إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عاقبة حب الدنيا وبغضها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عاقبة حب الدنيا وبغضها

    بسم الله الرحمن الرحيم

    والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين وعلى اله الطاهرين

    عاقبة حب الدنيا و بغضها


    اعلم انه لا يبلغ مع العبد عند الموت الا صفاء القلب
    ، اعني طهارته عن ادناس الدنيا و حبه لله و انسه بذكره، و صفاء القلب و طهارته لا

    يحصل الا بالكف عن شهوات الدنيا، و الحب لا يحصل الا بالمعرفة، و المعرفة لا تحصل الا بدوام الفكرة، و الانس لا يحصل الا بكثرة ذكر

    الله و المواظبة عليه، و
    هذه الصفات الثلاث هي المنجيات المسعدات بعد الموت، و هي الباقيات الصالحات.

    اما طهارة القلب عن ادناس الدنيا، فهي الجنة بين العبد و بين عذاب الله، كما ورد في الخبر: «
    ان اعمال العبد تناضل عنه، فاذا جاء العذاب

    من قبل رجليه جاء قيام الليل يدفع عنه، و اذا جاء من قبل يديه جاءت الصدقة تدفع عنه. . .
    » الحديث.

    و اما الحب و الانس، فهما يوصلان العبد الى لذة المشاهدة و اللقاء.

    و هذه السعادة تتعجل عقيب الموت الى ان يدخل الجنة، فيصير القبر روضة من رياض الجنة، و كيف لا يصل صاحب الصفات الثلاث بعد

    موته غاية البهجة و نهاية اللذة بمشاهدة جمال الحق، و لا يكون القبر عليه روضة من الرياض الخلد، و لم يكن له الا محبوب واحد، و كانت

    العوائق تعوقه عن الانس بدوام ذكره و مطالعة جماله، و بالموت ارتفعت العوائق و افلت من السجن و خلى بينه و بين محبوبه، فقدم عليه

    مسرورا سالما من الموانع آمنا من الفراق؟ و كيف لا يكون محب الدنيا عند الموت معذبا و لم يكن له محبوب الا الدنيا، و قد غصبت منه و

    حيل بينه و بينها، و سدت عليه طرق الحيلة في الرجوع اليه؟ و ليس الموت عدما، انما هو فراق لمحاب الدنيا و قدوم على الله، فاذن سالك

    طريق الآخرة هو المواظب على اسباب هذه
    الصفات الثلاث، و هي: الذكر، و الفكر، و العمل الذي يفطمه عن شهوات الدنيا و يبغض اليه

    ملاذها و يقطعه عنها. و كل ذلك لا يمكن الا بصحة البدن، و صحة البدن لا تنال الا بالقوت و الملبس و المسكن، و يحتاج كل واحد الى

    اسباب، فالقدر الذى لا بد منه من هذه الثلاثة اذا اخذه العبد من الدنيا للاخرة لم يكن من ابناء الدنيا و كانت الدنيا في حقه مزرعة الآخرة، و ان

    اخذ ذلك على قصد التنعم و حظ النفس صار من ابناء الدنيا و الراغبين في حظوظها. الا ان الرغبة في حظوظ الدنيا تنقسم الى ما يعرض

    صاحبه لعذاب الله في الآخرة، و سمى ذلك حراما، و الى ما يحول بينه و بين الدرجات العلى و يعرضه لطول الحساب، و يسمى ذلك حلالا. و

    البصير يعلم ان طول الموقف في عرصات القيامة لاجل المحاسبة ايضا عذاب، فمن نوقش في الحساب عذب، و لذلك قال رسول الله-صلى الله

    عليه و آله-:
    «في حلالها حساب و في حرامها عقاب‏» . بل لو لم يكن الحساب، لكان ما يفوت عن الدرجات العلى في الجنة و ما يرد على

    القلب من التحسر على تفويتها بحظوظ حقيرة خسيسة لا بقاء لها، هو ايضا عذاب و يرشدك الى ذلك حالك في الدنيا اذا نظرت الى اقرانك، و

    قد سبقوك الى السعادات الدنيوية، كيف ينقطع قلبك عليها حسرات، مع علمك بانها سعادات متصرمة لا بقاء لها، و منغصة بكدورات لا صفاء

    لها، فما حالك في فوات سعادات لا يحيط الوصف بعظمتها و تنقطع الاذهان و الدهور دون غايتها؟ و كل من تنعم في الدنيا، و لو بسماع

    صوت من طائر او بالنظر الى خضرة او بشربة ماء بارد، فهو ينقص من حظه في الآخرة و التعرض لجواب السؤال فيه ذل، و حذر، و

    خوف، و خطر، و خجل و انكسار، و مشقة، و انتظار، و كل ذلك من نقصان الحظ.

    فالدنيا-قليلها و كثيرها، حلالها و حرامها-ملعونة، الا ما اعان على تقوى الله، فان ذلك القدر ليس من الدنيا، و كل من كانت معرفته اقوى و اتم

    كان حذره من نعيم الدنيا اشد و اعظم، حتى ان عيسى عليه السلام وضع راسه على حجر لما نام ثم رمى به، اذ تمثل له ابليس و قال رغبت

    في الدنيا. و حتى ان سليمان-عليه السلام-فى ملكه كان يطعم الناس من لذائذ الاطعمة و هو ياكل خبز الشعير، فجعل الملك على نفسه بهذا

    الطريق امتحانا و شدة، فان الصبر من لذيذ الاطعمة مع وجودها اشد. و لذا زوى الله-تعالى-الدنيا على نبينا-صلى الله عليه و آله- فكان يطوى

    اياما، و كان يشد الحجر على بطنه من الجوع، و لهذا سلط الله المحن و البلاء على الانبياء و الاولياء، ثم الامثل فالامثل في درجات العلى.

    كل ذلك نظرا لهم و امتنانا عليهم، ليتوفر من الآخرة حظهم، كما يمنع الوالد المشفق ولده لذائذ الفواكه و الاطعمة و يلزمه الفصد و الحجامة،

    شفقة عليه و حبا له لا بخلا به عليه. و قد عرفت‏بهذا ان كل ما ليس لله فهو من الدنيا و ما هو لله فليس من الدنيا.

    ثم الاشياء على اقسام ثلاثة:


    (الاول) ما لا يتصور ان يكون لله، بل من الدنيا صورة و معنى و هي انواع المعاصي و المحظورات و اصناف التنعم بالمباحات، و هي الدنيا

    المحضة المذمومة على الاطلاق.

    (الثاني) ما صورته من الدنيا، كالاكل و النوم و النكاح و امثالها، و يمكن ان يجعل معناه لله، فانه يمكن ان يكون المقصود منه حظ النفس

    فيكون معناه كصورته ايضا من الدنيا، و يمكن ان يكون المقصود منه الاستعانة على التقوى، فهو لله بمعناه و ان كانت صورته صورة الدنيا، !

    46 قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «من طلب من الدنيا حلالا مكاثرا مفاخرا لقى الله و هو عليه غضبان، و من طلبها استعفافا عن

    المسالة و صيانة لنفسه جاء يوم القيامة و وجهه كالقمر ليلة البدر» .

    (الثالثة) ما صورته لله، و يمكن ان يجعل معناه من الدنيا بالقصد، و هو ترك الشهوات، و تحصيل العلم، و عمل الطاعات و العبادات. فهذه

    الثلاث اذا لم يكن لها باعث‏ سوى امر الله و اليوم الآخر فهى لله صورة و معنى، و لم تكن من الدنيا اصلا، و ان كان الغرض منها حفظ المال

    و الحمية و الاشتهار بالزهد و الورع و طلب القبول بين الخلق باظهار المعرفة صار من الدنيا معنى و ان كان يظن بصورته انه لله.


    المصدر..

    جامع السعادات


  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد واله الطيبين الطاهرين


    بارك الله بك اختي الكريمة واسأله ان ينير قلبك بنور الايمان

    وان يجعل جهودك في ميزان حسناتك
    sigpic

    تعليق

    يعمل...
    X