بشكل شمولي.89
-
الدرس الثامن: منهج التفسير الروائي للقرآن الكريم أهداف الدرس
1- أن يتعرّف الطالب إلى منهج التفسير الروائي
2- أن يطّلع على الأدوار التاريخية للمنهج الروائي
3- أن يطّلع على الآراء الرئيسة بالنسبة إلى مكانة الأحاديث في تفسير القرآن
تمهيد91
يُعتبر منهج التفسير الروائي من أقدم المناهج التفسيريّة وأكثرها شيوعاً. وهو أحد أقسام "التفسير بالمأثور" أو "التفسير النقلي". وللتفسير الروائي مكانة خاصّة بين المناهج التفسيريّة، وكان دائماً محطّ اهتمام المفسِّرين.
وقد اتّخذ في بعض الأحيان اتجاهاً متطرِّفاً حيث إنّ بعض المفسِّرين لم يرتضِ إلّا هذا المنهج في التفسير ورفض بقيّة المناهج. وفي الواقع إنّ هناك اتجاهات مُخالفة لهذه الطريقة المتطرِّفة ومُعتدلة في استخدام هذا المنهج.
وسوف نقوم هنا ببحث بعض الأمور المتعلِّقة بهذا المنهج وهي:
معنى التفسير الروائي
الرواية في الأصل تعني "النقل والحمل"، ورواية الحديث بمعنى نقل وتحمّل الحديث. وقد قسّم العلماء التفسير بالمأثور (التفسير النقلي) إلى أربعة أقسام:
1- تفسير القرآن بالقرآن.93
2- تفسير القرآن بالسُنّة.
3- تفسير القرآن بأقوال الصحابة.
4- تفسير القرآن بأقوال التابعين1.
ولكنّ المقصود من التفسير الروائي هو تفسير القرآن بالسُنّة والّتي تعني "قول وفعل وتقرير" المعصوم (النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام )، أي إنّه قد يصدر عن المعصوم كلامٌ في تفسير آية، وقد يقوم بعمل (كالصلاة) يكون تفسيراً للآيات المتعلّقة بالصلاة، وقد يكون تقريراً من المعصوم وذلك فيما إذا صدر عن شخص كلام أو عمل عملاً طبقاً لبعض الآيات في حضور الإمام وأقرّه على ذلك، أي إنّ المعصوم يؤيّد هذا الكلام أو الفعل بسكوته عن ذلك الفعل أو القول.
والحاصل: إنّ المقصود من منهج التفسير الروائي هنا هو استفادة المفسِّر من سُنَّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام ، والّتي تشمل قولهم وفعلهم وتقريرهم، لتوضيح معاني آيات القرآن ومقاصدها، وهذا المنهج يحقّق نتائج وآثاراً خاصّة أيضاً.
ملاحظة: رغم أنّه يمكن الاستفادة من روايات الصحابة والتابعين في تفسير القرآن في موارد خاصّة، وأنّ الكثير من أقوالهم في التفسير يُعتبر نافعاً ومفيداً ولكن هناك اختلاف بين علماء المسلمين في حجيّة سننهم ومساحة اعتبار رواياتهم.
الأدوار التاريخية للمنهج الروائي94
يمكن تقسيم الأدوار التاريخية للتفسير الروائي إلى أربعة أدوار:
1- عصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
نشأ التفسير الروائي مُقارناً للوحي: لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هو أوّل مُفسِّر ومُبيِّن للقرآن، وقد جاء الأمر الإلهي بهذا الخصوص في قوله تعالى: ï´؟وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْï´¾2. الحقّ أنّ سنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبيانهُ يرجع في جذوره إلى الوحي أيضاً، كما روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا وإنّي أُوتيت القرآن ومثله معه"3. فقد كان الصحابة يرجعون إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في تفسير القرآن ويأخذون منه معانيه. روي عن ابن مسعود أنّه قال: "كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهُنَّ حتّى يعرف معانيهنَّ والعمل بهنّ"4.
وقد يكون عمله صلى الله عليه وآله وسلم تفسيراً للقرآن، كما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال بشأن الصلاة: "صلّوا كما رأيتموني أُصلي"5 ، وروي عنه أنّه قال "خذوا عنّي مناسككم"6. وفي هذه الصورة تكون أفعال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تفسيراً لجزئيات الصلاة والحج.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله أنزل على رسوله الصلاة، ولم يُسَمِّ لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتّى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الّذي فسَّر لهم ذلك"7. نعم لقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المسائل الّتي ذُكرت بصورة كليَّة في القرآن الكريم مثل (الصلاة، الصوم، الحج و..)، وكذلك وضّح موارد تخصيص العمومات
وتقييد المطلقات، وبيَّن الاصطلاحات الجديدة في القرآن، والناسخ والمنسوخ. وجميع هذه الأمور كانت تفسيراً للقرآن وصلتنا بواسطة الروايات والسُنَّة ولا تزال موجودة كمصادر للتفسير الروائي.95
2- عصر أهل البيت عليهم السلام
استمرّت طريقة التفسير الروائي إلى عصر الأئمّة عليهم السلام. وكان الإمام عليّ عليه السلام تلميذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التفسير يسمع ما يقوله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في تبيين آيات القرآن ويقوم بنقله وروايته، وقد اتّبع أهل البيت عليهم السلام هذا المنهج أيضاً، فكانوا ينقلون الأحاديث للناس عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام ويستدّلون بها، وقد وصل عدد الروايات المرويّة عنهم عليهم السلام إلى بضعة آلاف وقد تصدّى أهل البيت عليهم السلام لتفسير القرآن لاطلاعهم على العلوم الإلهيّة؛ ولذا اعتُبرت سنّتهم (قولهم وفعلهم وتقريرهم) من مصادر التفسير وجزءاً من التفسير الروائي؛ وفي هذا الإطار سأل رجل الإمام الرضا عليه السلام فقال: إنّك لتفسِّر من كتاب الله ما لم يُسمع. فقال: "علينا نزل قبل الناس ولنا فُسِّر قبل أن يُفسَّر في الناس، فنحن نعرف حلاله وناسخه ومنسوخه و.."8 وقال في حديث آخر: "فإنّما على الناس أن يقرؤا القرآن كما أُنزل، فإذا احتاجوا إلى تفسيره فالاهتداء بنا وإلينا"9.
وعلى هذا، قام أهل البيت عليهم السلام بتبيين مسائل متنوّعة في مجال الأمور الكليَّة الّتي وردت في القرآن وآيات الأحكام، المخصِّصات، المقيِّدات، الناسخ والمنسوخ، وكذلك تبيين باطن الآيات وتأويلها ومصاديقها.
3- عصر الصحابة والتابعين96
حظيت الروايات التفسيريَّة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام باهتمام الصحابة والتابعين، حتّى أنّ بعض الصحابة الكبار أمثال ابن عباس وابن مسعود كانوا لا يروْن أنفسهم مستغنين عن الإمام عليّ عليه السلام ، والاستفادة من علمه. وإنَّ كثيراً من أحاديث التفسير لابن عباس تلقّاها عن الإمام عليّ عليه السلام.
وفي الحقيقة إنّ الصحابة والتابعين قاموا بتفسير القرآن أيضاً، وقد وصلتنا روايات كثيرة عن ابن عباس وغيره.
يُذكر أنّ الروايات التفسيريَّة في هذه الفترة جُمعت بصورة تدريجيَّة باسم "كتب التفسير الروائي".
4- عصر جمع وتأليف الروايات التفسيريَّة
أوّل تدوين في هذه المجموعة عند الشيعة هو الكتاب المنسوب إلى الإمام عليّ عليه السلام ، والّذي ورد على شكل رواية مفصّلة في بداية تفسير النعماني10.
وهناك كتاب آخر، هو مصحف عليّ بن أبي طالب، الّذي جاء فيه تأويل القرآن والتفسير وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وهو مرتّب على حسب النزول، وإن كان هذا الكتاب ليس في متناول أيدينا الآن11.
ثمّ التفسير المنسوب إلى الإمام الباقر عليه السلام (57 114هـ) المعروف بتفسير عليّ بن إبراهيم القمّي المنقول عن طريق أبي حمزة الثمالي وأبي الجارود، والتفسير المنسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام (83 148هـ)، وتفسير فرات
الكوفي (كان حيّاً في سنة 307هـ)، والتفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام (232 260هـ).97
وقد جمعت الروايات الفقهيّة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام في مجاميع روائية مثل: الكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والاستبصار؛ كما دُوِّن في هذا الوقت تفسير جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري (ت 320هـ)، وكذلك الصحاح الستّة لأهل السنّة.
ثمّ واجهت حركة تدوين التفاسير ركوداً نسبيّاً من القرن الخامس إلى التاسع الهجري؛ فيما برزت التفاسير العقليّة والاجتهاديّة.
وفي عصر كتابة التفاسير الجديدة، برز الاهتمام بالروايات التفسيريّة والّتي عادة ما تُبحث خلال التفسير أو بصورة منفصلة؛ كما فعل العلّامة الطباطبائي حيث يذكر البحث الروائي بعد كلّ مجموعة من الآيات.
ملاحظة: لم تسلم الروايات التفسيريّة في عصر التدوين والجمع من ظاهرة الوضع، ووجود الإسرائيليات وتسلّل بعض الروايات الضعيفة؛ وهذا ما يستوجب الحذر والدقَّة عند الاستفادة من بعض الكتب الروائيّة.
مكانة الروايات في التفسير
يمكن تقسيم آراء العلماء حول مكانة وحدود الاستفادة من الروايات في التفسير إلى ثلاثة آراء:
1- استقلال القرآن وعدم احتياجه إلى الأحاديث في التفسير:
ومنشأ هذا الرأي هو أنّ القرآن نزل بلسانٍ عربي مبين، وأنّ العقل يكفي لفهم القرآن ولا يحتاج إلى الأحاديث لتفسيره.
وهذا الرأي يتعارض مع ما جاء في قوله تعالى: ï´؟وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْï´¾12 ، وكذا حديث الثقلين، ويمكن أن يقال بأنّ الجذور التأريخية لهذا الرأي ترجع إلى شعار "حسبنا كتاب الله"، الّذي رُفع في عصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والّذي أصرّ على فصل القرآن عن أهل البيت عليهم السلام.98
2- عدم جواز تفسير القرآن إلّا بالروايات:
وهو الرأي المتطرِّف المنسوب إلى الأخباريين، وقد ناقشناه في مبحث تفسير القرآن بالقرآن.
3- اتخاذ الروايات وسيلة وقرينة لتفسير آيات القرآن:
وهو الرأي المعتدل والمختار، والّذي يعتبر الروايات الشريفة قرائن لتفسير القرآن، وأدوات لتوضيح معاني ومقاصد الآيات، ولها استخدامات متنوّعة في التفسير، كما هو الحال بالنسبة إلى القرائن العقلية وآيات القرآن. فأحاديث أهل البيت عليهم السلام لا يمكن أن تفترق عن القرآن لأنّه الأصل والروايات هي الفرع لذلك الأصل.
وفي الختام يُمكن أن يُقال إنّ سنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام تعتبر مصدراً لتفسير القرآن من جهة، ومن جهةٍ أخرى تكون قرينة ووسيلة للتفسير ولا يوجد تنافي بين الإثنين.
هوامش 1- أنظر: التفسير والمفسّرون، الشيخ محمّد هادي معرفة، ج 2، ص 21.
2- سورة النحل، الآية: 44.
3- الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي، ج 4، ص 174.
4- جامع البيان في تفسير القرآن، محمّد بن جرير الطبري، ج 1، ص 27- 28، دار المعرفة، بيروت، 1406هـ.
5- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 85، ص 279.
6- الخلاف، الشيخ الطوسي، ج 2، ص 323.
7- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 286.
8- تفسير نور الثقلين، عبد علي بن جمعة الحويزي، ج 4، ص 595، ح 19، المطبعة العلمية، قم، ط 2ـ 1383هـ.
9- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 27، ص 197.
10- قد تُذكر هذه الرسالة بعنوان رسالة المحكم والمتشابه، وتُنسب إلى السيّد المرتضى، وقد رويت في بحار الأنوار (المجلّدات المختصّة بالقرآن).
11- نظر: بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 89، ص 40.
12- سورة النحل، الآية: 44.
يتبع
تعليق
-
الدرس التاسع: ملاحظات على التفسير الروائي أهداف الدرس
1 ـ أن يتعرّف الطالب إلى آفّات التفسير الروائي
2- أن يطّلع على بعض كتب التفسير الروائي
3- أن يطّلع على نموذج من أصحاب التفسير الروائي
تمهيد101
علمنا أنّ التفسير النقليّ يشمل ما كان تفسيراً للقرآن بالقرآن، وما كان تفسيراً للقرآن بالسنّة، وما كان موقوفاً على الصحابة، أو المرويّ عن التابعين، أمّا تفسير القرآن بالقرآن بعد وضوح الدلالة فهو ممّا لا خلاف فيه، وكذلك بما ثبت من السنّة الصحيحة.
وأمّا ما أُضيف إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى أحد الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، وكان في سنده ضعف أو في متنه وهن، فذلك مردود غير مقبول، ما دام لم تصحّ نسبته إلى المعصوم عليه السلام.
وأمّا تفسير القرآن بالمروي عن الصحابة والتابعين، فقد تسرّب إليه الخلل، وتطرّق إليه الضعف والوهن الكثير، إلى حدّ كاد يفقدنا الثقة بكلّ ما روي من ذلك.
أسباب الوهن في التفسير الروائي
وعلى أيّ تقدير فأسباب الوهن في التفسير الروائي تعود إلى الأمور الثلاثة التالية:
1- ضعف الأسانيد103
ممّا يوجب الوهن في التفسير الروائي، ضعف الأسانيد بكثرة المجاهيل أو ضعاف الحال أو الإرسال أو حذف الإسناد رأساً، وما إلى ذلك ممّا يوجب ضعف الطريق في الحديث المأثور.
2- الوضع في التفسير
كان الوضع والدسّ من أهمّ أسباب الوهن في التفسير الروائي، وكانت الدواعي متوفّرة للدّسّ والاختلاق في المأثور من التفسير، إلى جنب الوضع في الحديث، فهناك أسباب سياسيّة وأخرى: مذهبيّة وكلاميّة، وربّما عاطفيّة.
وقد تفعّل ذلك على يد معاوية، حيث كان يجعل الجعائل على وضع الحديث أو قلبه تمشية لسياسته الغاشمة ذلك الحين، وراج ذلك طوال عهد الأمويّين وبعدهم في عهد العبّاسيين.
وأمّا أهم أسباب الوضع بشكل عامّ:
وهذه الأسباب الّتي سنوردها لها تأثير بشكل ولو غير مباشر على الأحاديث الّتي تفسّر القرآن الكريم أو ترتبط به بوجه، وهي:
1ـ ما وضعه الزنادقة اللابسون لباس الإسلام غِشّاً ونفاقاً، وقصدهم بذلك إفساد الدِّين وإيقاع الخلاف والافتراق بين المسلمين، قال حمّاد بن زيد: وضعت الزنادقة أربعة آلاف حديث1 ، وروى ابن الجوزيّ بإسناده إلى حمّاد بن زيد، يقول: وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة عشر ألف حديث2.
وهذا يعني أن هناك عدداً من الأحاديث لا يمكن الاستدلال بها في التفسير.
2ـ الوضع لنصرة المذاهب في أصول الدِّين وفروعه، فقد جعل العديد من أصحاب المذاهب يستفرغ ما بوسعه لإثبات مذهبه ودعم عقيدته.104
3ـ وضع الحديث تزلّفاً لدى الأمراء، فمثلاً كان الرشيد يعجبه الحمام واللهو به، فأُهدي إليه حمام، فروى له أبو البختريّ عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا سبق إلّا في خفّ أو حافر أو جناح. فزاد جناح3.
4ـ الوضع نزولاً مع سياسة الطغاة، فقد حثّ معاوية قوماً من الصحابة والتابعين، على رواية أخبار قبيحة في الإمام عليّ عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم أموالاً طائلة مقابل ذلك، ومن هؤلاء: أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير.
5ـ الوضع نزولاً مع رغبة العامّة، ورغبة في ما بأيديهم من حطام الدنيا. وهذه مهنة القصّاصين. وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "قد كثرت عليّ الكذّابة وستكثر. فمن كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار. فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنّتي، فما وافق كتاب الله وسنّتي فخذوه، وما خالف كتاب الله وسنّتي فلا تأخذوا به"4.
3- الإسرائيليات
كانت العرب منذ أوّل يومها تزعم أنّ أهل الكتاب، ولا سيّما اليهود القاطنين بين أظهرهم، أهل دين وثقافة ومعرفة بشؤون الحياة، ومن ثمّ كانوا يراجعونهم فيما تتوق إليه نفوسهم في معرفة شؤون الخليقة وتواريخ الأمم السالفة والأنبياء وما إلى ذلك.
وبعد ظهور الإسلام حثّ القرآن الكريم العرب على مسائلة أهل الذكر والكتاب بالنسبة إلى علامات نبوّة النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم. قال تعالى: ï´؟فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَï´¾5.105
وقد حسب بعض المسلمين الأوائل، أنّ ذلك تجويز لهم أيضاً في مراجعة اليهود، وسؤالهم عن بعض شؤون الشريعة ومعارفها.
من هنا جاء النهي عن مراجعة أهل الكتاب من القرآن والسنّة6.
ومن أشهر من روى الإسرائيليات:
1ـ عبد الله بن سلام: كان حبراً من أحبار اليهود، فأسلم عند مقدم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، وكان عبد الله بن سلام ممّن يحوك الأحاديث ليستجلب أنظار العامّة ليرفع منزلته لديهم، من ذلك ما حاكه حول صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في التوراة، فكان يذكر من أوصاف الرسول الراهنة، ويقول: وجدتها كذلك في التوارة7 ، وكان يدّعي أنّه أعلم اليهود وأخبرهم بكتب السالفين.
2ـ تميم بن أوس الداريّ: جاء مع عشرة نفر من بني عبد الدار على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد منصرفه من تبوك سنة (9هـ) فأسلم مع أخيه وكانا نصرانيّين، وقيل عنه: كان تميم راهب عصره وعابد فلسطين وقد بالغ أصحاب التراجم بشأنه وذكروا له كرامات ومناقب من نسج الخيال، وهذا الكاهن المسيحي والّذي بقيت معه نزعته المسيحيّة إلى ما بعد إسلامه هو أوّل من سنّ القصّ في المسجد، وذلك على عهد عمر بن الخطاب.
3ـ كعب الأحبار: من كبار أحبار اليهود، كان أبوه كاهناً، ولد قبل الهجرة
باثنتين وسبعين سنة، وأسلم بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في أوائل خلافة عمر، وهلك أيّام عثمان سنة (32هـ).106
اصطفاه معاوية وجعله من مستشاريه، وأمره أن يقصّ في بلاد الشام، وبذلك أصبح أقدم الأخباريين في موضوع الأحاديث اليهوديّة والمتسرّبة إلى الإسلام والّتي تحتوي على طائفة من أقاصيص التلمود الإسرائيليّات وما لبثت هذه الروايات أن أصبحت جزءاً من الأخبار التفسيريّة والتاريخيّة في حياة المسلمين.
4ـ عبد الله بن عمرو بن العاص: أسلم قبل أبيه عمرو، وعمرو أسلم قبل الفتح سنة ثمان، ولد عبد الله قبل الهجرة بسبع سنين، ومات سنة (65هـ).
هو أوّل من أشاع الإسرائيليّات بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ويبرّر ذلك بما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: "حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"8.
5ـ أبو هريرة: لم يُعرف أصله ولا نسبه ونشأته، ولا شيء من تاريخه قبل إسلامه، غير ما ذكر هو عن نفسه، من أنّه كان يلعب بهرّةٍ صغيرة وأنّه كان معدماً فقيراً، يخدم الناس على شبع بطنه.
أخذ العلماء على أبي هريرة كثرة حديثه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، مع قلّة صحبته وقلّة بضاعته حينذاك، ومن ثمّ رموه بالتدليس والاختلاق. كان يسمع الحديث من أحد الصحابة ثمّ يدلّس، فيرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
وكان كثيراً ما يسمع الحديث من أهل الكتاب ولا سيّما كعب الأحبار، فيسنده إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد كبار صحابته تدليساً وتمويهاً على العامّة.
6ـ وهب بن منبّه: ولد سنة (34هـ) ومات سنة (110هـ).
7ـ محمّد بن كعب القرطبي: ولد سنة (39هـ) ومات سنة (117هـ).107
8ـ ابن جريج: من أصل رومي نصراني (80ـ 150هـ)9.
أهمّ كتب التفسير الروائي
أمّا عند الشيعة - غير ما تقدّم في ص 99- 100, تفسير فرات الكوفي (كان حيّاً سنة 307هـ)، وتفسير العيّاشي (ت: حوالي 320هـ)، تفسير النعماني (ت: 342هـ)، وتفسير الصافي (للفيض الكاشاني، ت: 1091هـ)، والبرهان (السيد هاشم البحراني، ت: 1107هـ)، ونور الثقلين (لعلي بن جمعة الحويزي، ت: 1112هـ).
أمّا عند السنّة فهناك جامع البيان لإبن جرير (ذهب البعض إلى كونه من الشيعة) (ت: 310هـ)، والدّر المنثور في التفسير بالمأثور (لجلال الدِّين السيوطي، ت: 911هـ)، وهذان التفسيران يحتويان على روايات ضعيفة وموضوعة فضلاً عن الإسرائيليات، وتفسير ابن كثير (ت: 774هـ).
نموذج عن أصحاب التفسير بالمأثور
الطبري صاحب جامع البيان
هو أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (224 310هـ) نسبة إلى طبرستان، ولد بآمل من بلاد مازندران إيران، رحل إلى بغداد واستقرّ بها ونشر علمه هناك حتّى توفّاه الله.
يعتبره بعضهم أباً للتفسير وكذلك للتاريخ لجامعيّة تفسيره واستقصائه لآراء السلف وأقوالهم وعلى الرغم من ذكره للإسرائيليّات، واحتوائه على الروايات الضعاف،
يُعدّ من أهمّ المراجع التفسيريّة الجامعة لآراء السلف عند السنّة، ولولاه لربّما ضاعت أكثر تلكم الآراء.108
منهجه في التفسير ونقد الآراء
إنّه يذكر الآية أوّلاً ثمّ يعقّبها بتفسير غريب اللغة فيها، أو إعراب مشكلها، وربّما يستشهد بأشعار العرب وأمثالهم، وبعد ذلك يتعرّض لتأويل الآية، أي تفسيرها على الوجه الراجح، فيأتي بحديث أو قول مأثور إن كان هناك رأي واحد، وأمّا إذا ازدحمت الآراء، فعند ذلك يذكر كلّ تأويل على حدة، وربّما رجّح لدى تضارب الآراء أحدهما وأتى بمرجّحاته.
موقفه تجاه أهل الرأي في التفسير
إنّه يقف في وجه أهل الرأي في التفسير موقفاً عنيفاً، ويرى ذلك مخالفة بيّنة لظاهر دلائل الشرع، ويشدّد في ضرورة الرجوع إلى العلم المأثور عن الصحابة والتابعين، وأنّ ذلك وحده هو علامة التفسير الصحيح.
موقفه تجاه أهل الظاهر
كان الطبري إذا رأى من ظاهر النقل ما يتنافى مع العقل، يعمد إلى التأويل بوجهٍ مقبول، ويستنكر على أولئك الّذين يقتنعون بظاهر التعبير من غير تعقّل أو تحصيل.
نراه عند تفسير الاستواء من سورة البقرة10 يواجه آراءً يستنكرها ويؤوّل الآية بما لا يستدعي التحيّز في ذاته تعالى، الأمر الّذي استنكره عليه مشايخ الحنابلة ببغداد.
موضع ولائه لآل البيت عليهم السلام109
لم نجد علماً من أعلام الأمّة إلّا وهو خاضع لولاء آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، لذا يقول عنه الذهبي: الإمام الجليل المفسّر، ثقة صادق، فيه تشيّع وموالاة لا تضر11 ّ أي تشيّع من غير مغالاة. ومن ثمّ فآثار هذا التشيّع والولاء بادية أثناء تفسيره الجامع وكذا تاريخه الكبير، ومن الشواهد على ذلك تفسيره لآية التطهير (الأحزاب: 33) حيث يروي ستّة عشر حديثاً مسنداً مؤكّداً أنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين خاصّة12 ، وصنّف كتاباً في مجلّدين بشأن حديث الغدير، وله تأليف آخر بشأن حديث "الطير المشوي" في فضل الإمام عليّ عليه السلام.
وذُكر أنّه دُفن ليلاً خوفاً من العامّة، لأنّه كان يُتّهم بالتشيّع، ومع ذلك اجتمع على جنازته من لا يُحصى عددهم.
هوامش 1- أضواء على السنّة المحمّدية، ص221.
2- الموضوعات لابن الجوزي: ج1، ص37 38.
3- تفسير القرطبي، ج1، ص79-80.
4- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 2، ص 225.
5- سورة الأنبياء، الآية: 7.
6- أنظر: التفسير والمفسّرون، الشيخ محمّد هادي معرفة، ج 2، ص 596ـ 597.
7- أنظر: الطبقات، ابن سعد، ج1، ص 87.
8- صحيح البخاري، ج 4، ص 207.
9- أنظر: التفسير والمفسّرون، الشيخ محمّد هادي معرفة، ج 2، ص 621 627.
10- سورة البقرة، الآية: 29.
11- ميزان الاعتدال، أبو عبد الله الذهبي، ج 3، ص 498 499، رقم 7306.
12- جامع البيان في تفسير القرآن، أبو جعفر بن جرير الطبري، ج 22، ص 5 7، دار المعرفة، بيروت، 1406هـ.
يتبع
تعليق
-
الدرس العاشر: التفسير في عهد الصحابة (ابن عباس نموذجاً) أهداف الدرس
1-أن يعدِّد الطالب إلى أهمّ الصحابة المعروفين في التفسير
2- أن يطّلع على ابن عباس نموذجاً في التفسير
تمهيد113
لا شكّ أنّ الصحابة، ممّن ï´؟رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُï´¾1 كانوا هم مراجع الأمّة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذ كانوا حاملي لوائه ومصادر شريعته إلى الملأ، نعم كانوا على درجات من العلم والفضيلة، ولا يشكّ أحد بأنّ الإمام عليّ عليه السلام الّذي ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير2 كان في صدارة هؤلاء الصحابة والتلامذة النجباء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعرف من أسباب النزول ما لا يعرفه أحد لملازمته للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
المفسّرون من الصحابة
اشتهر بالتفسير من الصحابة أربعة، لا خامس لهم في مثل مقامهم في العلم بمعاني القرآن، وهم؛ عليّ بن أبي طالب عليهما السلام: وكان رأساً وأعلم الأربعة، وعبد الله بن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وعبد الله بن عباس، كان أصغرهم وأوسعهم باعاً في نشر التفسير.
ولهذا نرى أنّه من الضروري الإطلالة الإجمالية على دور هذه الشخصيّات في علم التفسير، ونختم الكلام بنموذج شبه تفصيلي.
من أعلم الصحابة بمعاني القرآن115
1ـ الإمام عليّ بن أبي طالب عليهما السلام
قال ابن عباس: جلّ ما تعلّمت من التفسير، من عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وقال: عليٌّ عَلِمَ علماً علّمه رسول الله، ورسول الله علّمه الله فعِلم النبيّ من عِلم الله، وعلم عليّ من علم النبيّ، وعلمي من علم عليّ عليه السلام. وما علمي وعلم أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في علم عليّ إلّا كقطرة في سبعة أبحر3.
وقال ابن مسعود: إنّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف، ما منها حرف إلّا وله ظهر وبطن، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده من الظاهر والباطن4.
ويصف الإمام عليه السلام نفسه وموضعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: "سلوني عن كتاب الله، فإنّه ليست آية إلّا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل أو جبل"5. "والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيمَ نزلت، وأين نزلت إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً"6.
2ـ عبد الله مسعود
هو من السابقين إلى الإيمان، وأوّل من جهر بالقرآن بمكّة، وأوذي في الله من أجل ذلك، وكان من أحفظ الناس لكتاب الله، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يُحبُّ أن يسمع القرآن منه، وكانت له مكانة سامية في التفسير لذا كان يقول: "والّذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلّا وأنا أعلم فيم نزلت وأين نزلت" وروي عنه الكثير لا سيّما من قبل كبار المفسِّرين من التابعين، والمتّفق عليه أنّه أخذ العلم من عليّ عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس من غيره بتاتاً. وكان ابن مسعود ممّن
شدّ وثاقه بولاء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يشذّ عن طريقتهم المُثلى منذ أوّل يومه إلى آخر أيّام حياته7.116
3ـ أُبيّ بن كعب
أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجّار.
عدّه الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله8 بهذا العنوان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال يكنّى أبا المنذر شهد العقبة مع السبعين وكان يكتب الوحي، آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. شهد بدراً والعقبة وبايع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ومثله بحذف اسم آبائه إلى كنيته ما في الخلاصة في قسم المعتمدين9 ، وقد نقل عنه في التفسير الكثير.
4ـ عبد الله بن عباس
حبر الأمّة وترجمان القرآن وأعلم الناس بالتفسير تنزيله وتأويله تلميذ الإمام عليّ عليه السلام ، وقد بلغ من العلم مبلغاً قال في حقّه الإمام عليّ عليه السلام: "كأنّما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق"10. ولا غرو في ذلك فإنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا له بقوله: "اللهم فقّهه في الدِّين وعلّمه التأويل"11 وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ولكلّ شيء فارس، وفارس القرآن ابن عباس"12.
ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وتربّى في حِجر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ الإمام عليّ عليه السلام ،
ومن ثمّ كان من المتفانين في ولاء الإمام عليه السلام.117
وكان يراجع سائر الاصحاب ممّن يحتمل عنده شيء من أحاديث الرسول وسُننه، فكان يأتي أبواب الأنصار ممّن عنده علم من الرسول، ويستطرق الأبواب لكبار الصحابة ليسأل عمّا يريد. قيل لطاووس13: لزمْتَ هذا الغلام يعني ابن عباس لكونه أصغر الصحابة يومذاك وتركْتَ الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: "إنّي رأيت سبعين رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذا تدارؤوا في أمر صاروا إلى قول ابن عباس"14.
وله في فضائل أهل البيت ولا سيّما الإمام عليّ عليه السلام أقوال وآثار باقية، إلى جنب مواقفه الحاسمة، ويكفيك أنّه من رواة حديث الغدير، مفسِّراً له بالخلافة والوصاية بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وكان الإمام الباقر عليه السلام يحبّه حبّاً شديداً، وقد كُفّ بصره بعد واقعة الطّف، لكثرة بكائه على مصائب أهل البيت عليهم السلام ، وكانت وفاته سنة (68هـ)15.
أ- توسّعه في التفسير
لم تمض العشرة الأولى من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلّا ونرى ابن عبّاس قد تفرّغ للتفسير واستنباط معاني القرآن. بينما سائر الصحابة كانت قد أشغلتهم شؤون شتّى، نراه صارفاً همّته في فهم القرآن وتعليمه واستنباط معانيه وبيانه، فكان يستطرق أبواب العلماء من الصحابة الكبار ولا سيّما من الإمام عليّ عليه السلام باب علم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان يعقد الحلقات القرآنية في مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من الإمام عليّ عليه السلام.
لكن بموازاة انتشار العلم منه في الآفاق، راج الوضع على لسانه ونسبت إليه
الكثير من الروايات، لمكان شهرته ومعرفته في التفسير. ومن ثمّ فإنّ التشكيك في أكثر المأثور عنه أمر محتمل.118
ب- منهجه في التفسير
أخذ ابن عباس العلم عن الإمام عليّ عليه السلام وتتلمذ على يديه وتلقّى التفسير عنه سواء في أصول مبانيه أم في فروع معانيه. وسار على منهج مستقيم في استنباط معاني القرآن، ولم يَحد عن منهج السلف الصالح في تفسير القرآن وفهم معانيه.
وحدّد ابن عباس معالم منهجه في التفسير بقوله: "التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يُعذَر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلّا الله"16.
فالقرآن فيه مواعظ وتكاليف يجب على المسلمين معرفتها والعمل بها، وفيه غريب اللغة ومشكلها، ممّا يمكن فهمها وحلّ مُعضلِها، بمراجعة الفصيح من كلام العرب، وفيه مسائل عن المبدأ والمعاد وفلسفة الوجود لا بدّ من الرجوع في تفسيرها إلى أهل العلم والمعرفة، وبقي المتشابه ما لا يعلمه إلّا الله أو من أطلعهم الله عليها وهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والصفوة من أهل بيته عليهم السلام.
وعلى ضوء هذا التقسيم الرباعي يمكننا الوقوف على مباني التفسير الّتي استند إليها ابن عباس في تفسيره للقرآن الكريم:
1- مراجعة ذات القرآن في فهم مراداته
إذ خير دليل على مراد أيّ متكلّم، هي القرائن اللفظيّة الّتي تحفّ كلامه، والّتي جعلها مسانيد نطقه وبيانه، وهكذا بالنسبة إلى القرائن المنفصلة (من دلائل العقل..)، والقرآن فيه من العموم ما كان تخصيصه في بيان آخر، أو
تقييد لمطلقاته، وليس لأيّ مفسِّر أن يأخذ بظاهر آية ما لم يفحص عن صوارفها وسائر بيانات القرآن الّتي جاءت في غير آية.119
ومن هذا القبيل ما رواه السيوطي عن ابن عباس، في قوله تعالى: ï´؟رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِï´¾17 قال: "كنتم أمواتاً قبل أن يخلقكم؛ فهذه ميتة، ثمّ أحياكم؛ فهذه حياة، ثمّ يميتكم فترجعون إلى القبور؛ فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة؛ فهذه حياة. فهما ميتتان وحياتان، فهو قوله تعالى: ï´؟كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونï´¾18.
2- رعايته لأسباب النزول
والّتي لها دورها الخطير في فهم معاني القرآن؛ حيث الآيات والسور نزلت نجوماً، وفي فترات وشؤون يختلف بعضها عن بعض، ولولا الوقوف على تلك الأسباب الواردة في شأن النزول لما أمكن فهم مرامي الآيات. ولهذا اهتمّ ابن عباس واعتمد لفهم معاني القرآن على معرفة أسباب النزول، وكان يسأل ويستقصي عن الأسباب والأشخاص الّذين نزل فيهم قرآن وسائر ما يمسّ شأن النزول.
عن ابن عباس قال: لم أزل حريصاً أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم اللّتين قال الله تعالى بشأنهما: ï´؟إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا.....ï´¾19 حتّى حجّ عمر وحججت معه... فقال: واعجباً لك يا ابن عباس! هما: عائشة وحفصة20.
وبلغ به الأمر في تقصّيه لأسباب النزول أن يعرف الحضريّ من السفريّ، والنهاريّ من الليليّ، وفيم أُنزل، وفيمن أُنزل، ومتى أُنزل، وأين أُنزل، وأوّل ما نزل، وآخر ما نزل...21
3- اعتماده المأثور من التفسير المرويّ120
وهذا واضح من خلال تتبّعه آثار الرسول وأحاديثه، واستطراقه لأبواب الصحابة العلماء، ليأخذ منهم ما حفظوه من سنّة النبيّ وسيرته الكريمة، وقوله: "ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام "، إنّما يعني اعتماد المأثور من التفسير22.
4- اضطلاعه بالأدب الرفيع
فقد نزل القرآن بالفصحى من لغة العرب، فما أشكل من فهم معاني كلماته، لا بدّ لحلّها من مراجعة الفصيح من كلام العرب المعاصر لنزول القرآن.
وكان ابن عباس صاحب ذوق أدبي رفيع وثقافة لغويّة عالية، فكان يقول: الشعر ديوان العرب، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن، الّذي أنزله الله بلغة العرب، رجعنا إلى ديوانها، فالتمسنا معرفة ذلك منه23. فقد سُئِل ابن عباس عن قوله تعالى: ï´؟عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَï´¾24. قال: العزون: الحِلَق الرقاق، وعن قوله تعالى: ï´؟إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهï´¾25 قال: نُضجه وبلاغه، وعنï´؟الْفُلْكِ الْمَشْحُونï´¾26 ، قال: السفينة الموقرة الممتلئة، وعن ï´؟جَدُّ رَبِّنَاï´¾27 ، قال: عظمة ربّنا، وفي كلّ ذلك استشهد بقول الشعراء28.
تفسير ابن عباس
هناك تفاسير منسوبة إلى ابن عباس، منها: ما رواه مجاهد بن جبر برواية
حميد بن قيس، وأبي نجيع يسار الثقفي، وقد طُبع أخيراً باهتمام مجمع البحوث الإسلامية بباكستان سنة (1367هـ)، والثاني: تفسير ابن عباس عن الصحابة، لأبي أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلوديّ المتوفى سنة (332هـ)، والثالث: تفسير ابن عباس الموسوم بـ "تنوير المقباس" من تفسير عبد الله بن عباس، في أربعة أجزاء، من تأليف محمّد بن يعقوب الفيروز آباديّ صاحب القاموس (729 817هـ)29.121
هوامش 1- أنظر سور: المائدة، الآية:119، المجادلة، الآية: 22، البيّنة، الآية:8، التوبة، الآية:100.
2- نهج البلاغة، الخطبة: 3 (الشقشقية).
3- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 89، ص 105 106.
4- الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ج 2، ص 509، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ.
5- تفسير العيّاشي، محمّد بن مسعود العيّاشي، ج 8، ص 283، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.
6- أنظر: التفسير والمفسّرون، الشيخ محمّد هادي معرفة، ج 1، ص 190.
7- التفسير والمفسّرون، الشيخ محمّد هادي معرفة، ج 1، ص 193.
8- رجال الطوسي، ص22، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1415هـ.
9- خلاصة الأقوال، العلّامة الحلّي، ج1، ص66، مؤسّسة نشر الفقاهة، ط1، 1417هـ.
10- م. ن، ج 3، ص 19.
11- م. ن.
12- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 22، ص 343.
13- هو طاووس بن كيسان اليماني، وروي أنّه أدرك خمسين من الصحابة. عدّة الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب السجّاد عليه السلام، مات رحمه الله تعالى سنة 106 هـ. أنظر: رجال الطوسي، ج3، ص 94.
14- أنظر: الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ج 2، ص 330 334 رقم: 4781.
15- أنظر: التفسير والمفسّرون، الشيخ محمّد هادي معرفة، ج 1، ص 198ـ 203.
16- تفسير الطبري، أبو جعفر بن جرير الطبري، ج 1، ص 26.
17- سورة غافر، الآية: 11.
18- سورة البقرة، الآية: 28، وراجع الدّر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي: ج5، ص347، دار الفكر، ط1، 1403هـ.
19- سورة التحريم، الآية: 4.
20- الدّر المنثور، جلال الدين السيوطي، ج 6، ص 242.
21- أنظر: الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 1، ص 51ـ 57 و60ـ 64، و68ـ 76 وغير ذلك.
22- أنظر: التفسير والمفسّرون، الشيخ محمّد هادي معرفة، ج 1، ص 210.
23- م. ن، ص 212.
24- سورة المعارج، الآية:37.
25- سورة الأنعام، الآية: 99.
26- سورة الشعراء، الآية: 119.
27- سورة الجن، الآية: 3.
28- أنظر: الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 2، ص 56ـ 88.
29-أنظر: التفسير والمفسّرون، الشيخ محمّد هادي معرفة، ج 1، ص 254ـ 256.
تعليق
تعليق