الآيات القرآنية التي تصرح بعدم إمكان رؤية الله تعالى
ولم يقبلوا في ذلك أيَّ استدلال،بل لم يكن لهم استعداد لسماع أيِّ حديث من الأحاديث التي تنفي الرؤية،فتشدَّدوا في هذا الأمر ولعنوا كلَّ مَن يُحدِّث بحديث ينفي الرؤية،فلم يقبلوا النظر في مِثل هذه الأحاديث مخالفين بذلك المنهج العلمي الصحيح، وفيما يلي نذكر:
الآيات القرآنية التي تصرح بعدم إمكان رؤية الله تعالى
الآية الأولى:تفيد أن موسى(ع) يتوب إلى الله تعالى مِن طلب الرؤية،وأنّه أول المؤمنين الَّذين يؤمنون بأنَّ الله تعالى لا يُرى، وذلك قوله تعالى:
(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ )[الأعراف/143].
فلو كانت الرؤية من أفضل نعم الجنَّة كما يزعمون لما تاب موسى من طلب الرؤية لأن طلب نعمة من نعم الجنَّة في الحياة الدنيا لا يعد ذنباً.
الآية الثانية:تفيد نزول العذاب على مَن طلب رؤية الله تعالى مِن بني إسرائيل، قال الله تعالى:
( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى الله جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) [البقرة/55]. فالله تعالى يستعظم الرؤية ويستفظع سؤالها ويقبّحه ويعدّ الإنسان قاصراً عن أنْ ينالها على وجه ينزل العذاب عند سؤالها،فلو كانت الرؤية أمراً ممكناً يوم القيامة ، لتلطّف عليهم الله تعالى، وأخبرهم بأنّهم سيرونه في الحياة الآخرة لا في الحياة الدنيا، ولكن نرى أنّ الله تعالى يقابلهم بنزول الصاعقة فيقتلهم ثمّ يحييهم بدعاء موسى(ع).
الآية الثالثة:تفيد أن طلب رؤية الله تعالى ذنب يعاقب الله تعالى عليه، وهو أكبر إثماً ممن طلب نزول كتاب من السماء، وذلك في قوله تعالى:
(يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا الله جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا)[النساء/153]، فلو كانت رؤية الله تعالى ممكنة يوم القيامة لما سمي طلب الرؤية ظلماً، وتعدّياً عن الحدّ و لأُخْبِرَ بنو إسرائيل عن جوازها يوم القيامة، ولما عُوقِبوا على هذا الطلب لاسيما أنَّ بني إسرائيل طلبوا مِن موسى أنْ يجعل لهم صنماً يعبدوه فلم يُعَاقَبوا على طلبهم هذا بل نصحهم موسى،وبين لهم وجه خطئهم كما جاء في قوله تعالى:
(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ الله أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)[الأعراف : 138 - 140]
فيقال لمن زعم أن رؤية الله تعالى يوم القيامة من أعظم نعم الجنة : لو كان زعمك صحيحاً لما ذم الله تعالى طلب الرؤية ولما وصفه بالظلم لأنَّ طلب النعمة أو النعيم أو الجنة لا يُسَمَّى ظلماً، فقد طلبت امرأة فرعون قصراً في الجنة، فمدحها القرآن على طلبها هذا فقال: ( وَضَرَبَ الله مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم/11].
وقد استنكر القرآن الكريم طلب الرؤية استنكاراً شديداً، ووصفه بِتَبَدُّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ وحذر المسلمين منه فقال: ) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ([البقرة : 108]،قال الثعلبي: S( أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ) محمداً.(كَمَا سُئلَ مُوسَى مِن قَبْلُ) سأله قومه فقالوا : أرنا الله جهرةR[2].
وقال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: ( كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ):Sسؤالهم إياه أن يريهم الله جهرةR[3].
فكيف تكون رؤية الله تعالى من أعظم النعم ووصف الله تعالى طلبها بِتَبَدُّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ وحذر المسلمين منها ؟! خصوصاً وأنَّ القرآن الكريم لم يترك نعمة مِن نعم الجنة إلاَّ ذكرها،فكيف يترك ذكر أفضل نعمة؟!
فلو كانت رؤية الله تعالى من أفضل نعم الجنَّة كما يزعم مثبتو الرؤية لما تركها القرآن الكريم، فمِن أين لهمبهذا الافتراء على الله تعالى؟!
الآية الرابعة: تذم الكفار لطلبهم رؤية الله تعالى، وذلك في قوله تعالى:
(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ) [الفرقان : 21]
الآية الخامسة:تنفي بصورة مطلقة رؤية الله تعالى بالبصر؛ قال الله تعالى:
(لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الأنعام/103]
الآية السادسة:تنفي أن يكون مثيل لله،فهي تنفي الرؤية و الجسمية والتشبيه عن الله تعالى؛ قال الله تعالى:Pلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُO[الشورى : 11]
وهكذا يُلاحَظ أَنَّ الآيَاتِ المتقدمة تنفِي رؤية الله تعالى بالبصر بصورة صريحة و واضحة بخلاف الآيات التي يستدلون بها على إثبات الرؤية فإنها لا تدلُّ على ما يزعمون بصورة صريحة، كقوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) [يونس : 26].
[1]تفسير المنار لمحمد رشيد:9/118[سورة الأعراف/آية: 144].
[2]الكشف والبيان للثعلبي:1/257[سورة البقرة،الآيات: 107-109].
[3]الجامع لأحكام القرآن للقرطبي:2/49[سورة البقرة/آية:108].
تعليق